اصدارات جديدة: نيلس هاو... نموذج شعري دنماركي

 

 

 

الكتاب: حين اصير اعمى

الكاتب: الشاعر الدنماركي نيلس

الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون

عدد الصفحات: 85 صفحة متوسطة القطع

عرض: جورج جحا

 

 

 

 

 

شبكة النبأ: يبدو ان الشغف العراقي التاريخي بالشعر في هذا العصر لا يقتصر على انتاجه بالعربية فحسب بل يمتد الى ابعد من اللغتين المألوفتين في العالم العربي اي الانجليزية والفرنسية ليصل الى شعر مغرق في شماليته اي الى البلدان الاسكندنافية.

الكلام هذا يتناول مجموعة للشاعر الدنماركي نيلس هاو التي ترجمها الى العربية الشاعر العراقي جمال جمعة الذي سبق ان ترجم شعرا بالدنماركية غير هذه المجموعة. اما المقدمة القيمة التي حملتها المجموعة فقد كتبها الشاعر العراقي فاضل العزاوي.

المجموعة التي جاءت في 85 صفحة متوسطة القطع وبلوحة غلاف لشريف جمعة صدرت عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت. اشتملت المجموعة على 35 قصيدة توزعت على ثلاثة اقسام. بحسب رويترز.

وجاء في التعريف بنيلس هاو انه و لد عام 1949 ويمارس كتابة الشعر والقصة القصيرة "بذات الجودة والحرارة.. حرارة الحياة التي تطبع ابناء المدينة البسطاء المفعمين بالفكاهة السوداء. صدرت له اول مجموعة شعرية عام 1981 ثم واصل بعدها اصدار العديد من الدواوين الشعرية والمجاميع القصصية اهمها "حين اصير اعمى" و"جغرافيا الروح" ومجموعة "عناصر"." يقطن حاليا مع زوجته عازفة البيانو في احدى ضواحي كوبنهاجن.

كتب الشاعر فاضل العزاوي مقدمة عن هاو جعل عنوانها "الضوء والعتمة في شعر نيلس هاو". قال العزاوي "رغم اننا كنا قد قرأنا شيئا من الادب الدنمركي حتى بدون ان نعي ذلك تماما حين كنا لا نزال تلاميذ في المدرسة من خلال قصص هانس كريستيان اندرسن (1805-1875) التي ملات طفولتنا بالسحر والجمال وأخذنا فيما بعد بشعرية (الفيلسوف الدنمركي الوجودي سورن) كيركجارد الذي اثار اهتمامنا به وبرؤاه الفلسفية... فان الادب الدنمركي وخاصة الشعر ظل قارة مجهولة بالنسبة للقاريء العربي."

اضاف فاضل العزاوي ان هذا لم "يكن غريبا جدا فالشعر الدنمركي الحديث مازال يجاهد ليشق طريقه بصعوبة حتى الى لغة مثل الانجليزية. ولكن هذا التحدي الذي يواجه الشعر الدنمركي الحديث لم يجعله اكثر عزلة عن تجارب الحداثة الشعرية التي يعيشها العالم.. فالمجتمع الدنمركي الحديث يمتلك سمعة كونه الرائد بين كل المجتمعات الغربية في ما يتعلق بثقافة قرائه ودعم مجالسه المحلية للفن والادب فضلا الاصدارات الكثيرة من الكتب والمجلات كما لا تكاد تجد كاتبا او شاعرا دنمركيا لا يتحدث بلغة او اكثر من لغة اخرى وهو ما جعل النخبة الثقافية اشد تماسا بروح زمنها واكثر بعدا عن الانغلاق على ذاتها."

اضاف ان هذا الجليد بدأ يذوب اخيرا حيث صدرت في الاعوام القليلة الماضية عدة مجموعات لشعراء دنمركيين بارزين باللغة الانجليزية مثل هنريك نوردبرانت في عمله "حياتي .. حلمي" وبيا تافدراب في "مد وجزر" وغيرهما.

