الدول العربية... تنمية مبددة واجيال ضائعة

 

شبكة النبأ: على الرغم من تراكم الثروات والمداخيل النقدية في الكثير من الدول العربية الا ان مشاريع التنمية لا تزال فقيرة في معظمها، وغياب التخطيط المثمر احد ابرز اسباب ذلك بحسب المحللين.

وتعاني المجتمعات العربية على الدوام من هجرة العقول وانتشار البطالة المقنعة بشكل كبير، فيما كان لغياب المهارات عمالا اساس في تردي المرافق الانتاجية على اكثر من صعيد حيوي، خصوصا في قطاعي الصناعة والزراعة.

فيما كان الاعتماد السلبي على العمالة الوافدة عاملا مهما في تبديد الثروات وغياب الكفاءات المحلية، وتفشي ظاهرة توطين الخبرات المستقدمة من بعض الدول الاجنبية.

برامج توطين الوظائف

فعندما هرع المسعف القطري محمد مجيب الى قصر الشيخ خليفة بن حمد ال ثاني في منتصف التسعينيات بعدما تلقى مكالمة استغاثة لم يكن يعرف أيهما له وقع أكبر على الامير المريض. النوبة القلبية التي داهمته لتوها أم حقيقة أن من يسعفه مختص محلي. وقد بادره الحاكم السابق للامارة بصوت متهدج قائلا "أنت قطري.. ما شاء الله."

المفاجأة التي انتابت الشيخ خليفة كان لها ما يبررها ففي شتى دول الخليج -خاصة في الدول التي يقود النفط والغاز فيها نموا سريعا- من النادر أن تجد مواطنا يعمل في قطاع الصحة أو في أي مجال اخر تابع للقطاع الخاص.

ويبدو أن هناك ميثاقا غير معلن بين الحكام والمواطنين في الخليج بأن يرضى المواطنون تمام الرضى بشغل الوظائف الحكومية المريحة ذات الاجر المرتفع وساعات العمل القصيرة والتي كثيرا ما لا يجد الموظف فيها ما يشغله. أما في القطاع الخاص فقد بدأ الاجانب من جنوب اسيا والعرب غير الخليجيين والغربيون يشغلون الوظائف الواحدة تلو الاخرى. بحسب رويترز.

ويدرك حكام الخليج منذ أكثر من عقد أنهم يواجهون مشكلة لاسباب ليس أقلها أن هذا الامر يضع سلطة تسيير العمل اليومية في قطاعات كاملة من الاقتصاد في أيدي الاجانب. ويمثل العاملون الاجانب أكثر من 80 بالمئة من قوة العمل في القطاع الخاص في كثير من الدول الخليجية ويشغلون مناصب رئيسية في ادارة الشركات الوطنية في مجالات الطيران والعقارات والخدمات المالية وقطاع الاعلام.

واستجابة لذلك شرعت الحكومات في تنفيذ برامج "توطين" تهدف لدفع مواطنيها للعمل في القطاع الخاص. وقادت سلطنة عمان الطريق فأطلقت في الثمانينيات من القرن الماضي برنامجا للعومنة وحذت حذوها حكومات البحرين والكويت وقطر والسعودية والامارات العربية المتحدة. وعادة ما تتضمن هذه البرامج حوافز ضريبية للشركات الخاصة التي تعين مواطنين وتحديد حصة من العمالة المحلية بكل شركة والاستثمار في تدريب الخريجين.

لكن ذلك لم يؤت ثماره اذ تجد كثير من الحكومات الخليجية صعوبة في تغيير ثقافة الوظيفة الحكومية التي يسهل الحصول عليها واعداد مواطنيها للعمل في القطاع الخاص. ومازال القطريون الذين يشكلون 16 بالمئة من سكان البلاد البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة لا يمثلون -وفقا للاحصاءات الحكومية - سوى خمسة بالمئة فقط من اجمالي العاملين في القطاع الخاص بالبلاد. ولا يشغل المواطنون غير واحد بالمئة فقط من وظائف القطاع الخاص في الامارات العربية المتحدة. أما السعودية بعدد سكانها الكبير فقد بلغ حجم مشاركة المواطنين في القطاع الخاص عشرة بالمئة.

تقول نورة البدور المسؤولة عن برنامج توطين الوظائف بالامارات "نحتاج للمشاركة في القطاع الخاص... القطاع الخاص عصب الاقتصاد الوطني وللمواطنين الحق في العمل في هذا القطاع. هذا مهم للغاية بالنسبة لنا."

