ثقافة الهتاف... وتضخيم الذات السلطوية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يؤكد علماء الاجتماع، أن الحاضنة الاجتماعية وما تتمخض عنه، من سلوكيات متنوعة، تندرج ضمن الثقافة التي تعكسها تلك الحاضنة، ولا يمكن أن تنبت سلوكيات وأفكار جيدة أو أو رديئة على حد سواء، في أرض المجتمع، ما لم تمهد لها وتسندها ثقافة واضحة المعالم، تؤسس لها وتدعو لتطبيقها، بل وتذهب الى ما هو ابعد من ذلك، فتعطي نتائج مسبقة لتلك الأنشطة الفكرية السلوكية أو سواها.

وثقافة الهتاف، يمكن أن ندرجها ضمن الخطاب الذي ينتهجه شعب أو جماعة ما، تحت أسباب عديدة يمكن بحثها وتأشيرها، وأولها وربما أهمها، ذلك الاستعداد الفطري الذي تتميز به الجماعة، بالخضوع للفرد الحاكم او الجهة الحاكمة سياسيا، او عرفيا، او اقتصاديا، أو غير ذلك من الجهات التي تتوافر فيها شروط السلطة.

وقد أشّر مراقبون تفشي ثقافة الهتاف في مجتمعات الشرق أكثر من سواها، وذهب آخرون الى أن الشخصية العربية تميل الى صناعة الرمز لأسباب عديدة، تتقدمها حالة مزمنة من الشعور بالضعف والحاجة النفسية الى الانقياد والتبعية، وهذه المؤشرات وغيرها، تساعد على نشر ثقافة الهتاف التي تدفع لتضخيم الذات القيادية التي تحتاجها المجموعة او الشعب عموما لسد النقص النفسي الذي يعاني منه المقادون بالفطرة.

ومن اخطر مساوئ هذه الثقافة، أنها تدفع بالشخص او الجهة القيادية، الى اختصار الشعب، او الامة، او الجماعة، في ذات القائد، وبدلا من أن تكون الامة حرة، متحركة، وناشطة في مجالات حفظ الحقوق، واداء الواجبات، تصبح مقادة ومختصَرة في ذات القائد، وطالما أن القائد، فردا او جهة، يندرج بقدراته ومواصفاته، ضمن الحدود البشرية للنفس، ونوازعها وأهوائها، فإنه غالبا ما يكون عرضة لمرض التضخم الذاتي.

وهنا تبدأ إشكالية العلاقة بين الفرد الحاكم والمجموع، وغالبا ما يتحول القائد الفرد (ما عدا بعض الاستثناءات النادرة) الى ذات متجبرة تنسى أن الرعية وعموم الناس، هم الذين منحوه تأييدهم ومحبتهم، وهم الذين هتفوا له تقديرا، وتشجيعا، واحتراما، ومساندة له، من اجل تحقيق الاهداف التي تتوخاها العامة، كالعدل، والمساواة، وما الى ذلك مما تحتاجه الامة لصنع الحياة الكريمة.

وهكذا نجد أن الطرفين نتيجة لثقافة الهتاف، يمضون في الطريق الخاطئ، فالفرد او الجهة الحاكمة، وهي تسمع ضجيج الهتاف سيجتاحها الزهو، ويعتريها التكبر، وتعلو بها الخيلاء الى مستوى يفوق مستوى العامة، فلا تتمكن من كبح التضخم الذاتي الذي يعتريها، بل ستوحي لها الغرائز وحب السلطة، أن الضعف، والخوف، والحاجة هي الذي تدفع بالناس، الى تأييد الذات المتسلطة، فتنسى هذه السلطة المتضخمة أن هتاف الجمهور هو نوع من المحبة والتأييد والمساندة، ليتحول – الهتاف- الى عامل مضاد للجمهور الهاتِف، بدلا من أن يكون عنصر تقريبٍ وتحابٍّ وتفاهمٍ بين الطرفين القائد والمُقاد.

وهكذا سنصل بالنتيجة، الى أن ثقافة الهتاف ظاهرة، ينبغي أن لا نسمح لها بالتنامي والانتشار بين عموم الناس، بسبب الاخطار التي تتوالد عنها باستمرار، وأخطرها، أنها تربك العلاقة بين الطرفين الحاكم والمحكوم، او القائد والمُقاد، وتقضي على حالة التوازن، التي يُفترض أن تحكم هذه العلاقة.

ولعل بناء الشخصية الجماعية، وفق ثقافة الاعتداد بالنفس، ومعرفة حدود الواجبات والحقوق، والالتزام بها، يتطلب إشاعة ثقافة بديلة، ترفض ثقافة الهتاف، بسبب مخاطرها الكثيرة والكبيرة، وتشيع ثقافة الشخصية الواثقة الملتزمة والحيوية في آن.

وهذا الهدف مع صعوبة تحقيقه في المجتمعات التي تقبع في العربات الخلفية للتطور العالمي، إلا أن السعي الحثيث والتخطيط المبرمج، والنوايا المقرونة بالفعل، لاسيما من لدن قادة المجتمع، ونخبه، كفيل بتحقيق الهدف المنشود في هذا الصدد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/كانون الثاني/2011 - 3/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م