حتى لا تتوه خطانا عن الطريق

د. إبراهيم أبراش

حربنا الرئيسة في الضفة والقدس وليس في غزة وعدونا إسرائيل وليس حماس ولا تسوية أو سلام بدون مصالحة فلسطينية. هذا ما يجب الرد به على سياسة الخداع والمناورة الإسرائيلية وعلى تصريحات نتنياهو الأخيرة.

تصريحات نتنياهو يوم الثالث من يناير الجاري أمام لجنة الخارجية والأمن البرلمانية بأن غزة لن تكون جزءا من أي اتفاق سلام ليس بالأمر المستغرب والغريب، قد تبدو تصريحاته كرد على مطالبة الرئيس أبو مازن قبل ذلك بيومين من إسرائيل بتحديد رؤيتها للتسوية والحل النهائي ولكنها أيضا تصريحات لا تخرج عن سياق الإستراتيجية الإسرائيلية التي دشنها شارون منذ عام 2004 من خلال خطة الانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة والتي استمرت كل الحكومات اللاحقة لشارون ملتزمة بها وتعمل على تعزيزها من خلال تكريس فصل غزة عن الضفة واعتبار غزة كيانا معاديا لإسرائيل.

كل مراقب لمجريات الأحداث منذ انسحاب إسرائيل من القطاع في 2005 سيلاحظ أن تناغما وتوافقا يجري ما بين :مسار عملية التسوية المتعثرة، حصار قطاع غزة والنهج الإسرائيلي لتخفيفه، إعاقة المصالحة الفلسطينية، الحديث المتكرر عن حرب وعدوان على قطاع غزة والتهدئة على حدود قطاع غزة الخ. منذ الانقسام في يونيو 2007 حتى اليوم ونحن نلاحظ أن جولات المفاوضات كانت تتجاهل الوضع في قطاع غزة حيث تركز على الاستيطان في الضفة والقدس والحدود ما بين الضفة وإسرائيل بالإضافة إلى الملف الأمني أما قطاع غزة فهو إقليم خارج عن الشرعية بالنسبة للسلطة ومنظمة التحرير، وكيان معاد بالنسبة لإسرائيل، وكنا دوما نتساءل ماذا لو تم الاتفاق على اتفاق إطار بين الطرفين بالنسبة للحدود والقدس والأمن والمياه واللاجئين وجاء وقت التنفيذ قبل إنجاز المصالحة الداخلية؟ هل سيُعتبر الوضع في القطاع عائقا أمام تنفيذ الاتفاق وبالتالي مسيرة التسوية مما يستدعي إنهاء سيطرة حماس على القطاع بالقوة ؟ أم سيقتصر الحل على الضفة وبالتالي سنكون أمام كيانين فلسطينيين منفصلين، واحد في الضفة مسالم ومتصالح مع إسرائيل والآخر في غزة كيان معاد لها؟.

تصريحات نتنياهو جزء من صناعة الانقسام التي تجري بسرعة بمشاركة أطراف متعددة مع اختلاف نسبة الوعي والإدراك بخطورة ما يجري، ويأتي الإعلام وخطابه ومفرداته كأداة من أدوات صناعة الانقسام من خلال تمريره لمفاهيم ومصطلحات تعزز حالة الانقسام وخصوصا عندما يتم الحديث عن الحرب، العدوان، التهدئة في وعلى قطاع غزة بتجاهل عما يجري في الضفة والقدس. مصطلحات ثلاثة مرتبطة مع بعضها وكَثُر استعمالها أخيرا بعد الانقسام الفلسطيني ومع التصعيد العسكري على القطاع. فما أن تتحرك الطائرات أو الدبابات لتضرب في قطاع غزة حتى يتحدث الإعلام عن الحرب على قطاع غزة والعدوان على قطاع غزة، وعندما يتوقف التصعيد يتم الحديث عن التهدئة والهدنة ما بين إسرائيل وقطاع غزة. فهل صحيح أن الحرب والعدوان الإسرائيلي لا يكونا إلا إذا تعلق الأمر بقطاع غزة ؟ وهل يجوز الحديث عن تهدئة في القطاع وتجاهل ما يجري في الضفة الفلسطينية والقدس من احتلال واستيطان ؟.

كانت فضائية الجزيرة أول من استعمل مصطلح الحرب على غزة مع الهجوم العسكري على القطاع في نهاية ديسمبر 2008 وبعدها أصبح الجميع يتحدث عن الحرب على قطاع غزة أو العدوان على القطاع وهما المصطلحان اللذان عادا للتداول مجددا خلال الأيام الأخيرة متزامنان مع الحديث عن التزام فصائل المقاومة في القطاع بالتهدئة.

الملاحظ أن مصطلح الحرب لم يُستعمل قبل ذلك إلا عند الحديث عن المواجهة ما بين إسرائيل والدول العربية كحرب حزيران وحرب أكتوبر، أما بالنسبة للعلاقة ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين فتحكمها علاقة شعب خاضع للاحتلال ودولة احتلال، والاحتلال دوما حالة حرب وعدوان مستمر على الشعب الخاضع للاحتلال حتى وجود السلطة والمفاوضات لم يغيرا من حقيقة هذه العلاقة، فالسلام لا يتحقق بمجرد الجلوس على طاولة المفاوضات بل بنجاح المفاوضات بإنهاء حالة الصراع بتسوية محل توافق كلا الطرفين وهذا ما لم يحدث.