لقد اعتاد المواطن في الخليج أن تكون بانتظاره وظيفة حكومية مريحة في اطار ما يسميه انجو فورشتينلتشنر الاكاديمي النمساوي بجامعة الامارات العربية المتحدة صفقة الحكم وهي أن يعطيك الحاكم كل شيء على ألا تطلب شيئا.

ويقول فورشتينلتشنر "انها في الاساس عملية شراء الرضوخ السياسي من خلال توزيع الثروة النفطية."

كانت الامور تسير جيدا مادامت الوظائف الحكومية متاحة. لكن في دول مثل السعودية - حيث تبلغ نسبة البطالة 10.5 بالمئة رغم أن دبلوماسيين ومحللين يقولون ان النسبة الفعلية أعلى من ذلك على الارجح - لم تعد الوظائف الحكومية مضمونة. وفي الكويت ينتظر 12 ألف مواطن الحصول على وظائف حكومية.

أدى كل هذا الى شعور بالاحباط بين الشبان في تلك الدول. وفي احتجاج عام شديد الندرة في أواخر أغسطس اب احتشد حوالي 200 خريج جامعي سعودي أمام وزارة التعليم في الرياض يحملون ملصقات عليها شعارات تطالب الحكومة بتوفير الوظائف وأخرى تقول " كفى ظلما".

ويقول خبراء انه ما لم تتصدى الحكومات لمشكلة البطالة فربما تتزايد الاحتجاجات مما يضيف الى المخاطر الامنية في هذه البلاد.

وقال مصطفى علاني من مركز الخليج للابحاث "الحكومة (السعودية) تعتبر مسألة البطالة مشكلة رئيسية لها تداعيات خطيرة على الاوضاع الامنية."

وجزء من المشكلة هو أن كثيرا من مواطني الخليج مازالوا لا يرون جدوى من السعي للعمل في القطاع الخاص. في دولة مثل الامارات - حيث اختفت البيوت المتواضعة المبنية بسعف النخيل لتحل محلها الفيلات الفاخرة وناطحات السحاب على مدى جيل أو اثنين - تقول الحكومة ان معظم المواطنين عاطلون بارادتهم. وتظهر الاحصاءات الرسمية أن نسبة البطالة تبلغ 23 بالمئة بين الاماراتيين - وهي نفس نسبة البطالة في قطاع غزة.

يقول بول داير المتخصص في الاقتصاد السياسي والعمالة بكلية دبي للادارة الحكومية "هذه اقتصادات غريبة.. فهي اقتصادات تحولت بين عشية وضحاها من اقتصادات فقيرة الى حد ما وغير متطورة الى اقتصادات بها استثمارات ضخمة من عائدات النفط." ويقول المواطن الاماراتي خالد المطوع (26 عاما) الذي كان يعمل حتى وقت قريب كمدير للمشروعات في أحد البنوك العالمية ان التحول لم يكن أمرا سهلا.

وأضاف وقد جلس مسترخيا بعد العمل في منتجع ريتز كارلتون في دبي "اعتقد أن الاجيال الاكبر سنا... لم تكن مستعدة لمثل هذه الطفرة الهائلة ... لكنني لا أعتقد أن الشباب هنا كانوا أكثر استعدادا لها بأي حال. الاماراتيون يعيشون في مناخ أسري من الدرجة الاولى. يضعون الاسرة على رأس الاولويات."

ويرى كثيرون أيضا أن الوظيفة بالقطاع الخاص أقل جاذبية من الوظيفة الحكومية والتي عادة ما يعملون فيها دواما أقصر ويحصلون على أضعاف مرتب الوظيفة الخاصة. يقول عبد الله الكعبي (23 عاما) الذي يعمل والده بزراعة النخيل في مدينة حتا الجبلية على مسيرة ساعة من دبي "لا يمكنني التغاضي عن الامر الواضح."

وقال الكعبي وهو يحتسي القهوة في مول دبي الضخم ويده تداعب هواتفه المحمولة الفضية الثلاثة انه يفضل الانتظار ولو حتى سنة كاملة للحصول على وظيفة حكومية على العمل لدى احدى الشركات الخاصة.

