الفنون البصرية... كوسيلة للنقد التاريخي

والممانعة الاسلامية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: احدث جدل بين السنة والشيعة يحدث الان حول المسلسل التاريخي الذي يعرضه التلفزيون الايراني ويحمل عنوان (مختار نامة) اي (رسالة المختار) للمخرج المعروف داود مير باقري يستعرض سيرة وثورة المختار الثقفي المعروف بأبي إسحاق الذي طالب بالثأر لاستشهاد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء عام 61 للهجرة، وتمكن من قتل جميع قتلة الإمام الحسين.

يبلغ عدد حلقات المسلسل 40 حلقة، واستغرق إنتاجه بمراحل البحث فيه وكتابة السيناريو والتصوير لسنوات، حيث تم بناء ديكورات أربع مدن إسلامية هي: مكة والكوفة والمدائن وكربلاء.

وكلف المسلسل أكثر من 20 مليون دولار، ما يجعله أكثر مسلسلات الدراما تكلفة في تاريخ الأعمال التلفزيونية الإيرانية.

اعترض الجامع الازهر حول المسلسل لأنه حسب تعبير المعترضين ينتهك قدسية الصحابة – مطلق الصحابة – ولا فرق بين صحابي متقي او صحابي غير ذلك. ولا فرق بين شخصية زاهدة او اخرى غير ذلك. فالجميع يمتلكون نفس القدسية ولهم نفس المحظورات التي لا يجب تجاوزها.

واستنكروا عرض المسلسل لتضمنه (إهانات لصحابة النبي الكريم (ص) وبينهم عبدالله بن الزبير، مؤكدين ان (الأزهر الشريف لا يقبل أي إهانة لصحابة النبي (ص).

من جانبه، رفض المستشار محمد رفاعة الطهطاوي، المتحدث الرسمي باسم الأزهر الشريف، الإساءة إلى صحابة الرسول (ص). وقال ان (الأزهر الشريف لا يقبل أي إهانة لصحابة رسول الله (ص).

من ناحيته، أكد الشيخ محمود عاشور ـ وكيل الأزهر الشريف الأسبق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية ـ على ان (مجمع البحوث الإسلامية، أعلى هيئة فقهية بالأزهر الشريف، أعلن من قبل رفضه تجسيد الأنبياء والعشرة المبشرين بالجنة والصحابة، في أي أعمال فنية أو درامية).

وأشار إلى أن المجمع شدد على تحريم تجسيد هذه الشخصيات، وذلك لأن تجسيد الصحابة قد يثير جدلا حولهم.

وقد انضم المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي الى هذا الجدل عبر بيانه الذي اصدره مؤخرا وجاء فيه: (نظرا لاستمرار بعض شركات الإنتاج السينمائي في إخراج أفلام ومسلسلات تمثل أشخاص الأنبياء والصحابة، فإن المجمع يؤكد على قراره السابق في تحريم إنتاج هذه الأفلام والمسلسلات، وترويجها والدعاية لها واقتنائها ومشاهدتها والإسهام فيها وعرضها في القنوات، لأن ذلك قد يكون مدعاة إلى انتقاصهم والحط من قدرهم وكرامتهم، وذريعة إلى السخرية منهم، والاستهزاء بهم).

وقال البيان: (إن تمثيل أنبياء الله يفتح أبواب التشكيك في أحوالهم والكذب عليهم، إذ لا يمكن أن يطابق حال الممثلين حال الأنبياء في أحوالهم وتصرفاتهم وما كانوا عليه - عليهم السلام - من سمت وهيئة وهدي).

الاعتراض من شقين:

الشق الاول رفض تجسيد شخصيات الصحابة فنيا (سينما – تلفزيون) وهو في هذه الحالة العمل الفني التلفزيوني.

الشق الثاني: رفض التحدث عن سير حياتهم ومحاولة نقد الادوار التي قاموا بها في مجمل تلك الحياة.

في مقابل ذلك يرى الشيعة رايا مغايرا لتلك المحظورات وهو جواز تصوير تلك الشخصيات ومساءلتها عن الاعمال التي قامت بها، سواء في حياة الرسول الكريم (ص) او بعد مماته وتم تحريفه، وكذلك مساءلة تلك الشخصيات عن الكثير من الالتباسات التي اشكلت وتشكل على الكثيرين من المسلمين.

اما عن تصوير الانبياء فيرى الشيعة كذلك ان لا ضير في تناول حياتهم عبر الاعمال الفنية مع مراعاة ان لا تشكل تلك الاعمال هتكا لحرمتهم من خلال اشتراط ان يكون الممثل الذي يقوم بدور احد الانبياء شخصا معروفا عنه الايمان والتقوى والصلاح واي تجاوز لهذا الشرط يعد هتكا لحرمة تلك الشخصية. وحرمة شخصيات الانبياء متفق عليها بين الشيعة والسنة، الا ان حرمة الصحابة مختلف عليها بين الطرفين بسبب الاختلاف حول مفهوم الصحابة والصحبة.