منذ بدء الاحتلال وإسرائيل تقوم بعمليات دهم واجتياح واغتيال واعتقال سواء في الضفة أو غزة ولم يكن أحد يتحدث عن حرب إسرائيلية على الضفة أو حرب على غزة، حتى عندما قامت إسرائيل باجتياح الضفة الغربية في عام 2003 ومحاصرة مخيم جنين ومحاصرة الرئيس أبو عمار في المقاطعة لم يستعمل الإعلام مصطلح الحرب على الضفة الغربية أو على جنين، وقبل الانقسام كان الجيش الإسرائيلي يقوم باستمرار بتوغلات في القطاع وبعمليات قصف للمنازل وللمؤسسات ولم يتحدث احد عن حرب على القطاع. تكثيف الحديث عن الحرب والعدوان على غزة وارتفاع هدير الدبابات وزنين الطائرات على حدود وفي أجواء القطاع يجب أن لا يخفي عنا حقيقة أن الحرب هي التي تجري في الضفة والقدس وفي المحافل الدولية.

الحديث عن حرب وعدوان على قطاع غزة بتجاهل عما يجري في الضفة وعن مجمل القضية الوطنية يوحي وكأن القضية الفلسطينية اختزلت في قطاع غزة وكأنه لا تجري حرب إسرائيلية معممة على كل الشعب الفلسطيني وفي جميع أماكن تواجده، فمن المعروف أن الاحتلال بحد ذاته حرب وعدوان على الشعب الخاضع للاحتلال، والاستيطان والتهويد في الضفة والقدس حرب وعدوان على الشعب الفلسطيني، وعندما ترفض إسرائيل الالتزام بالعملية السلمية فهذا معناه أن ما يحكم العلاقة ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليس علاقة سلام بل علاقة حرب ومواجهة. القول بالحرب والعدوان على غزة فقط معناه تجزئة القضية الوطنية وتكريس الانقسام بإخراج الضفة والقدس من ساحة المواجهة.

ما بعد الانقسام وبشكل مخطط ومدروس يتم توجيه الأمور في قطاع غزة وفي الضفة بما يعزز تكريس عملية الفصل بينهما والتعامل مع قطاع غزة كأنه كيان سياسي قائم بذاته. إسرائيل معنية بإبقاء القطاع جبهة مفتوحة حتى تبعد الأنظار عن الضفة والقدس حيث الحرب الحقيقية التي تخوضها إسرائيل وحيث يجب أن تكون حربنا الحقيقية أيضا، بدون الضفة والقدس كحد أدنى لا يمكن أن تقوم دولة فلسطينية، قطاع غزة جزء من فلسطين ولكنه ليس بديلا عن فلسطين، ومن هنا يجب أن لا نقع بحبائل إسرائيل التي تريد أن تلهينا بقطاع غزة وتهيئ لفتنة فلسطينية في قطاع غزة وتؤلب العالم على قطاع غزة والحكومة القائمة فيه بزعم وجود تنظيم القاعدة أو صيرورته أداة بيد إيران وسوريا الخ من المزاعم.

بالإضافة إلى التضليل المبطن من خلال استعمال مصطلحي الحرب والعدوان على غزة دون الضفة فإن الحديث عن التهدئة في قطاع غزة يثير أكثر من سؤال، فمع أننا نؤيد تهدئة في قطاع غزة هذه الأيام إلا أن أسئلة تفرض نفسها، مثلا كيف تكون تهدئة مع عدو ما دامت كل فلسطين محتلة ؟ وكيف تحدث تهدئة بدون توافق وطني؟ ولماذا لا يحدث توافق وطني على ربط التهدئة على جبهة قطاع غزة بوقف الاستيطان ومجمل الممارسات العدوانية التي تجري في الضفة والقدس ؟. حتى الحصار والحديث عن رفعه يتم بشكل مبرمج بما يعزز الانقسام والقطيعة بين الضفة وغزة.

وأخيرا يجب التأكيد على أنه ليست غزة وحدها معادية لإسرائيل بل كل الشعب الفلسطيني معاد لها والصراع ما زال صراعا فلسطينيا إسرائيليا – ونتمنى أن يكون عربيا إسرائيليا وإسلاميا إسرائيليا - صراع وحرب كل الفلسطينيين وفي جميع أماكن تواجدهم وبكل سبل المقاومة الممكنة، ويجب الحذر من تحويله لصراع إسرائيلي غزي. قد يتطلب الأمر تغيير في وسائل مقاومة ومواجهة إسرائيل ما بين الضفة وغزة وفلسطينيي 48 وفلسطينيي الشتات إلا أن ذلك يجب أن يكون في إطار وحدة القضية والشعب والمعركة. ونؤكد مرة أخرى بأن معركتنا الحقيقية في الضفة والقدس وليس في غزة. نختلف مع الحكومة القائمة في غزة ومع حركة حماس ولكنهما جزء من الشعب الفلسطيني ولا نسمح أو نقبل بأي عدوان أو حرب عليهما ونرفض أي حديث عن تحرير غزة من حماس عسكريا من أي جهة كان الحديث، لا شك أن المصالحة وتوحيد الشعب في الضفة وغزة والشتات ضرورة وطنية وهذا يجب أن يكون من خلال التوافق وبعيدا عن اللجوء إلى السلاح.

كتبنا قبل ذلك ونؤكد اليوم بان المطلوب ليس تحرير غزة من حماس بل تحرير الضفة والقدس من الاحتلال الإسرائيلي وعودة اللاجئين إلى وطنهم.

Ibrahem_ibrach@hotmail. com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/كانون الثاني/2011 - 30/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م