بلقيس الملحم... شاعرة قُتلت لموقفها من أهل البيت

حوار: عبد العزيز حسن آل زايد

شبكة النبأ: أختي الأستاذة الفاضلة. بلقيس الملحم. بداية كنا متعطشين للحديث عنك، إلا أننا ارتأينا أن يتحدث عنكِ عقلكِ النير، وفكركِ الخصيب من خلال الإجابة على هذه التساؤلات، و قبل التساؤلات.

قصة رحيلك حكاية تداولها الجميع. إلا أن عطاءك وفكرك لم يتكسر أمام هذه الإشاعات المغرضة، وبصراحتك وصدقك نلتي محبة كبيرة من قبل الكثير من القراء.

* ولنبدأ من حيث الكلمات التي نقلها المؤرخون عن الحسين (ع) قوله للجيش الذي حاربه: (إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا في دنياكم أحراراً)، فأي حرية يعنيها من وجهة نظركم؟

- الإنسان يكمن في قيمه ومبادئه فضلا عن دينه ومدى التزامه بأحكامه وآدابه, وهنا استخدم سيدنا الحسين عليه السلام منطق العدل الذي لا يختلف عليه اثنان حتى عدوه وهو حجة منهم عليهم بمعنى أنه نفى عنهم الدين والخوف من المعاد أصلا ولم يتبق لهم سوى الحرية بمعنى إن كانت لهم شيم معهودة ومبادئ مزروعة فليتعاملوا بها مع الحسين وأتباعه فلعلها تردعهم عن سوء ما فعلوه, فالحرية المقصودة هنا هي حرية جُبل عليها كل البشر وهي معرفة الحق من الباطل من غير دليل. وهنا يجب الإشارة إلى ذكاءه عليه السلام في التقاط الصورة الدقيقة بمعنى التقاط الكلمة المناسبة في الوقت المناسب والتي تنم بالطبع عن حكمته وحسن طباعه وحريته التي كانت أوسع بكثير من دينهم السوء!

* الحسين نقل المرأة معه في كربلاء ليكون لها مسؤولية ودور، كما فعل الرسول (صلى الله عليه وآله) في كثير من غزواته، هل ترين أن المرأة اليوم تمارس دورها الحقيقي في المجتمع، أم أن التهميش لها سيد الموقف، كيف تنتزع المرأة حريتها دون أن تخرج عن سرب الصالحات من بيت الرسالة، كعقيلة الطالبيين زينب، وأخواتها من بني هاشم؟!

- إذا أرادت المرأة أن يكون لها دورا في المجتمع فسيكون, لذا عليها أن تقتنع بالفكرة أولا, بالمشاركة والفاعلية, بالاستقلال الفكري, والاكتفاء الذاتي, وإلا كانت حبيسة أوهامها التي تزيد من خناق كبتها. ولعل ما ذكر في السؤال المطروح من أمثلة حية على حرية المرأة خير دليل, فالبطولة ميدان إن كنا نقصد بها هنا ميدان القتال والشهادة وإلا فالبطولة لها ميادين عدة, والكلمة ميدان, والبيت ميدان والمدرسة والجامعة والحقل والمستشفى وسائر مجالات الحياة جميعها ميادين يجب أن تترك المرأة بصمتها عليها, ولعلي هنا أشير إلى أهمية الاطلاع على إرث المرأة المسلمة على مدار التاريخ والتي صنعت الحرية بيديها ليكون واقعا ملموسا في حياتنا قدوة وتأسيا بسرب الصالحات كما تفضلتم.

* ماذا تعني لكِ دموع الإمام الحسين (ع)، حينما يسأل عنها وهو في كربلاء؛ فيقول: «أبكي على قوم يدخلون النار بسببي»؟!

- مدامعي تشهد عليَّ أني قد بكيت كما الحسين لا أقول مماثلة فحاشاني بل توسلا وتأسيا بالرحمة المهداة وبمن أتى من بعده متجلِّيا في صفاته ودعوته الصادقة إلى السلام والتسامح والرحمة حتى بالجلاد نفسه! إن إنقاذ النفس عملية فدائية في حد ذاتها, ولكن من يستطيع!!

* كيف نعكس القيم التي تبناها الإمام الحسين (ع) في واقعنا الذي نعيشه؟!