وقال "يمكنني العمل في أحد البنوك من الثامنة صباحا حتى الخامسة مساء على الاقل والحصول على نصف الراتب الذي سأحصل عليه من وظيفة حكومية من الثامنة صباحا الى الثانية مساء. أي شخص في مكاني سيختار الوضع الافضل."

وأحد العوامل التي تعوق احراز تقدم هي حقيقة أن برامج توطين الوظائف غالبا ما تكون ضعيفة التنظيم اذ تتوقف بعد بضع سنوات من انطلاقها فقط ليعاد استئنافها بعد ذلك. وقد استأنفت السعودية مؤخرا برنامج السعودة الذي يشمل الزام الشركات بتعيين سعوديين بنسبة معينة من عمالتها وبرنامج تحفيز تدفع الدولة من خلاله نسبة من أجر الموظف المحلي.

كما أن القطاع الخاص في الخليج ليس مهيئا بشكل كبير لاستيعاب المواطنين وبرامج توطيم الوظائف لا تقدم حوافز كبيرة على الاصلاح. وتساءل فورشتينلتشنر في بحث أجراه عام 2009 عن الاسباب وراء هذه النسبة المرتفعة من البطالة بين الاماراتيين في اقتصاد يحقق أحد اعلى معدلات النمو في الشرق الاوسط وفي ظل عائد نفطي كبير. والاجابة هي أن ملايين الوظائف في القطاع الخاص تستهدف أصلا الاجانب وليس المواطنين الاماراتيين.

وقال فورشتينلتشنر في البحث "القطاع الخاص هنا مصمم للاستغلال - ليستغل المستثمرون الاجانب وأصحاب النفوذ من المواطنين عمالة أجنبية مؤقتة ورخيصة فهو ليس مصمما لتوظيف عمالة دائمة محلية."

ويعني التفاوت الهائل بين عدد المواطنين وعدد العاملين المؤقتين الاجانب أن الحصص التي تفرضها الحكومة لتعيين المواطنين ضرب من ضروب الخيال. وتهدف السياسة الرسمية لتوطين الوظائف في قطر الى جعل نصف القوة العاملة في البلاد من المواطنين وهي نسبة يرى البعض أن من المستحيل تحقيقها في دولة يمثل مواطنوها أقل من خمس تعدادها الاجمالي.

وتتوقع الامارات التي نفذت نظام الحصص في قطاعات مختلفة منذ عشر سنوات أن تبلغ نسبة العمالة الاماراتية 40 بالمئة في كثير من القطاعات في العام الحالي. ولم يحقق هذه النسبة سوى بضع شركات.

وهناك أيضا حقيقة ان عدد المواطنين في كثير من الدول غير كاف لدعم النمو. ويشير استطلاع أجرته رويترز الى أن من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي القطري بنسبة هائلة تبلغ 15.5 بالمئة في 2010 بينما سينمو الاقتصاد السعودي بنسبة 3.8 بالمئة. حتى الامارات التي تضم دبي المتضررة من الازمة العالمية من المتوقع أن تسجل نموا اقتصاديا بنسبة 2.4 بالمئة.

ونتيجة لذلك فان شركات القطاع الخاص مضطرة "للنزول الى فئات أدنى لشغل هذه الوظائف" وفقا لما قاله أحد المغتربين العاملين في قطاع الاتصالات القطري والذي رفض نشر اسمه منتقدا زملاءه في قطاع الاتصالات. "نرى كثيرا من غير المؤهلين وغير أصحاب الخبرة في هذه الوظائف ... يضعونهم في هذه الوظائف ويتركونهم وشأنهم. وفي الغالب عندما يتعثر أحدهم في أداء وظيفته يتم نقله الى وظيفة أخرى يفشل في أدائها أيضا."

واستثمرت الحكومات المليارات في برامج للتعليم في مسعى لتطوير مهارات العمالة المحلية لكن كثيرين يقولون ان النظام مازال دون المستوى المطلوب. وقالت نورة البدور مديرة التوظيف وتنمية المهارات لدى هيئة توظيف وتنمية الموارد البشرية الوطنية (تنمية) بالامارات وهو برنامج يهدف لدعم توظيف الاماراتيين في القطاع الخاص "هناك فجوة كبيرة بين ما تحتاجه السوق وما يقدمه النظام التعليمي الاماراتي."

والوضع أكثر حرجا في السعودية حيث يقاوم المطوعون مساعي الملك عبدالله لتحديث التعليم وتخفيف المحتوى الديني الضخم في الكتب الدراسية من خلال برامج تتكلف 2.4 مليار دولار.