العزاوي الذي عرف نيلس هاو معرفة شخصية تحدث عن مجموعته هذه التي ترجمها جمال جمعة الى العربية فقال ان "عنوان الديوان نفسه (حين اصير اعمى) يوحي لنا بالكثير الذي يضمره شعر نيلس هاو. عماه هنا ليس سوى لعبة يمارسها مع العالم تمنحه الكثير من المتعة حين يكون محاطا بحورياته اللواتي يشعرن بنفس غبطته في الظلمة المحيقة به وحيث يرى ويقتنص صيده بكل حاسة من حواسه حتى ان اخطأ في الترتيب.

"ولكنه يختنق حين يزاح المنديل عن عينيه فلا يعود اعمى مصدوما بالضوء الذي يعميه للحظة. فكرة الذي يرى في العتمة ويعميه الضوء فكرة صوفية ذات اصول عربية شرقية حتى اننا نسمي الاعمى في الثقافة العربية "بصيرا" وفي الميثولوجيا الاغريقية كانت العرافات دائما عمياوات... ولكن نيلس هاو يخلط كل ذلك في الاغلب بالفكاهة والسخرية من نفسه.. " الحب يعمي/ ولكن الجنس لا يضير.. بصري لا عيب فيه/ يمكنني رؤية كل شيء../ لهذا السبب قصائدي الغرامية فاشلة جدا."

ومن قصيدة "غميضة" نقرأ قوله.. "ربطن عينيه بمنديل/ وأدرنه حول نفسه. هذه اللعبة يعشقها/ دائما في الظلمة تواثب منتشيا/ بين بنات عمه .. حوريات ثلاث/ مصطخبات بالضحك. كن يضحكن عليه.. على غبطته/ التي كانت غبطتهن ايضا...

"...كان سعيدا في عتمته/ متهورا ولا يكل .. حدود وقد اجتيزت/ لامس اوجههن المتوردة.../ وأزحن القنديل عن عينيه. توقف منذهلا/ وعلى وشك البكاء مصدوما بالضوء/ الذي جعله للحظة واحدة اعمى تماما..."

ونقرأ قصيدة "حين اصير اعمى" التي استشهد العزاوي بها حيث يقول الشاعر.. "الحب يعمي/ وفي كل يوم حين يمر الاعمى من هنا/ وهو يدرج بعصاه/ تتوقف حركة المواصلات كليا ربع ثانية.../ الحب يعمي/ لكن الجنس لا يضير..."

في قصيدة "نساء كوبنهاجن" يقول الشاعر "ها انا اقع في الحب من جديد/ خمس مرات مع خمس نساء مختلفات/ وانا في طريقي بالباص رقم 40 .../ كانت احداهن ترتدي معطف فرو/ والاخرى جزمة مطاط حمراء/ الاولى تطالع صحيفة شعبية والاخرى كانت تقرأ "هايدجر"/ والشوارع غارقة في المطر/ عند جادة "اما" صعدت اميرة بللتها الامطار/ كانت متقدة وجامحة فوقعت في غرامها كليا/ لكنها ترجلت عند ميدان البوليس وحلت مكانها/ ملطتان بحجابين كاللهيب/ كانتا تتحدثان بصخب مع بعضهما بالباكستانية..."

وتمضي الفتيات كل في طريقها ليمضي الشاعر في قصيدته فيقول "الفتاة التي كانت تقرأ "هايدجر" اطبقت كتابها فجأة/ وتطلعت نحوي مباشرة بابتسامة ازدراء/ وكأنها لمحت نكرة ما/ في ذروة انحطاطه. وهكذا انفطر قلبي/ للمرة الخامسة حين نهضت وغادرت الباص مع بقية الاخريات/ يا لقساوة الحياة (واصلت مشواري موقفي باص قبل ان استسلم) وهكذا تنتهي الامور دائما.. اقف وحيدا على جانب الرصيف/ ادخن سيجارة.. منتشيا وتعيسا قليلا."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/كانون الثاني/2011 - 5/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م