الأخلاق الجوهرية تعني صناعة الانسان

قبسات من أفكار المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: الاخلاق عنصر جوهري في بناء الشخصية، ولا ينتمي الى المظاهر القشرية، ولهذا تبقى الاخلاق ناقصة، اذا لم تتحول الى فعل قائم، وشاخص في الميدان الذي يتحرك وينشط فيه الانسان، من هنا تتسم الاخلاق، وقضية تحصيلها، والتميّز بها، بالتأني بسبب العمق السحيق الذي يميزها، وهذا القول او الرأي، يدعم إصطفاف الاخلاق الى الجوهر الانساني قبل شكله.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، بهذا الصدد، في كتاب (من عبق المرجعية): (عمق المسائل الاخلاقية وعدم الوصول السريع الى نتائجها يجعل المرء وكأنه غارق في المجهول).

وبسبب صعوبة تحقيق التكامل الاخلاقي في شخصية الانسان، فإنه قد يصل الى حالة من اليأس، الذي يقوده الى التراجع عن دوره الانساني في الحياة، فالاخلاق منظومة ترفع الانسان وتسمو بنفسه، الى ما فوق الانسان المتعارف عليه في المجتمع، حيث يتنزّه الانسان المتسم بالاخلاق، عن الصغائر، والغرائز، والنوازع التي غالبا ما تحاول أن تحط من قيمة الانسان، كقيمة فكرية، سلوكية، عليا بين الكائنات، التي تتخذ من المعمورة مأوى لها، وربما لهذا السبب تحديدا، يؤكد سماحة المرجع الشيرازي، في الكتاب نفسه قائلا: (لنخطط لأرواحنا قبل ان نخطط لبطوننا وايدينا وبيوتنا واهلينا).

فسماحته يؤمن ويحث الآخرين على أهمية الغذاء الروحي قبل الجسدي، كون الغذاء الروحي يسمو بالروح الى مراتب عالية، تجعل من صاحبها، او حاملها، نموذجا مشعّا على الآخرين، بأخلاقه التي تتمخض عن سلوكيات، وأفكار، تصنع الفرد والمجتمع النموذجي، ولهذا يركز سماحة المرجع الشيرازي، على هذا الجانب، حين يؤكد مرة أخرى، وأخرى، قائلا: (علينا بعلم الاخلاق... فليست اخلاق الاسلام وآدابه كلها مستحبات ومكروهات فقط، بل إن فيها الواجبات والمحرمات أيضا).

وهذا يعني بأن الانسان المسلم، لكي يُمنَح أحقية الانتماء للاسلام، شكلا وجوهرا، عليه أن يهتم، ويتواصل، ويتعاطى، مع علم الاخلاق، ليس في جانبه الاعتباري، او العلمي فحسب، بل لابد أن يتحول هذا العلم والمحتوى، الى تطبيق عملي شاخص، في ميدان العلاقات الانسانية الواسعة، والمتعددة الجوانب، مع عموم أفراد المجتمع، وجماعاته المختلفة، لذلك لاينبغي قط أن ننظر أو نتعامل مع الاخلاق، على أنها جانب شكلي، أو مكمل (فحسب) لشخصية الانسان، بل الاخلاق هي جوهر الانسان، وهي التي تصنعه، وينبّه سماحة المرجع الشيرازي الجميع على ان: (علم الاخلاق اصعب من الفقه ولا ينبغي لنا ان نستسهله، لأن الاخلاق تعني صناعة الانسان).

فالاخلاق بهذا المعنى، تقود الانسان نحو درجات الكمال رويدا، لاسيما حب الخير للآخرين، في عموم ميادين الحياة، حتى في حالات المنافسة، والتسارع في تحصيل المكاسب، وما شابه، فميزة الانسان الذي تصنعه الاخلاق، هو تفضيله للآخر على نفسه، أو في الاقل، التساوي في درجة الحب، بين ذاته والآخرين، لا تفضيلها عليهم، وهذه هي القيمة العظمى، التي تنتجها الاخلاق في شخصية الانسان، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد بالكتاب نفسه:

(اذا حصل الانسان على ملكة حب الخير في كل ابعاده، شعر باللذة، وبدأ يلمس نتيجة أتعابه في مجال الاخلاق والفضائل).

ولكن هل من السهل على الانسان، بلوغ درجة الاخلاق، التي تسهم ببنائه على الوجه الأمثل؟ إن بلوغ هذه المرتبة، تعني صراعا مريرا، بين الانسان ونفسه، وتركيبتها الغامضة، المتناقضة، وغرائزه التي تدفع به نحو الاتجاه المضاد لانسانيته، في حالة تجاوز الضوابط، والمحددات التي لاتعترف بها الغرائز في الغالب، لهذا تكون الاخلاق هي الكابح الأكبر، والأهم، ليس للغرائز الجانحة، نحو الشر والخطأ، فحسب، بل في عموم السلوكيات، التي تحاول أن تحط من قيمة البشر.

لهذا السبب ولأسباب أخرى، كان ولا يزال يصعب على الانسان، بلوغ مرتبة الاخلاق الجوهرية، التي تقوده نحو السؤدد، والسمو، والرفعة، التي تضعه الى جانب الشخصيات العظيمة، التي صنعتها الاخلاق، وهي بدورها صنعت أممها وشعوبها الناجحة، ولذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه: (أصبح الارتقاء في مدارج الاخلاق صعبا، بل أصعب من الاجتهاد، وخير دليل على ذلك الواقع الخارجي فإن عدد من بلغوا مرتبة الانسان الكامل أندر من عدد المجتهدين).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/كانون الثاني/2011 - 7/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م