عند اهل السنة، الصَّحَابِيّ هو من لقي النبي (ص) مؤمناً به ومات على الإسلام.

‏‏وقد اختلف علماء السنة فيما تثبت به الصحبة‏، وفي مستحق اسم الصحبة ‏، قال بعضهم:‏ (إن الصحابي من لقي النبي (ص) مؤمنا به ‏، ومات على الإسلام) وقال ابن حجر العسقلاني ‏‏(هذا أصح ما وقفت عليه في ذلك‏).

‏فيدخل فيمن لقيه‏:‏ من طالت مجالسته له‏، ومن قصرت‏، ومن روى عنه‏، ومن لم يرو عنه‏، ومن غزا معه، ومن لم يغز معه، ومن رآه رؤية ولو من بعيد ‏، ومن لم يره لعارض كالعمى‏.

و‏‏‏اتفق أهل السنة ‏على أن جميع الصحابة عدول، وهذه الخصيصة للصحابة بأسرهم‏، ولا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه، لكونهم على الإطلاق معدلين بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم‏، واختياره لهم بنصوص القرآن.

قال ابن الصلاح: ‏(ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع‏، إحسانا للظن بهم.

ونقل ابن حجر عن الخطيب في ‏(الكفاية)‏ أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة، والجهاد‏، ونصرة الإسلام، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء، والأبناء‏، والمناصحة في الدين‏، وقوة الإيمان واليقين‏:‏ القطع بتعديلهم‏، والاعتقاد بنزاهتهم‏،‏ وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم ‏)

مانقله ابن حجر – باستثناء لقب الصحابي - لو سحبناه على عصرنا الراهن، ومن خلال مفردات (الهجرة‏، والجهاد‏، ونصرة الإسلام‏، وبذل المهج والأموال‏، وقتل الآباء‏، والأبناء‏، والمناصحة في الدين‏، وقوة الإيمان واليقين).

الا ينطبق ذلك على ابن لادن والظواهري وابو مصعب الزرقاوي وابو ايوب المصري وهم جميعهم هاجروا وجاهدوا ونصروا الاسلام وبذلوا المهج والاموال وقتلوا الاباء والابناء ونصحوا في الدين ويمتلكون قوة الايمان واليقين وتجعلهم تلك القوة يبشرون بدين القتل والانتحار؟

مسالة اخرى سبقت هذا الجدل بأيام قليلة وهي حين افتت جمعية أنصار السنة بمحافظة دمنهور، شمال العاصمة المصرية، بجواز توريث الحكم من الرئيس المصري حسني مبارك إلى نجله (جمال)، فيما يعد أول فتوى دينية تصدر بشأن رئيس الدولة في مصر منذ نهاية الحكم الملكي في عام 1952.

وقال الشيخ محمود لطفي عامر رئيس الجمعية المعروفة بانتسابها للتيار السلفي، وصاحب الفتوى (إنها ليست ابتداعا أو اجتهادا جديدا، وإنما ما استقر عليه السلف الصالح، وهم خير القرون الثلاثة الأولى المفضلة من تاريخ الإسلام)، ووصف الرئيس مبارك بأنه (أمير المؤمنين).

وعرف الشيخ عامر السلفيين (بأنهم الذين يدعون لفهم الدين وفق فهم الصحابة والتابعين وتابعي التابعين). وقد وصف احد المراقبين تلك الفتوى بجبل الجليد وحذر من التعامل بسخرية معها.

حسني مبارك الان هو امير للمؤمنين ولا عبرة بعدد المبايعين الان، فالسلطة ووعاظ السلاطين سيرسمون للأمير الجديد الكثير من الملامح الاسطورية كما رسموها لصحابة سابقين وسوف تتجذر هذه الملامح في عقول التابعين وتابعي التابعين وسيكون امير المؤمنين بعد مائة عام او اكثر غير الذي نعرفه وسياتي بعد تلك المئات من السنين من يقول بحرمة تناول حياته عبر السينما او التلفزيون حفاظا على قدسية تلك الشخصية المزيفة. هل هناك ما يمنع من ذلك؟

السبب الحقيقي الذي يخشاه المعترضون على تلك الاعمال الفنية هو ما اشار اليه الشيخ محمود عاشورـ وكيل الأزهر الشريف الأسبق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية ان تجسيد الصحابة قد يثير جدلا حولهم.

وهو اكثر ما يتخوف منه سدنة الخرافات المقدسة ان تطرح اسئلة من قبيل: اي من الصحابة ظالم ؟ واي منهم هو المظلوم؟ اي من الصحابة هو القاتل واي منهم هو القتيل؟

فلا يمكن في اي القوانين سواء كانت الالهية منها او الوضعية ان يتساوى الظالم والمظلوم وان يدخل الجنة سوية القاتل والقتيل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/كانون الثاني/2011 - 27/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م