يقول سليمان ابراهيم من مركز الخليج للابحاث "نحن لا نؤهل خريجين لديهم القدرة على التفكير وانما خريجين يحملون معلومات."

لكن حتى السعوديين الذين تلقوا تعليمهم في جامعات أمريكية يشكون من أنهم لا يجدون أيضا وظائف في القطاع الخاص. ومع ارتفاع نسبة البطالة تصبح السعودية واحدة من دول الخليج القليلة التي يعمل فيها المواطنون سائقي سيارات الاجرة أو أفراد أمن.

ويدير طراد العمري شركة بيت السعودة للتوظيف ومسجل لديه أربعة الاف سعودي من خريجي الجامعات الاجنبية.

وعلى عكس الكثير من دول الخليج العربية فان أغلبية سكان السعودية البالغ عددهم 25.4 مليون نسمة من المواطنين. ويشير العمري الى أن برامج توطين الوظائف تنطوي على تضارب في المصالح اذ ان معظم الدول الخليجية تشترط أن تكون الشركات مملوكة بنسبة تتجاوز الخمسين بالمئة لمواطنين محليين الا أن هؤلاء المواطنين هم عادة من يعارضون تعيين أبناء وطنهم. ويقول العمري "يعينون أناسا ذوي مؤهلات أقل (من السعوديين) ... لان أجرهم سيكون أقل."

ويقول شبان خليجيون ان ذلك يظهر كيف أن التركيز على التعليم يغفل المشكلة الاكبر وهي وفرة العمالة الاجنبية الرخيصة التي تجعل برامج توطين الوظائف غير اقتصادية.

وهذا صحيح اذ تضغط الشركات لحماية الوضع الراهن. وعندما حاولت البحرين قبل عامين فرض ضريبة على العمالة الاجنبية لجعل تكلفة تعيينهم مماثلة لتكلفة تعيين المواطن البحريني تدخل رجال الاعمال الاثرياء ممن لديهم نفوذ سياسي لاحباط الخطة.

وبدلا من ذلك تفاوضوا لفرض رسوم قدرها عشرة دنانير (27 دولارا) على تأشيرة دخول العامل الاجنبي - وهو مبلغ زهيد بالنسبة للشركات الكبيرة حيث يمكن أن يتم تعيين عاملين أجنبيين أو ثلاثة بما يوازي مرتب مواطن واحد. وتساءل فورشتينلتشنر "اذا كان لديك شركة كبيرة يعمل بها عشرة الاف هندي بمقابل أقل فلماذا ستحتاج لتعيين كل هذا العدد من البحرينيين.."

والواقع أن كثيرا من الشركات الخاصة عادة ما تنظر الى برامج توطين الوظائف باعتبارها عبئا عليها أن تتعايش معه أو ضريبة خفية لا باعتبارها أحد سبل بناء الدول التي تستضيف أعمالها. وخلص فورشتينلتشنر ومحمد الوقفي في استطلاع عن توطين الوظائف في الامارات أجري عام 2009 الى أن الاجانب والمواطنين على السواء "يتفقون عادة على وصف توطين الوظائف بالامارات بأنه أحد أشكال الضرائب."

وقالا ان الشركات "تعين مواطنين للوفاء بالحصص المفروضة عليها وليس لانها تريد ذلك." لكن نورة البدور تقول أن الحصص هي أحد أشكال المسؤولية الاجتماعية للشركات وان الاجواء في الامارات في المقابل مواتية للاعمال. وقالت "ليست هناك ضرائب - الشركات تأتي هنا وتجني أرباحا كبيرة فلماذا اذن لا تمنح مواطنينا فرصة للعمل؟"

وهناك مزايا للالتزام بنظام الحصص فالشركات ذات السجل الجيد خاصة التي تمنح مواطنين محليين وظائف رفيعة المستوى كثيرا ما تكون لها الافضلية في الحصول على العقود الحكومية المربحة. لكن حتى الشركات صاحبة أنجح برامج توطين الوظائف تكافح للوفاء بمستويات الحصص المطلوبة.

وفي بنك لويدز بالامارات الذي فاز بعدة عقود بفضل اتباعه لسياسة توطين الوظائف تبلغ نسبة العاملين الاماراتيين 39 بالمئة. وهذه نسبة جيدة لكنها مازالت أقل من الشرط القانوني أن يكون 48 بالمئة من العاملين في البنوك اماراتيين خلال 2010.

