لولاه لايحلو العيش..
هكذا كانوا يغنون أيام الثمانينيات عندما كان الجيش العراقي يقاتل
على جبهات الحرب مع الجارة إيران. وكان ذلك الجيش يدفع الثمن حتى تهاوى
في عاصفة الصحراء، وعاد الجنود حفاة يشترون رغيف الخبز برشاش الرفيق
الروسي..
كان الجنود الحفاة يمثلون الشعب الحافي. وكان الجنود المدججون
بالمال والسلاح والدفْ يتقدمون من بغداد بإتجاه الجنوب الحافي، ليمارس
الجيشان( الحافي والمنتعل) حرب أعصاب وذكريات. جنود يقتلون الناس
ويدفنونهم بمقابر جماعية. وآخرون يستجدون من الناس خبزا وأمان.. آخرون
كانوا يعدمون لأنهم هاربون من ساحة الجهاد. آخرون كانت تحملهم الطائرات
الامريكية الى داخل الأراض الكويتية والسعودية أسارى أذلاء، آخرون
دخلوا الأراضي الإيرانية طلبا للأمان المفقود على الصوبين!!
الجيش ضحية السياسة، وهكذا كان حال الجنود العراقيين. أذلاء يقتلهم
السلاح والعطش والجوع والبرد في ساحات الجبهة الشرقية، وهكذا هو الحال
في حرب عاصفة الصحراء الكويتية، وهكذا هو حال أيام معركة ( الحواسم)،،
كان هدف النظام أن يقوم الجيش الوطني بحوسمة أمريكا لكنه عاد ليحسم
أمره بالفرار إستجابة لمنشورات كانت تلقيها الطائرات الامريكية طيلة
أيام مارس من عام 2003.
نعم كانوا يفخرون بالجيش الذي قاتل لأجل فلسطين المظلومة والذي كان
إسمه يلعلع في المحافل.. لكنه خرج عن دوره.. في تسعينيات القرن الماضي
وإذا اردت أن تنظر في وجه عراقي ذليل فعليك بالجنود الذين تغطيهم
القذارة في كراجات النقل العام أو في المعسكرات الموبوءة بالأمراض
والجوع، ونواب الضباط الذين يتعكزون على عصيهم، ويرفض النظام تسريحهم..
هولاء الجنود هم بقايا الجيش العراقي الباسل الذي لولاه لايحلوالعيش!!
لم يعد النظام بعد خروجه من الحرب مع إيران معافى، ومن مصيبة إجتياح
الكويت سالما " عابئا بتسليحه وتطويره وإشعاره إنه المدافع عن الكرامة
الوطنية. وخرجت التقاليد العسكرية من دائرة الإهتمام.
عندما تخرجت من الكلية توجهت الى معسكر الجيش كأي عراقي ذليل يغادر
الجامعة ليذله أتفه الناس من المسمين العرفاء ونواب الضباط والضباط
الذين يغادرون في الليل بحثا عن العاهرات.. كان آمر السرية يطلب منا أن
نقدم له المال لكي نغادر المعسكر أسبوعا كاملا ثم نعود في مطلع الأسبوع
التالي وكنا نقع ضحية التنسيق السئ بين الضباط وضباط الأمن
والإستخبارات الذين يتعاركون على الأموال والرشا لنجد في الأسبوع
التالي إننا لابد وندخل دائرة الإهانة، وتحلق رؤوسنا ونساق الى مكان من
المعسكر ملئ بالاطيان والقاذورات لنعيش العذاب الراتب حتى المساء..
ولولا إني تعرفت الى ضابط مستجد يحب الشعر لكنت من المهانين باسوء
الطرق لكنه خفف عني ببعض القصائد الوهمية التي نسجتها لجنابه الكريم..
وفي واحدة من الحوادث كان النائب ضابط سيد من محافظة بابل وكنت في
معسكر المحاويل وإستولى على بيريتي لأني رفضت الإمتثال لأمره بالتوجه
الى السجن وبقيت أناوره. وعندما خرجت عائدا الى بغداد وقعت في مصيبة
لأن السيطرات العسكرية يمكن أن تلقي القبض علي وتعيدني الى المعسكر
ثانية لولا أن (شمخي الله يستر عليه) تنازل عن بيريته وقال، أنا قصير
القامة ياهادي ومحدش يشوفني والريم مليانة جنود فاحطين وراح أختل
بيناتكم.. (خلف الله عليه الى يوم الدين).. طبعا النائب ضابط السيد
أوصلت له رسالة قلت فيها. سأشكيك الى جدك المصطفى يوم القيامة جزاء
مافعلت بي وأنت غير برئ الذمة لو مو سيد تصير!!!
كنت أعمل في بحوث التخرج مقابل أجور تافهة لطلاب الكليات من الولدان
والبنات المدللين عند أهليهم والذين لايفعلون شيئا سوى أن يأتوا الى
الجامعة للتسكع والونسة والضحك وعمل الكروبات الحلوة.. كان حازم معلعل
يأتيني الى القرية أيام المطر ونهاية كل أسبوع ليعطيني المقسوم من أجور
كتابة البحوث ومعها عناوين البحوث المطلوبة للتخرج.. وكنت أذهب مطلع
الأسبوع وأدفع الرشوة الى الضابط لأعود عند المساء..
كان الضابط يصيح بعد إكماله صلاة العصر.. أني........ أخته
المايحترم نفسه... وكنا نحترم شتائم السيد الضابط حفاظا على شرف
أخواتنا.. وكنت أضحك في سري.. الحمدلله ماعندي أخت ! بس المصيبة إذا
هدد بالقول. أني......... خالته.. وهي شتومة مشهورة في العراق العظيم..
لأن لي خالة واحدة مسكينة..
لاتفرحوا فهذا لايعني أني أصب جام غضبي على نظام الحكم السابق
فالحال من بعضه.. لأننا لم نصل الى الآن بعد سقوط ذلك النظام الى
النقطة التي نقول عندها.. إن جيشنا يستحق الإحتفال به... ياحسرة
ماعندنا طيارات مقاتلة ولاهليكوبترات حربية ولاسفن تشق الموج،، فقط
طائرات أمريكية عارية في سمائنا ودبابات سمينة كأنها إمراة تأكل ست
وجبات طعام في اليوم الواحد..
يارب بجاه النبي يصير عدنا جيش لولاه لايحلو العيش..
hadeejalu@yahoo. com |