تظهر بين الحين والاخر صرعات غريبة تدل على ان الانسان مازال يفقد
توازنه العقلي والمنطقي او لا يعير للتخطيط المستقبلي المتوازن اية
اهمية خاصة اذا توفرت لديه المقدرة المالية الكبيرة التي يحتار في
ايجاد منافذ جديدة للانفاق والاستهلاك تكون قادرة على استيعاب الوفرة
المالية المتراكمة فيقوم بإيجاد طرق واساليب تخالف الشائع لاغراض
مختلفة قد يكون من بينها اشباع الغرائز الذاتية المختلفة والتي من
بينها جلب انظار الاخرين واهتمامهم...
ومن بين تلك الظواهر الغريبة التي انتشرت في السنوات الاخيرة بصورة
خاصة هي ظاهرة شراء الاندية الرياضية في الدول الغربية او الانفاق
عليها لغرض الدعاية والاعلان من خلال كتابة اسم صاحب الاموال وهو غالبا
مؤسسة تجارية على قمصان اللاعبين او في داخل الملاعب او حتى اطلاق
الاسم على المنشئات الرياضية وقد كان مصدر الاغلبية من الخليج او من
روسيا!...
ومن الملاحظ ان تلك الاشياء لا تجلب اهتمام الجمهور بالقدر الذي
يبرره حجم الانفاق الهائل لانه غالبا ما يكون متابعا للعبة اكثر من ان
تثيره اعلانات ودعايات اضافية تضاف الى الكم الهائل الذي يراه ويسمعه
ويقرأه في كل لحظة وفي كل مكان حتى في داخل غرفة نومه حتى اصبح من
المستحيل عليه متابعتها او الاهتمام بها !
هذا بالاضافة الى حالة الاستهزاء الموجودة لدى قطاعات واسعة في
الغرب في رؤية بعض الاشخاص او المؤسسات التي تنتمي الى دول يعتبرونها
اقل مستوى حضاري منها في ان تقوم بمثل تلك الاعمال التي يرونها دالة
على حماقة وسفاهة اكثر منها عملا تجاريا يحظى بالعناية والاهتمام كمثل
قيام البعض بتصرفات فردية حمقاء في دول يخضع الجميع لقوانينها
الالزامية!.
واخر تلك الصرعات الجنونية، هي قيام مؤسسة قطر الخيرية بدفع اعلى
مبلغ يدفع لحد الان الى نادي رياضي وهو نادي برشلونة الاسباني الذي
يعاني كثيرا من جراء ازمته المالية المستعصية كغيره من الاندية
الرياضية التي اصبح من النادر ان نجد منها بدون ديون! والمبلغ قدره 225
مليون دولار لمدة 5 اعوام ويضاف اليه سنويا مبلغ اضافي وقدره 5-7 مليون
دولار في حالة الفوز بلقب الدوري الاسباني!!.
الغريب في الامر ان تلك المؤسسة خيرية وليست تجارية، كذلك فأن
النادي المذكور يرفع اسم اليونسيف وهي احدى منظمات الامم المتحدة
لرعاية الطفولة مجانا مع تبرع سنوي وقدره مليوني دولار وهو عمل يثير
الانتباه والاحترام بلا شك!.
قد يكون الامر معقولا وان كان يعتبره البعض مثيرا للاشمئزاز والرفض
عندما يقدم بعض الاثرياء وبخاصة الذين لا يفقهون في الرياضة ومعانيها
السامية او قيام بعض الشركات التجارية على شراء النوادي الرياضية او
الانفاق عليها لغرض الاعلان لان العائد قد يكون مجزيا او معوضا لكافة
الخسائر بالرغم من ان الاعلان على تلك المسائل لا تثير الانتباه او
الاهتمام بقدر الاعلان على بقية وسائل الاعلام الاخرى!... اما ان تقوم
مؤسسة خيرية لا تهدف للربح من عملها بالاعلان بهذه الطريقة والتي لا
تفيد المؤسسة اصلا...لا من ناحية جلب متبرعين جدد او حتى جلب اهتمام
الجمهور فأن الامر برمته يبقى محيرا في التفسير المعقول الذي يجعل تلك
المؤسسة قادرة على اعطائه للمتبرعين لها او لمالكها وهي حكومة قطر!
التي من المفروض ان تكون حريصة على مصالح شعبها...
مجالات صرف المؤسسات الخيرية غير محدودة من خلال انتشار الفقر
والمجاعة والامراض في اغلب بقاع الارض مع وجود عدد هائل من المحتاجين،
ولا توجد انقى وافضل واروع دعاية سوى عن طريق بذل الجهود المخلصة
لمساعدة اكبر عدد من المحتاجين في مختلف بقاع الارض، اما ان اقوم بتلك
العملية الغريبة من الانفاق الغير عقلاني في بلد يحرم النقد على
مواطنيه فأن الامر برمته يصبح شاذا ويستدعي الوقوف عنده من قبل الاخرين!...
امامنا الان للمقارنة عدد كبير من المؤسسات الخيرية في الغرب والتي
يمتلك بعضها مثل مؤسسة بيل غيتس الخيرية اصولا مالية ضخمة جدا وتقوم
بمختلف النشاطات الخيرية في داخل بلادها او خارجها ولم نرى ايا منها ان
قامت بمثل ذلك العمل من قبل بل تركز الجهود على صرف الاموال بعقلانية
بغية احترام جهود المتبرعين الاخرين لها بل ان بعض المؤسسات الاعلامية
تقوم متبرعة بالاعلان المجاني لتلك المؤسسات او تقوم مؤسسات حكومية
اخرى بنفس العملية بغية تسهيل مهمات العمل الانساني الذي يكون خارج
قاعدة التناحر والعداء المستحكمة في العالم!.
العمل الجاد المخلص والذي يقوم على قاعدة بذل اقصى الطاقات لانتاج
افضل المنتجات والخدمات هي خير وسيلة للدعاية والاعلان، وما عدا ذلك
فأنه من المستحيل تغيير الصورة، ويمكن ملاحظة مثال على ذلك وهو طيران
الامارات الذي شاعت شهرته في الافاق من خلال استخدامه افضل الطائرات
وتقديمه افضل الخدمات بأقل الاسعار فكانت خير دعاية لها، ولكن مع مرور
الوقت اخذت خدماته بالتدهور واسعاره بالاتفاع فقامت الشركة كتقليد بائس
لغيرها بصرف الاموال الطائلة لغرض الدعاية والاعلان وبخاصة مع الاندية
الرياضية فكانت النتائج غير مشجعة ولم توازي الانفاق بينما لو قامت
بتحسين الخدمات وتخفيض الاسعار لكانت اكثر ايجابية من غيرها بدون
تكاليف تذكر!.
محاولات تقليد الاخرين في كل شيء هي مذمومة! فأن كانت في المجالات
التي تعم بها الفائدة والخير على الجميع فأنها سوف تنال الاستحسان
والشكر وتكون بداية لتطوير الذات...اما اذا كانت مخالفة لذلك فأن
التساؤل بداية فضلا عن الاستنكار والرفض هو الرد الطبيعي عليها!. |