وقال داير من كلية دبي للادارة الحكومية ان السباق لتحقيق الحصص أدى الى خلل في النظام التحفيزي. ويضر هذا في نهاية المطاف بالمواطنين أنفسهم اذ أنه لا يوضح للشبان الساعين للحصول على فرصة عمل المهارات التي يحتاجونها للحصول على وظيفة. وعادة ما تضطر الشركات في نهاية المطاف لتعيين "موظفين صوريين" يقوم موظفون أجانب في حقيقة الامر بانجاز مهام وظائفهم بدلا منهم.

وقال داير "الخطر هو أن يصبح (المواطنون) الفئة المنظمة لاقتصاد لا يعلمون شيئا حقيقة عنه."

وقال مطاوع المصرفي السابق ان من الشائع أن تقوم الشركات بالاحتيال في الجامعات. وأضاف "تأتي (الشركات) وتقول انها ستقدم منحا تدريبية براتب ثلاثة الاف درهم (718 دولارا) شهريا دون أن يذهب الموظف للعمل أو أن يفعل شيئا. كما لو أن تلك منحة تدريبية. وبهذه الطريقة تفي الشركات بحصة العمالة المحلية المستهدفة للشركة وينتهي الامر."

لكن هناك بوادر على أن بعض برامج توطين الوظائف لها تأثير خاصة في البحرين وسلطنة عمان وهما أول من نفذ مثل هذه البرامج. على سبيل تشترط السلطنة منذ عشرين عاما أن يكون سائقو سيارات الاجرة وموظفو الاستقبال بالفنادق من المواطنين المحليين.

كما أن هناك تغيرا أيضا في بعض الدول الاخرى. يقول حسن المراغي (32 عاما) وهو رئيس قطاع في أحد البنوك القطرية ويمتلك مصنعا صغيرا للاثاث "تغيرت الاوضاع في السنوات الخمس الماضية... الان هناك مزيد من المهندسين والمديرين والمحاسبين القطريين."

بيد أن الحكومات تريد أكثر من ذلك. بدأت "توطين" وهي مؤسسة اماراتية خاصة الاستعانة باماراتيين في القطاع الخاص لارشاد الشباب في برامج التدريب والتوعية. وبدأت الكويت برنامجا لدعم رواتب المواطنين العاملين في الشركات الخاصة ببدلات حكومية.

ومصدر القلق هو أن مثل هذه الحلول تسمح للنظام الحالي بالاستمرار رغم عيوبه دون الاصلاحات الجوهرية التي يحتاجها.

وقال داير "هل يمكن لذلك أن يستمر.. هذا يتوقف على وجود النفط ... النفط هو الذي يمكن الاقتصاد من مواصلة مسيرته. اعتقد أن قطر ستستطيع المضي قدما بفضل ثروتها الضخمة من الغاز الطبيعي." أما بالنسبة لدول أخرى فمازالت هناك علامات استفهام تحيط باقتصادات مخصخصة بشكل كامل في عهد ما بعد الوقود الاحفوري. ويقول بعض الخبراء ان الحل الوحيد هو الحد من العمالة الاجنبية الرخيصة والحد من توقعات الاجور بين المواطنين.

وكان خالد المطوع واضحا بشأن وجهته عندما قال خلال مقابلة في أغسطس " سأنتقل الى القطاع الحكومي. أرى أن هذا واجبي نحو بلادي" قبل أن يتوقف برهة ليقول مبتسما "من ذا الذي لا يرغب في أن يجلس هكذا ويحصل على أموال كثيرة؟" ولم تمض أسابيع حتى كان خالد قد وجد ضالته في هيئة الطيران الاماراتية.

البطالة في الدول العربية

الى ذلك تحتاج دول المنطقة لتوليد 18 مليون وظيفة لتجنب ضياع جيل بأكمله وفقا للمنظمة الدولية. فقد حذرت مؤسسة صندوق النقد الدولي من ضياع أجيال بأكملها ما لم تقم دول المنطقة التي تفتقر للموارد بتوليد 18 مليون وظيفة، وذلك خلال اجتماع إقليمي عقد أمس.

ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية قول مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي في مؤتمر صحافي عقده في دبي أمس أن التقرير يتوقع لكل دولة في المنطقة تقريبا أن يحقق نموا أسرع خلال العامين الحالي والمقبل مقارنة بعام 2009 .

