كرة القدم... اذ تفضح مشاعر كرهنا وغضبنا

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: نتيجة اللقاء بين المنتخبين السوري والسعودي اثلجت قلوب العراقيين، بعيدا عن شعارات الاخوة العربية وشعارات الشعوب الشقيقة التي يشنف بها اسماعنا المنظرين العروبيين ودعاة القومجية العربية والحركات والاحزاب السياسية الهرمة كان الفوز السوري بمثابة فوز عراقي، هكذا يصف الكثير من العراقيين ذلك الفوز.

تابعت بعضا من دقائق المباراة على قناة الكاس القطرية، كان يفترض بالمعلق ان يكون حياديا في تعليقه على احداث اللقاء الا ان العكس هو ما حصل، كان منحازا عاطفيا الى الفريق السوري، وحتى الجمهور القطري الذي كان حاضرا المباراة كان يهتف للفريق السوري وانعزل الجمهور السعودي واقفا لوحده لا احد من المتفرجين يناصر الفريق الاخضر غيرهم.

تعيدنا اجواء ذلك اللقاء الى المباراة المؤهلة لكاس العالم الاخيرة بين مصر والجزائر حيث اختفى البساط الاخضر تحت اقدام اللاعبين وظهر البساط الرمادي حيث تلعب السياسة واحابيلها وظهرت التوترات السياسية والاجتماعية والثقافية بين دولتين ومجتمعين شقيقين.

بالعودة الى الجمهور العراقي سواء منهم من شاهد المباراة او سمع نتيجتها تتكشف كوامن العواطف والمشاعر لتنفجر بهذا الشكل من الفرح الغامر بخسارة الفريق السعودي.

منهم من اطلق العنان لفرحه باطلاق الاعيرة النارية ومنهم من قال بانه يشعر ان الفريق العراقي هو الفائز ومنهم من قال لن يهمنا حتى لو خسرنا مباراتنا مع ايران المهم ان السعودية قد خسرت.

ما الذي قاد الى تلك المشاعر من الفرح وكان يفترض العكس على اعتبار مكانة السعودية ودورها الاقليمي، او على اقل تقدير تكون المشاعر عادية واعتبارها كأي مباراة تجري بين فريقين حتى انهما ليسا في مجموعة العراق.

في الجانب السوري قد يكون مفهوما طوفان المشاعر السورية، فالسوريون لا يرتاحون للسعوديين وهم يحلون كل صيف في مدن بلادهم، قد يكون ذلك بسبب الغرور والتعالي الذي يشعر به السعودي اتجاه مواطني الدول العربية التي لا تملك الوفرة النفطية التي تمتلكها دولته.. وقد يكون مرد ذلك الى نظرة الحسد اتجاه السعوديين نتيجة للدخول المرتفعة وللبحبوحة المالية التي يعيشها السعودي وتصل الى حد التبذير الفاحش والى حد استرقاق النساء السوريات الفقيرات.. على الجانب السياسي كان العاهل السعودي توّج سوء العلاقة بين البلدين برفضه المشاركة في القمة العربية التي استضافتها دمشق.

وكانت العلاقات السعودية السورية بدأت تشهد توتراً حاداً بعد اغتيال الرئيس اللبناني رفيق الحريري، واشتد التوتر بعد الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على لبنان عام 2006، حين وصف الرئيس السوري العرب الذين انتقدوا حزب الله لقيامه بالحرب بـ (أنصاف الرجال).

وقد تحدث في وقتها محللون سياسيون أن الفتور في العلاقات السورية السعودية يمتد عميقا لما قبل اغتيال رفيق الحريري و تحديدا الى فترة الحرب العراقية الايرانية عندما اعتبرت المملكة السعودية أن مساندة الرئيس الأسد الأب لايران ضد الرئيس العراقي المخلوع صدام كان بمثابة ثلمة في الأجماع العربي السني في اعتبار أن هذه الحرب حرب مقدسة لأنهاء الثورة الايرانية الشيعية و لئن خففت مواقف الأسد الأب من هذا الفتور عندما ساند الكويت و السعودية بأرساله الجنود لطرد قوات الرئيس العراقي من الكويت فأن العديد من أمراء و ساسة المملكة و يدعمهم في ذلك علماء المملكة المعروفين بفتاويهم الصريحة في تكفير الشيعة واستباحة دمائهم , يقول المحللون السياسيون أن هؤلاء يحمـّـلون سوريا ما آلت أليه الأحداث في العراق من تفوق نسبي للشيعة بوجه الخصوص و الأكراد معهم بوجه العموم بالرغم من التغاضي الذي تتحدث عنه بعض الأطراف للحكومة السورية عن تدفق المئات من السعوديين الى العراق تحت شعار محاربة الأمريكان ليفجروا السيارات في المستشفيات و الأسواق و مواقف السيارات في المدن ذات الأغلبية الشيعية.

