هل تفتقد خزينة الدولة للحراسة؟

مرتضى بدر

اعتدنا قراءة الردود التبريرية للوزارات على التقرير الذي يصدره سنوياً ديوان الرقابة المالية والإدارية، والذي يكشف من خلاله مدى التجاوزات والمخالفات والأخطاء التي ترتكبها الوزارات الحكومية والهيئات والشركات التابعة لها. الكثير من هذه الردود الإنشائية ينمّ عن وجود نزعة اللامبالاة، والتكبّر وعدم الاكتراث بالمخالفات والتجاوزات، وما ينتج عنها من هدرٍ للمال العام، وهتكٍ لحرمة هذا المال الذي يُعْتبَر أمانة في رقبة الحكومة بالدرجة الأولى.

إننا نعتقد جازمين بأن وجود ديوان للرقابة المالية والإدارية يعتبر في حد ذاته نعمة وطنية، والواجب الوطني يحثنا على تقديم الشكر للقائمين عليه؛ لما يبذلونه من جهود من أجل الحفاظ على المال العام.

باعتقادي، إن مسؤولية السلطة التشريعية تبدأ من حيث انتهى ديوان الرقابة المالية والإدارية مؤخراً، أي أن الكرة الآن قد دخلت ملعب البرلمان بغرفتيه، فنتمنى من أعضاء المجلس النيابي على وجه الخصوص التعامل مع التقرير الأخير بحرفية ومهنية، ومن دون صخب إعلامي، وعرض للعضلات، أو تسجيل موقف ضد وزير دون غيره.

كما نتمنى ألا تتكرر تجربة التخندق الطائفي، خاصة أثناء مساءلة أو استجواب الوزراء. قضية كبيرة كالتلاعب بالمال العام من المفترض أن تجمع وتوحّد جميع النواب والتكتلات والجمعيات السياسية في بوتقة وطنية واحدة؛ ليشكلوا معاً موقفًا وطنيًا واحدًا، من أجل أن يقولوا وبصوت واحد: لا للفساد والمخالفات والتجاوزات.. ولا لهدر الملايين على الفنانات والحفلات والسفرات.. ولا للمشاريع الفاشلة التي تحلب خزينة الدولة.. ولا للمشاريع الفاقدة للشفافية، خاصة تلك التي تُحْتَجَب عن هيئة المناقصات.. ولا للسفرات غير المبرّرة لأعضاء مجلسي الشورى والنواب والمجالس البلدية، خاصة بعد أن اتضح للجميع أن أغلبها ترفيهية، وهدر للمال والوقت، هذا في الوقت الذي يتوقع عامة الناس من المنتخَبين أن يكونوا أكثر حرصاً وحفاظاً على المال العام، وأكثر إخلاصًا وصدقيةً في عملهم؛ كونهم يمثّلون عامة الشعب.

في الحقيقة، الأسبوع الأخير من العام 2010 كان بالنسبة لكل بحريني أسبوع الصدمة والحيرة، أسبوع الأرقام المدوية التي وردت في تقرير ديوان الرقابة المالية الإدارية! التقرير أوضح بجلاء كيف يُهْدَر المال العام من قبل الوزارات والهيئات والشركات التابعة للحكومة.

جاء التقرير في الوقت الذي قررت فيه الحكومة رفع موازنة العامين القادمين للدولة إلى المجلس النيابي من دون تخصيص ميزانية لعلاوة الغلاء.

 الأسبوع الماضي كان أسبوع التساؤلات الكثيرة التي شغلت أذهان المواطنين، ومن هذه التساؤلات: لماذا تضخّ الحكومة أموال الدولة في المشاريع والشركات الفاشلة والخاسرة؟ ولماذا تقيم وزارة الثقافة والإعلام حفلات ومهرجانات في داخل وخارج البلاد وتصرف الملايين من دون التزام بالقانون، وتوقّع العقود مع الفنانات والفرق الموسيقية بعشرات الآلاف من الدنانير؟ وهل البحرين افتقدت لخبراء حتى تلجأ الوزارة لجلب مستشار لبناني ليطوّر لنا نشرة الأخبار مقابل راتب خيالي يُقَدّر بـ 9000 دينار؟ وما معنى أن تُهْدَر الملايين في الـ (تمكين) و(القاصرين) ويتآكل رأس مال (حلبة البحرين)؟

بتقديري، خزينة الدولة في ظل وجود مؤسسات كديوان الرقابة والبرلمان لا يمكن اعتبارها فاقدة للحراسة، لكن الفارق أن هناك حراسة مشددة تبدأ من ضمائر أصحاب القرار، وهنا حراسة غير مشددة في ظل وجود مؤسساتٍ تفتقد للصلاحيات الرقابية التي تمكّنها من إجراء محاسبة حقيقية للجهات التي تمارس الفساد المالي والإداري، وتلعب بالمال العام، وتنزف خزينة الدولة.

في أي بلاد حينما تفقد الرقابة دورها الحقيقي، تصبح الأموال العامة رهينة للرغبات والمصالح الشخصية، مؤديةً إلى خللٍ في توزيع الثروة، فيموت البعض من التخمة، ويموت غالبية الشعب من القهر والنقمة، وشتان بين من يموت قهراً وفقراً، ومن يموت متخمًا!! وأخيرًا، لا يسعنا إلا أن نقول: ويل للذين يملؤون بطونهم من المال العام، وتباً للذين يهدرونه!!

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/كانون الثاني/2011 - 28/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م