وأضاف أنه ينبغي على صناع السياسات في المنطقة التركيز على دعم تطور القطاع المالي ومواجهة التحديات متوسطة الأجل مثل تعزيز القدرة التنافسسية وزيادة فرص العمل.

يأتي التقرير عقب وصول معدلات العاطلين عن العمل إلى قرابة 12% في كل من مصر ولبنان وسوريا والمغرب والأردن وتونس. ويشير مسعود أحمد بالقول: " إذا نظرت إلى أرقام العاطلين عن العمل في المنطقة فستجد أنها بقيت مرتفعة منذ وقت طويل، ونرى أنها قضية أساسية لصناع السياسات في المنطقة، وتكمن خلف هذه القضية مشاكل عديدة مثل تباين بين المهارات المطلوبة والمتوفرة والنظام التعليمي وتصلب سوق العمل ونمو القطاع العام وتحديد الرواتب فيه بمعدل يصعب على القطاع الخاص مجاراته وتقديم فرص عمل تنافسية".

وإذا لم تتصرف الحكومات إزاء ذلك فستكون العواقب جيل ضائع ومعزول عن سوق العمل مع فقدان للمهارات والحوافز، وفقا للمنظمة.

وأضاف أحمد إلى أن عجز اقتصاديات الدول المصدر للنفط عن حل مشكلة البطالة أصبح يتحول إلى فجوة في نمو الناتج الإجمالي العام مع الدول الأخرى مع تراجع معدلات التصدير.

وحث دول المنطقة على إلغاء سياسات التنشيط المالي بحلول العام المقبل نظرا لتحسن النمو وإن كان التوقيت الدقيق سيختلف حسب ظروف كل دولة.

وأوضح التقرير أن إجمالي الناتج المحلي النفطي للدول النفطية في المنطقة سيسجل معدلات نمو تتراوح بين 5ر3 في المائة و25ر4 في المائة مع إرتفاع أسعار النفط والإرتداد الإيجابي الذي سجله الطلب على مستوى العالم مما سيؤدي بدوره إلى تحسن ملحوظ في أرصدتها الخارجية.

وأشارت تقديرات الصندوق إلى أن نمو القطاع غير النفطي في معظم بلدان المنطقة سيظل دون مستواه الممكن في المدى الطويل نظرا لعدم اليقين المحيط بآفاق النشاط الإستثماري الخاص وأوضاع التمويل .

وأوصى التقرير بأن تركز الحكومات على الحد من إعتماد الإقتصاد على النفط عن طريق إعادة توجيه الإنفاق نحو مشروعات البنية التحتية العامة والخدمات التعليمية التي تشكل عنصرا مكملا لنشاط القطاع الخاص.

وأفاد بأن التحدي القادم بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي هو تعزيز المكاسب الإقتصادية المحققة حاليا ومعالجة أوجه الضعف التي كشفت عنها الأزمة المالية العالمية.

وأوصى التقرير برفع معدلات النمو لإنشاء فرص العمل وبتعزيز التنافسية وانتهاج سياسات إقتصادية كلية سليمة لا سيما ضبط أوضاع المالية العامة.

ونبه أحمد إلى أن تعزيز تنافسية بلدان المنطقة سيشكل عنصرا أساسيا في قدرتها على تحقيق نمو أسرع وإنشاء فرص عمل جديدة مما يترتب عليه تحسن جودة العمل وتهيئة مناخ أفضل لممارسة الأعمال وتعميق التدفقات التجارية وتنويعها. 

الوظائف الحكومية

من جهتها نفذت كل دول مجلس التعاون الخليجي برامج لتوطين الوظائف في محاولة لزيادة نسبة العمالة المحلية في القطاع الخاص إلا أن هذه المشروعات لم تصادف حتى الآن نجاحاً يذكر.

السعودية:

- إجمالي عدد السكان 25.4 مليون نسمة رغم أن بعض الدبلوماسيين الغربيين يعتقدون أن الرقم الفعلي أكبر من ذلك.

- نسبة السعوديين من السكان 73 بالمائة.

- مشاركة السعوديين في القطاع الخاص 10 بالمائة (حوالي 0.8 مليون سعودي مقارنة مع 6.2 مليون مغترب)

- نسبة البطالة الرسمية 10.5 بالمائة لكن محللين ودبلوماسيين في البلاد يعتقدون أن النسبة الفعلية أعلى من ذلك.

