ملل... مدخل الى فلسفة العبث

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: هل تذكرون سيزيف واسطورته؟ كان يرفع الحجر الضخم صاعدا به نحو الاعلى الا انه يتدحرج منه عند الوصول ليعود من جديد رافعا اياه صعودا نحو النقطة التي تدحرج منها.

أسطورة سيزيف (بالفرنسية: Le Mythe de Sisyphe‏) هي مقالة فلسفية من 120 صفحة ألفها ألبير كامو و تم نشرها سنة 1942. تنتمي هذه المقالة إلى دورة العبث، إلى جانب الغريب (رواية، 1942)، كاليغولا (مسرحية، 1944) و سوء التفاهم (مسرحية، 1944).

المقالة عبارة عن مدخل لفلسفة العبث: البحث غير المجدي للإنسان عن معنى، وحدة و وضوح في وجه عالم لا يحتوي على إله و حقائق و قيم أزلية. هل تحقيق العبثية يستوجب الانتحار؟ يجيب كامو (لا، إنها تستوجب التمرد).

ثم يسطر عدة مقاربات لعبثية الحياة. في الفصل الأخير، يشبه كامو عبثية حياة الإنسان بوضع سيزيف، شخصية من الميثولوجيا الإغريقية قدرها أن تحمل صخرة إلى أعلى قمة جبل وما أن تفعل تتدحرج الصخرة إلى الأسفل فيعود سيزيف و يحملها من جديد وهكذا دواليك إلى ما لانهاية له. و يختم كامو مقالته بقوله (المثابرة في حد ذاتها،. كافية لتملأ قلب الإنسان. على الواحد أن يتصور سيزيف سعيدا).

عمل سيزيف كان فيه نوع من الرتابة الثقيلة والعبثية عديمة الجدوى، هل احس سيزيف بالملل وهو يعيد تكرار عملية الرفع والصعود كل مرة يتدحرج فيها حجر عقوبته؟

هل الايمان بشيء ما روحاني، ميتافيزيقي يبعد الملل؟ وهل قول الامام علي (ع) : اذا كلت القلوب عميت فابتغوا لها طرائف الحكمة، يندرج ضمن سياق معالجة الملل والتخلص منه؟

وقوله الاخر : من تساوى يوماه فهو مغبون.

ما هو الملل؟ من اين ياتي؟ هل يفترسنا ام بامكاننا التخلص منه؟

ايقاع الحياة اليومي على الارض مقسم الى 24 ساعة فيها ضياء الشمس وظلها وفيها ظلمة الليل ونور القمر، وفيها البرودة المعتدلة والشديدة وكذلك الحرارة المعتدلة والمرتفعة.

في هذه الساعات عدة اعمال ووظائف، ففيها السعي في طلب المعاش اليومي، وفيها علاقات الازواج الحميمية، وفيها صخب الاطفال في المنزل والشارع والمدرسة، كل هذه الساعات وانت تشعر بالملل.

في العمل ومهما كان نوعه لن تقابل الشخص الواحد مرتين في نفس اليوم، ولن يكون طعم الشاي نفسه في المذاق، ولن تكون الاحاديث الصادقة او الكاذبة نفسها، كل هذا وانت تشعر بالملل.

في المنزل لا يتكرر طعامك نفسه، ولن يكون وجه زوجتك بملامح اليوم الماضي، اطفالك وشقاوتهم ليست نفسها، برامج التلفزيون تتغير كل يوم، ما تقراه اللحظة يختلف عما كنت قرأته قبل ساعة، كل هذا وانت تشعر بالملل.

في الطريق ذاهبا الى عملك او راجعا منه، السيارات ليست نفسها كل يوم، من يمشي على الرصيف ليس من رايته يوم امس، الاحاديث في الحافلات العامة ليست نفسها، الاسواق والمطاعم والسلع يعاد تجديدها، كل هذا وانت تشعر بالملل.

انت لست نفسك، انت تحب الان وكنت قبل ساعة تسيطر عليك مشاعر الكراهية والنفور، انت ممتلىء بالقلق والخوف وكنت قبلها تشعر بالامان، انت اخذت دواء لوعكة المّت بك وانت تشعر الان بالعافية، طالما انت لست نفسك لماذا تشعر بالملل؟

هل هو روتين الحياة المتكرر يفرض نمطه على اداءك؟

وهل وقعت في هذا الفخ، فخ الملل دون ان تشعر؟

يقول الخبراء أن الوقوع في فخ الملل يؤثر سلبا على الأداء الذهني والبدني، ومن الممكن أن يؤثر على الإنسان الواقع فيه على محيطه كاملا.

وكثيرا ما يثور التساؤل عن الأسباب التي تؤدي إلى الشعور بالملل إذ يطلق البعض عبارات مثل أحس بالملل ولا يوجد ما يحفزني لإنجاز الأعمال أو تنقصني المتعة عند القيام بأي نشاط أو أشعر بالكسل الشديد وعدم الرغبة في عمل أي شيء.

ويرجع المهتمون بالصحة النفسية هذا الأمر إلى الوضع العام في المجتمعات، وخاصة النامية منها، الى تردي الأوضاع الاقتصادية للناس والأوضاع السياسية والذي ينعكس بصورة مباشرة على الشعور العام بالرضى عن العمل والحياة والنفس.

