مقاهي الكتاب... ضرورة التأسيس ومثالية التجربة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الوقت الفائض مشكلة الانسان، لاسيما في المجتمعات التي تعاني من سوء التنظيم، في مجريات الحياة كافة، وغالبا ما ينشأ هذا الوقت، من ضعف الثقافة والوعي الشعبي، الذي ينسحب بدوره على عموم المجالات، فيطول العملية الانتاجية والفكرية معا، وذلك بسبب الفوضى التي تحدث بغياب التنظيم الناجح لقدرات الدولة، في ميادين الاقتصاد والسياسة والتعليم وغيرها.

وفي الشعوب العاجزة عن تنظيم قدراتها، تقضي الجماعات والافراد أوقاتها الفائضة بصورة لاتخدمها، ولا تسهم في تقدمها، او ازدهارها، ليس هذا فحسب، بل غالبا ما تأتي فوضى التخلّص من الزمن الزائد (الفراغ)، بنتائج تضرّ بالفرد والمجتمع معا، فالفراغ لابد أن يتم ملؤه بطريقة أو أخرى، وفي حالة غياب المنهجية الجيدة، في التخلص من الفراغ، تنشأ النتائج السيئة له، وتنمو وتتطور، لتصبح من المشكلات المستعصية في المجتمع، والتي غالبا ما تقود الى الانحراف الجماعي والفردي.

المقاهي تُعَدّ من وسائل تفتيت الزمن الفائض، التي ابتكرها الانسان، لهذا نجد مقاهٍ كثيرة تستقطب روادا، وزبائن، لهم اهتمامات محددة، فهناك مقاهٍ لكبار السن، يتداولون فيها ذكرياتهم، ويقضون فيها اوقات فراغهم الطويلة، وهناك مقاهٍ للرياضيين، وأُخَر للمثقفين، والادباء، ومثلها لأخذ (النرجيلة)، وهناك مقاهٍ للقمار بأنواعه، ومنها لعب الورق (الكونكان)، وهكذا تتعدد المقاهي، حسب الاعمار والاهتمامات.

وفي الغالب، تكون المقاهي في المجتمعات غير المنتجة، ذات نتائج سلبية، فتصبح بؤرا للانحراف بصوره وأشكاله المتنوعة، ويمكن أن نستثني بعض المقاهي التي يرودها بعض المثقفين وكبار السن، او مقاهي الترفيه الجيدة.

تُرى ألا يمكننا أن نبدأ بمشروع إنشاء (مقهى الكتاب)، وتطويره ونشره في عموم المدن، حتى يصبح بمقدور الانسان، أن يقضي وقته الفائض مع المعرفة والعلم وزيادة الوعي؟.

نعم هناك بعض المقاهي التي يمكن أن نطالع فيها صحيفة الصباح، او المساء، او بعض المجلات، التي تُلقى هنا او هناك مصادفة، ولكن مثل هذا الامر غالبا ما يكون عابرا، ولا يشكل خصيصة، او تقليدا متعارفا لهذه المقهى او تلك، نحن نتحدث هنا عن إنشاء المقاهي الخاصة بقراءة الكتاب، والدوريات، والاصدارات المتنوعة، حيث تصبح القراءة هي الدافع الوحيد لاستقطاب الزبائن، لمثل هذه المقاهي، مثلما نرى الآن بعض المقاهي التي تتخصص بتقديم خدمات محددة، يبحث عنها الشباب او الكبار وغيرهم، كالأرجيلة، والقهوة، والشاي، والعصائر وما شابه.

إننا نعتقد بأهمية المبادرة الى إنشاء مقاهٍ للقراءة، وتسمى (مقهى الكتاب)، وحين يدخل الزبون الى مثل هذه المقاهي، يُستحسن أن يجد نفسه في الاجواء التي تساعده على التواصل مع المعرفة، وهذا ما ينبغي أن يحرص عليه القائمون على مثل هذه المقاهي، حيث يتم توفير الكتب بأنواعها، وبمختلف اهتماماتها، وتخصصاتها، فتقدم المقهى لزبائنها كل ما يمكن تقديمه، من صحف يومية، ومجلات اسبوعية الى الدوريات الشهرية، ناهيك عن الاصدارات المتنوعة في الآداب والعلوم والدين والصحة وغيرها.

مضافا الى ذلك، يمكن لمثل هذه المقاهي أن ترعى نشاطات ثقافية، ومعرفية متنوعة، فتقيم الاماسي، والندوات، والمسابقات وما شابه، وكل ذلك يمكن أن يشكل وسائل استقطاب للرواد، ويساعد على التقريب والتواصل بين القارئ والكتاب، وتكون النتائج مشجعة للطرفين، فالزبون يجد ضالته في هذه المقهى المتخصصة، بتوفير الكتب بأنواعها، مع توفير الاجواء القرائية المطلوبة، أما المقهى نفسه، فسوف يحصل صاحبه على مردود مادي مربح، وهكذا تكون الفائدة متبادلة بين الطرفين المباشرين، المقهى والزبون، ناهيك عن الفائدة الاهم والاوسع، التي تتمثل بصناعة ظاهرة حب القراءة والمعرفة بين جميع الناس، ونشرها في عموم المدن.

هكذا يمكن أن نستثمر الاوقات الفائضة، ونحولها من ضارة الى نافعة ومنتجة، ولا يحتاج الأمر أكثر من أن نبدأ بمثل هذا المشروع، ونجربه على مستوى القطاع الخاص أولا، ولكن ينبغي أن تكون البدايات صحيحة ومدروسة بعناية، لكي نتجنب النتائج المحبطة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/كانون الثاني/2011 - 5/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م