الإمارات العربية المتحدة:

- إجمالي عدد السكان 4.9 مليون نسمة.

- نسبة الإماراتيين من السكان 10-15 بالمائة. وعادة ما يحدده خبراء الاقتصاد عند الحد الأدنى من النطاق.

- مشاركة الإماراتيين في القطاع الخاص واحد بالمائة.

- نسبة البطالة 23 بالمائة. وتقول الحكومة إن معظمهم عاطلون عن العمل بإرادتهم، وإن 2.3 بالمائة فقط يسعون بنشاط للحصول على وظيفة.

الكويت:

- إجمالي عدد السكان 2.9 مليون نسمة.

- نسبة الكويتيين من السكان حوالي 30 بالمائة.

- مشاركة الكويتيين في القطاع الخاص 20 بالمائة.

- نسبة البطالة 3.1 بالمائة. حوالي 12 ألف كويتي ينتظرون الحصول على وظيفة حكومية.

قطر:

- إجمالي عدد السكان 1.7 مليون نسمة.

- نسبة القطريين من السكان حوالي 15 بالمائة.

- مشاركة القطريين في القطاع الخاص ثمانية بالمائة للذكور و6.9 بالمائة للإناث.

- نسبة البطالة 0.3 بالمائة.

سلطنة عمان:

- إجمالي عدد السكان 2.9 مليون نسمة.

- نسبة العمانيين من السكان 67 بالمائة.

- مشاركة العمانيين في القطاع الخاص 19 بالمائة. (أكثر من مليون عماني ليسوا مسجلين باعتبارهم يعملون في القطاع الخاص ولديهم أعمال خاصة بهم في قطاعات التجزئة والزراعة والعقارات حيث يقومون بأنشطة غير مرخصة في حرف مثل صناعة الخزف والنسيج والفضيات.)

- لا يوجد إحصاء رسمي لنسبة البطالة لكن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قدرت نسبة البطالة في عمان بحوالي 15 بالمائة في 2004.

البحرين:

- إجمالي عدد السكان 1.3 مليون نسمة.

- نسبة البحرينيين من السكان حوالي 50 بالمائة.

- مشاركة البحرينيين في القطاع الخاص 18 بالمائة.

- نسبة البطالة 15 بالمائة وفقاً لتقدير المخابرات الأمريكية في 2005. ولا توجد إحصاءات رسمية يمكن التعويل عليها لكن محللين يقولون إن معدل البطالة مرتفع بصفة خاصة بين الشبان البحرينيين.

100 مليار دولار لسد الفجوة الغذائية

في سياق متصل قالت المنظمة العربية للتنمية الزراعية إن الوطن العربي بحاجة إلى استثمار أكثر من 100 مليار دولار خلال العشرين عاماً المقبلة أي بمعدل 5 مليارات دولار سنوياً نصفها من القطاع الخاص لمواكبة الطلب على الغذاء للسكان المتوقع أن يصل عددهم إلى 550 مليون نسمة حتى العام 2030.

ونقلت صحيفة "الوطن" عن المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية الدكتور موسى الزدجالي في حديث خاص للصحيفة السعودية قوله، إن القطاع الخاص يجب أن يوفر نصف هذه الاستثمارات، وما لم تتحرك الدول لتحفيزه لزيادة استثماراته بصورة أكبر في الزراعة، فإن الوطن العربي سيواجه فجوة غذائية قدرها 71 مليار دولار في العام 2030.

وأضاف الزدجالي قائلاً، أما على المدى القصير، فإن الوطن العربي يحتاج إلى 27 مليار دولار حتى العام 2015 من أجل سد العجز في إنتاج المحاصيل محلياً حيث تنتج الدول العربية مجتمعة حتى العام الماضي 47 بالمائة من احتياجها للحبوب فيما تستورد الباقي لتصبح نسبة العجز فيها 53 بالمائة ، فيما يبلغ العجز في البذور الزيتية والسكريات 67 بالمائة أي أن الدول العربية تستورد ثلثي احتياجها من السكر والزيوت من الخارج.

وقال الزدجالي خلال تواجده في مدينة جدة السعودية للمشاركة في اجتماع الخبراء حول الأمن الغذائي الذي عقده البنك الإسلامي للتنمية، "لا نتوقع أن نجذب أكثر من 100 مليار دولار، ولكننا لو تمكنا من اجتذاب 75 بالمائة من هذا المبلغ، فإننا سنتمكن من ردم الفجوة الغذائية بصورة كبيرة".