وللتغلب على هذه الحالة من الملل والشكوى من الرتابة يقول هؤلاء المهتمون إن كل إنسان يمر بحياته بأوضاع نفسية غير مريحة ومع ذلك يتجاوز هذه المراحل فلابد من تذكر هذه الفترات وكيف تم تجاوزها للاستفادة منها في حال مهاجمة هذا الشعور مجددا.

(كل إنسان يستطيع تجاوز حالات الملل والضيق النفسي ليشعر بعدها بعودته تدريجيا لحالته الاعتيادية من شعور بالسعادة والتكيف والرضى والأمل).

ويدعون إلى العمل والتركيز على الإنجاز اليومي الذي من شأنه أن يحسن من المزاج العام للإنسان وينسيه الاستسلام للتفكير بالملل.

وفي سياق متصل يرى خبراء في مجال التنمية البشرية انه (إذا مر على الشخص عامان وهو يقوم بنفس النشاطات وبنفس الطريقة فهذه علامة خطر).

ويبين هؤلاء الخبراء أن الأصل أن يسعى الإنسان لتجديد حياته من خلال أفكار جديدة حتى وإن كانت على مستوى تغيير ديكور المنزل لأن التغيير يعطي دفعة حماس جديدة وضرورية في الحياة.

وينصح الخبراء الأشخاص الذين يشعرون بالملل بشكل مستمر أن يقوموا ببعض الإجراءات مثل تسجيل الإنجازات اليومية ووضع أهداف بسيطة لنشاطات الأسبوع المقبل ومحاولة تطبيقها.

كما يقترحون بهذا الصدد أن يحاول الشخص ممارسة الرياضة صباحا لمدة ربع ساعة على الأقل أو الخروج مع الأصدقاء في الأوقات التي يستطيع بها ذلك أو أخذ إجازة لكسر حالة الروتين اليومي.

ومن السلبيات التي تترتب على الإحساس المستمر بالملل يقول الخبراء إن استمرار هذا الشعور يقلل من الدافعية والإنجاز ويزيد من احتمالية الإصابة بالأزمات النفسية إلى جانب التقليل من القدرة على الإبداع والروتين.

ومن أجل تمكين الإنسان من التجديد بصورة دائمة بحثا عن تخطي حالة الخمول والرتابة والروتين اليومي يقدم أحد المواقع الالكترونية بعض النصائح تتمثل بـ:

* ممارسة هواية معينة على نحو منتظم لأنها تساعد على التحرر من روتين الحياة اليومي وممكن أن تكون بسيطة للغاية كحل الكلمات المتقاطعة.

* محادثة شيقة مع صديق.

* محاولة التنزه والترفيه.

* مشاهدة فيلم سينمائي جديد أو قديم حسب الرغبة.

* قراء كتاب غني بالمعلومات الجديدة والتسلية.

* الانضمام الى إحدى الجمعيات.

* البحث عن نشاط خيري تطوعي.

تقول الدكتورة (ماريون هيليارد) في كتابها (نظرة إلى الحب والحياة):

(لا شيء يدفع المرء إلى الهرب من الحياة، أقوى من الشعور بعدم جدوى الحياة، وهو شعور ينتاب المرأة أكثر مما ينتاب الرجل، فصور الحياة أمام الرجل في تغير مستمر، إنها تتغير في عمله، وفي كتبه، وفي قراءاته، حتى في طريقه إلى مكتبه في الصباح، وفي عودته منه. بينما نجدها عند المرأة، هي، لا تتغير، ولا تتلون. إنها نفس الصورة الواحدة التي اعتادت أن تراها فتمتلئ بها عيناها مع شروق الشمس حتى مغيبها، صورة بيتها الصغير، ووجوه أطفالها، ومشاكل البيت والخدم، ثم التفكير في الأطباق الجديدة تتفنن في إعدادها لهؤلاء الذين ترعاهم كل يوم، فهو (الروتين) إذن، أو هي رتابة الحياة التي تحياها، وخاصة إذا كانت امرأة غير عاملة، هذا هو العامل الأساسي الذي يدفع المرأة في كثير من الأحيان إلى الزهد في الحياة والهرب منها،

ولكن إلى أين؟ إن هذا الشعور الذي يمتلك المرأة لا يعني أنها لا تحب زوجها، أو أنها تكره أطفالها، أو أنها ليست سعيدة في بيتها، ولكن معناه، أنها تريد أن تخرج من هذا (القفص) الذي تجد نفسها فيه، حبيسة وسط جدرانه، على أن تعود إليه مرة أخرى، فهي لا تريد أن تهجره، ولكنها تريد فقط ان تقتل (الروتين) وهي لا تستطيع أن تفعل ذلك إلا إذا وجدت الفرصة لكي تصنع بحياتها ما تريد أن تصنعه بها، بعيداً عن تلك القيود والواجبات التي تفرضها عليها حياتها في بيتها بين زوجها وأطفالها.

وليس معنى هذا أنها تريد أن تفترق عنهم، فهم قد أصبحوا جزءاً من حياتها، بل هم حياتها كلها، ولكن معناه، أن تذهب بهم ومعهم بعيداً لفترة تشعر معها بانطلاقة، تعود بعدها إلى بيتها، أكثر ما تكون شوقاً إليه وحنيناً لكل ما تحمله لها هذه العودة من قيود وواجبات، تصورت يوماً أنها لن تستطيع منها فكاكاً).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/كانون الثاني/2011 - 5/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م