اديان ومذاهب... اختلافات وقتلة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ليس مستغربا ما يحدث للمسيحيين في بلداننا العربية، فالقاعدة في بدء امرها تشكلت تحت مسمى (الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين) التي ظهرت في فبراير/ شباط 1998 وقد حمل البيان التأسيسي توقيع أسامة بن لادن (القاعدة) وزعيم الجهاد أيمن الظواهري وجماعتين من باكستان وأخرى من بنجلاديش ومسؤول شورى (الجماعة الإسلامية) رفاعي أحمد طه الذي انسحب بعد ذلك، وتضمن البيان فتوى (توجب على المسلمين قتل الأمريكيين ونهب أموالهم أينما كانوا) وهو ما عرف بالعدو البعيد على اعتبارها حاملة لواء الجهاد الاسلامي لكنها انشغلت بعد رفع ذلك الشعار بمقاتلة حكوماتها التي تنتمي اليها في بلدانها ومقاتلة اصحاب المذاهب الاسلامية الاخرى.

قاتلت الحكومات العربية القاعدة والجماعات المنضوية تحت لوائها ، وشجعت بعض من هذه الحكومات توجهات القاعدة في قتالها الاخر المختلف مذهبيا وخصوصا الشيعة في العراق.

وكان قتل الشيعي في عرف القاعدة اكثر تقربا الى الله من قتل اليهودي، انحسر نفوذ القاعدة العسكري في بعض الاماكن وانتقل الى اماكن اخرى من البلدان العربية، وحدث انقلاب في توجهات القاعدة العسكرية وعادت الى احياء شعارها القديم بمقاتلة الصليبيين وكانت عملية كنيسة (سيدة النجاة) في بغداد هي الانعطافة المدوية لهذا التوجه رغم انه سبقته الكثير من عمليات التفجير والقتل التي استهدفت المسيحيين ودور سكنهم الا ان احتجاز المصلين في الكنيسة وقتلهم حمل دلالات رمزية ودق ناقوس الخطر لهذا التوجه الجديد.

استهداف المسيحيين في العراق قد يكون مفهوما بسبب:

*تعدد مراكز السلطة وتوزعها بين الاحزاب النافذة.

*غياب الشفافية في عمل القضاء واجهزة الدولة الاخرى.

*وجود تنظيم عسكري أمني متطور لديه فكر الغائي تكفيري لا يعترف بالآخر المختلف.

*التدخل الخارجي في شؤون العراق بدءا من الدول المجاورة والى الدول الابعد ذات المصالح فيه.

*عامل ذاتي يتعلق بالمسيحيين. فهم منقسمون مذاهب وطوائف، ومنقسمون في اجندتهم السياسية. منهم من هو أقرب الى الأكراد ومنهم من هو قريب الى العروبة وهم في غالبيتهم أحزاب وتنظيمات لاتمتلك حنكة وتجربة سياسية.

في الحالة العراقية المسيحيون مستهدفون بقصد تهجيرهم ظاهرا، وقد هاجر نصفهم منذ عام 2003، عام احتلال العراق من جانب الأميركيين. وقد تعددت الاتهامات وتنوعت في توجيه اصابعها الى عدة فاعلين، فمنهم من اتهم الاكراد في استهداف المسيحيين وخاصة في الموصل، ومنهم من اتهم جهات اسرائيلية بقصد احداث عدد من الحروب الطائفية بين الطوائف في البلدان العربية لغرض تفتيتها (لبنان – العراق – السودان) ومنهم من يذهب في تحميل اسرائيل شوطا بعيدا، فهو في اتهاماته يعتقد ان اسرائيل لها المصلحة الكبرى في ذلك بغرض توطين الفلسطينيين بدلا من المسيحيين والقضاء على مشكلة هؤلاء المهاجرين في مفاوضات السلام.

تنقسم هجرة المسيحيين العراقيين الى قسمين:

1 - هجرة إلى الخارج (دول الجوار) في سورية والأردن ولبنان،

2 – هجرة الى الداخل إلى مناطق أكثر أمنا بالمنطقة الكردية وجوارها.

المهاجرون إلى لبنان يستقرون غالبا فيها، و المهاجرون إلى سورية والأردن يتقدمون بطلبات لجوء وهجرة إلى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، أو إحدى الدول الأوروبية (مثل السويد).

 وبعد ان كان عدد المسيحيين في العراق في عام 2003 فيما يقال نحو المليون و200 الف، اصبح عددهم اليوم نصف مليون.