ونتيجة للأزمة الغذائية في العامين 2007 و2008، أطلقت الدول العربية برنامجاً طارئاً للأمن الغذائي العربي للعشرين سنة القادمة وتمت الموافقة عليه خلال القمة العربية الاقتصادية التي عقدت في الكويت في شهر يناير/كانون الثاني العام 2009.

ويهدف البرنامج إلى رفع نسبة الاكتفاء الذاتي في الوطن العربي خلال العشرين سنة القادمة من الحبوب إلى ما بين 57 بالمائة إلى 93 بالمائة فيما يبلغ الاكتفاء من المحاصيل السكرية نسبة 81 بالمائة و69 بالمائة للبذور الزيتية ونسبة 90 بالمائةمن حاجة المنطقة من الأرز.

وتشتري الدول الخليجية، التي تعتمد على الواردات الغذائية إلى حد كبير، مزارع في دول نامية لتحقيق الأمن الغذائي عقب ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وأشاد الزدجالي بمبادرة العاهل السعودي الملك عبدالله للاستثمار الخارجي في الزراعة واعتبر هذا النوع من المبادرات محفزاً كبيراً للقطاع الخاص ولكنه شدد على أهمية أن تدعم مثل هذه المبادرات الاستثمار في الدول العربية قبل الدول الأجنبية.

وأضحت السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم مشترياً رئيسياً للقمح في الأسواق العالمية، وهي تحاول أيضاً شراء مزارع في إفريقيا وأماكن أخرى بمساعدة مستثمرين سعوديين من القطاع الخاص. وتخلت السعودية قبل عامين عن برنامج زراعة القمح بسبب تضاؤل مصادر المياه.

ووفقاً لصحيفة "الوطن"، قال الزدجالي الذي ترأس المنظمة قبل عام من الآن، "الكل يتحدث عن المخاطر في الاستثمارات الزراعية ولكن هل كانت هناك مخاطر أكبر من عدم قدرتنا على استيراد غذائنا قبل عامين، ونحن نمتلك المال الكافي لشرائه".

وتابع الزدجالي قائلاً، "لم أكن أرى أحداً يتكلم عن المخاطر في الاستثمار في أسواق الأسهم العربية التي انهارت واحداً تلو الآخر ولكن عندما يأتي الأمر للزراعة يبدأ الحديث عن المخاطر".

وقال الزدجالي، إن "الدول العربية تعاني من ضعف في البنية التحتية وبخاصة في الموانىء وصوامع الغلال والقدرة على إنتاج الكهرباء وأنا لا أتوقع من المستثمرين أن يأتوا لبناء الصوامع والموانىء ومحطات الكهرباء".

وأوضح الزدجالي أن توفير الطاقة والمياه هما التحديان الكبيران، فالزراعة الحديثة تعتمد على الميكنة والتقنية وهما تحتاجان إلى الكهرباء، أما المياه، فإن المشكلة في المنطقة هي في ضعف استخدامها بصورة أفضل في الزراعة حيث تبلغ الإنتاجية من الهكتار مقارنة بالوحدة المائية المستخدمة لريه مستوى متدنيا مقارنة بباقي دول العالم.

وذكر الزدجالي، إن الصناديق الإنمائية العربية والبنك الإسلامي للتنمية تستثمر كثيراً لتطوير البنى التحتية في العالم العربي إلا أن حكومات المنطقة يجب أن تستثمر ما لا يقل عن 33 مليار دولار حتى العام 2030 لإنجاح البرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي.

وقال الزدجالي، إن مستوى استخدام التقنية في الزراعة العربية متدن جداً ويجب تحفيز المزارعين على استخدام التقنية من خلال توفير قروض موسمية لهم تساعدهم على شراء البذور والأسمدة والمعدات.

وتبقى مشكلة رئيسة أخرى في الوطن العربي وهي الاستثمار في البحث العلمي، إذ إن العديد من الدول تنتج بذوراً معدلة وراثياً تستهلك كميات أقل من المياه إلا أن القوانين في الدول العربية لا تزال غير واضحة في استخدام هذا النوع من البذور كما أوضح الزدجالي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/كانون الثاني/2011 - 27/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م