فيما يتعلق بعلاقات قطر والسعودية، معروفة مساحة التنافر السياسي بين البلدين رغم الفوارق الكبيرة في الامكانات المادية والبشرية والجغرافية، عودة سريعة الى التاريخ القريب لإيضاح ذلك.

عززت هزيمة صدام في حرب تحرير الكويت موقع السعودية في المنطقة على مستوى القوة المرنة والقوة الصلبة، واذ ذاك شعرت دول الخليج الصغرى بانها غير محصنة ضد السعودية وايران على السواء. وقد شعرت قطر على وجه الخصوص بانها قد تواجه عدوانا مماثلا لذاك الذي تعرضت له الكويت الا ان المعتدي هذه المرة سيكون اما ايران واما السعودية.

وفي مجال القوة الصلبة تحولت انظار قطر الى الولايات المتحدة باعتبارها الضامن لأمنها في مواجهة جارتيها القويتين اي السعودية وايران.

في العام 1995 تفاقم شعور قطر بعدم الامان عندما تسلم الامير حمد بن خليفة الثاني زمام الحكم بعد ان خلع والده في انقلاب ابيض. وفي البداية لم تدعم الصحف السعودية والمصرية النظام الجديد تحت ذريعة انه يتعارض مع القيم والتقاليد العربية.. وفي حين هرب بعض انصار الوالد الى مصر التجا بعضهم الاخر الى السعودية واذ ذاك تولد شعور لدى النخبة القطرية بان السعودية ومصر كانتا تحاولان اعادة الامير المخلوع الى الحكم.

اضف الى ذلك منافسة قطر للدور السعودي الخليجي والاقليمي ومحاولة التمرد على من يعتبر الاخ الاكبر في العائلة الخليجية. وقطر ايضا تريد ادخال ثروتها من الغاز الطبيعي في سلة منظمة الاوبك كي تستطيع منافسة اللاعبين الكبار في مضاربات الثروة النفطية على مستوى الاقتصاد والسياسة مع ممانعة سعودية لإدخال الغاز الطبيعي الى تلك السلة.

ويمكن اضافة قناة الجزيرة القطرية ودورها الاعلامي في تأليب الشارع العربي على السعودية من خلال كشفها للكثير من ملفات الفساد المالي والاخلاقي لأمرائها على مدار السنوات الماضية والتي استدعت من السعودية ردا بمستوى تأسيس قناة العربية لخلق حالة من التوازن الاعلامي بينها وبين قطر.

على الجانب العراقي اجتماعا وسياسة ومصائر، سبق تلك المباراة اعدام 40 عراقيا بقطع الاعناق لاتهامهم بعبور الحدود السعودية بصورة غير شرعية وهي عقوبة بمنتهى القسوة والبشاعة لا تتناسب والجرم المزعوم.

اضافة الى الدور السعودي التخريبي في العراق من خلال المفجرين الانتحاريين الذين حصدت سياراتهم المفخخة واحزمتهم الناسفة ارواح الالاف من العراقيين منذ العام 2003 وكانوا يتسارعون للغداء مع الرسول عبر اجساد العراقيين وارواحهم. ولا ننسى التنافر العقائدي الوهابي – الشيعي وفتاوى علماء الدولة السعودية بتكفير الشيعة واستحلال دمهم واموالهم واعراضهم عبر منابرهم التي تملا الفضاء العربي وتزرع التطرف والكراهية في نفوس المسلمين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/كانون الثاني/2011 - 6/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م