في مصر الوضع مختلف، فهناك حالة من الخوف والاستياء والثوران لدى المسيحيين المصريين، الذين يبلغ عددهم نحو العشرة الملايين، غالبيتهم العظمى من الأقباط. وليست هناك إحصاءات عن هجرة المسيحيين المصريين، لكن يقال إن الأعداد مرتفعة، وتبلغ نحو الخمسين ألفا في العام. وبذلك يمكن القول إن الاحتلال الأميركي للعراق، وما أدى إليه من انعدام للأمن، يقع في أصل ظاهرة اضطهاد المسيحيين هناك وهجرتهم، إذ هناك جماعات تعمل بشكل منهجي على القتل والتهجير. أما في مصر - وبسبب ضخامة الأعداد - فإن المسيحيين يغلب عليهم التحدي، إذ هم يتظلمون من النقص في الحقوق الدينية، كما يتظلمون من تغير جيرانهم المسلمين تجاههم، ويتظلمون مؤخرا من إهمال السلطات في حمايتهم أو تقصيرها في ذلك.

من المعروف أن المسيحيين لا يشكلون غالبية في أي ناحية من النواحي في مصر، التي يفوق عدد سكانها الثمانين مليونا، وبذلك فإن المتشددين من المسلمين، هم الذين يبادرون في الغالب إلى مهاجمة المسيحيين.

أما التغيير لدى المسيحيين فيبدو في عدم تسليمهم مؤخرا بالتقاليد - إذا صح التعبير - إذ المعروف تقليديا أن المسيحيين لا يستطيعون بناء كنائس جديدة أو ترميم القديمة إلا بإذن من رئاسة الجمهورية عبر التدرج الإداري والسلطوي، ثم إن الطلاق مستحيل، أو شبه مستحيل، لدى الأقباط والكاثوليك هناك. ولذا تلجأ نسوة كثيرات إلى الإسلام للحصول على الطلاق بواسطة المحاكم المدنية، فتحتج الكنيسة على ذلك، ويحتج الجمهور. وهذه كلها أسباب للاضطراب يختلط فيها الرسمي بالشعبوي. لكن ظاهرة مهاجمة المسيحيين في كنائسهم جديدة في مصر كما في العراق.

وفي مصر بالذات، وعلى مدى العقود الأخيرة، لم يكن صعبا تلمس التدهور المطرد في العلاقات المذهبية بين المسلمين والمسيحيين الأقباط، فخلال السنتين الماضيتين فقط سجلت لجنة مصرية تعنى بحقوق الفرد 52 حادثة استفزازية ضد المسيحيين بقيت كلها دون مساءلة قانونية، إذ كانت تحل، في معظم الحالات، بترتيب السلطات المحلية أو الشرطة للقاءات مصالحة «عشائرية» بين المعتدي والضحية، بينما كانت تزداد، في المقابل، شكاوى الأقباط من القيود المفروضة على بناء كنائس جديدة.

يرى احد الكتاب العرب انه (من الإجحاف تحميل مصر وحدها، تبعات ما آلت إليه العلاقة الإسلامية - المسيحية في مطلع القرن الحادي والعشرين، فهذه العلاقة ذهبت ضحية نزعة متنامية لإقحام الدين في كل شاردة وواردة من الشأن السياسي، الأمر الذي أدى إلى بروز ذهنية عربية واحدة قائمة على سباق غير معلن للاستئثار «بمغانم» الدولة السياسية بذرائع طائفية. وهذا السباق أدى، بدوره، إلى تغليب شكل من أشكال الطبقية المذهبية على التعددية الدينية، فأصبحت المناداة بالحرمان الطائفي شعارا سياسيا دارجا في أكثر من دولة عربية واحدة.

ليس من المبالغة في شيء الاستنتاج بأن كل أنظمة الأكثريات الطائفية في العالم العربي فشلت في تعاملها مع أقلياتها، فبقدر ما فشلت دول الأكثرية الإسلامية في التعامل مع أقلياتها المسيحية، كذلك فشلت دولة الأكثرية المسيحية (لبنان) في التعامل مع أقليتها الإسلامية إبان عز نفوذ ما كان يسمى بـ«المارونية السياسية») ،

وقد ادى ذلك الى فشل ذريع في التعامل مع التنوع المعتقدي والفكري، أفرز بدوره على أرض الواقع ظاهرتين مستمرتين إلى اليوم: هجرة الأقليات إلى خارج أوطانها (كما يحصل في العراق ولبنان ومصر وفلسطين) أو توق إلى الانفصال عن «النظام» الأكثري (كما يحصل في جنوب السودان).

ويرى الكاتب ايضا انه (مع اندثار عصر التوسع الإمبريالي المباشر، ساهم تراجع الاهتمام الغربي بمصير مسيحيي الشرق في استقواء أنظمة الأكثريات الطائفية عليهم، فوجد مسيحيو المشرق أنفسهم «محشورين» بين مطرقة فشل النظام الطائفي الأكثري في إقامة علاقة مواطنة عادية معهم - ومع كل أقلياته في الواقع - وسندان الغرب الذي لم يعد مستعدا، وربما غير راغب، في حماية الوجود المسيحي في الشرق الأوسط).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/كانون الثاني/2011 - 4/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م