- لعل هذا السؤال الذي طرحته هو لب الموضوع, وإلا ما الفائدة من قراءة الساهي, ومن إنصات السرحان, ومن مشي الأعمى إلى الوراء؟! أقول ذلك لأني لا أجد إنصافا للحسين عليه السلام بمعنى الإنصاف وللأسف لا من أنصاره ولا ممن لا يعرف عنه سوى كربلاء السوداء وثاراتها الحمر! فحين يغيب الوعي والفهم الصحيح من وراء ذالكم اليوم الذي لا يوم مثله, فستتحول الذكرى إلى عادة مفقودة الطعم, عديمة الفائدة, حيث أخشى أن تتحول إلى إرث موروث أكبر من كونها عقيدة مرسخة لكل ما هو صالح في الخلق مجدد للفكر السليم. إن مناسبة كهذه لهي جديرة بأن تدفعنا للبذل أكثر من البكاء, للتفكر أكثر من قلب المواجع, للعمل المثمر أكثر من تكرار المراسيم! ولعل بوادر بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية في إقامة البرامج التوعويَّة الاجتماعية كحملات التبرع بالدم وغيرها من أفضل الخطوات الملموسة التي تلامس واقع المجتمع المحتاج للوحدة والتآلف والوقوف المعرفي على سلوك أولئك الأطهار الأبرار.

* التسامح أنشودة تغردها (بلقيس الملحم) وتعيشها بكامل تفاصيلها. كيف لنا أن نرسخ هذه القيمة، وألوان الطيف متباينة؟! لم تهرب بلقيس الملحم من معالجة الواقع، والحسين (ع) لم يرضى بالفساد المستشري في شريان الأمة، فتحرك من أجل الصلاح، ما هي الكلمة التي تخاطبين بها المتقاعسين والمنعزلين عن إصلاح مجتمعاتهم؟!

- الاختلاف لا يفسد للود قضية, نعم سنكون أجمل بالطبع لو أننا اتبعنا منهج التكامل بدلا من التناقص, بمعنى أن نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه, وحين نكون كذلك فلن يضيرنا لو اختلفنا مع الغير مادامت قلبونا تحمل الحب للجميع والتسامح الذي هو أسمى الأخلاق المحمدية ولعلي بهذه الرؤية استطعت أن أخلق بيئة واسعة من الأصدقاء المختلفين معي الذين يحملون الحب لي بقدر ما أحمله لهم, ولقد علمتني الحياة بأن أعمل خيرا لألقى خيرا, أعملُ بقلبي قبل جوارحي لأكون أكثر اخضرارا واستقرار ذاتيا, وهنا أغتنم الفرصة لقراءة مقالة لي منشورة في بعض المواقع بعنوان: أحبكم أيها المسيحيون! لنعرف ما سنجنيه من علاقاتنا لو كانت مبينة على التسامح والأخوة فماذا لو كان ذلك بين المسلمين أنفسهم شيعة كانوا أم سنة!

* ما هي الهمسة الأخوية التي تصدح بها الأديبة (بلقيس الملحم) لقرائها في " قناديل" وإلى كل فرد يعشق الإمام الحسين؟!

- أقول لكل متقاعس عن طلب حقه والإصلاح في مجتمعه: قل رأيك ولا تخف, أكتب, أنشر, ناقش, أصلح ولكن بحكمة وتعقل وتروٍ فما تزرعه أنت ليس بالضروري أن تحصده بنفسك, ازرع ولو كانت هي آخر فسيلة بيدك والقيامة فوقك تقوم!

الجوارح هي من تصدق الإيمان ومن تكذبه, فإذا أحببنا وعشقنا فلنعشق بمسؤولية, بمعنى أن نتحمل مسؤولية هذا الحب وهذا الانتماء, لينعكس صفاء قلوبنا وتعلقها بالحسين على سلوكنا مع أنفسنا ومع غيرنا, توجهاتنا ورؤانا, فكرنا وطريقة تعاملنا مع الأحداث, فالحسين عليه السلام اجتهد وقاوم وبنى وربى وأصلح وصالح وقدم كل ما هو نفيس من أجلنا فهل سنكون ممن يشهد لهم بالخيرية؟! أتمنى ذلك.

نبذة مختصرة عن الكاتبة:

 - بلقيس محمد عبدالله الملحم

- مواليد الأحساء- 24-7-1977

 - حاصلة على بكالوريوس دراسات إسلامية - جامعة الملك فيصل

- معلمة للمرحلة الابتدائية

- متزوجة ولديها خمسة أبناء

- صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: "أرملة زرياب. قصص من العراق" وهي من إصدارات الدار العربية للعلوم والفنون-بيروت-

- تكتب الشعر الحر والقصة والمقال.

نشرت في قناديل كربلاء

 http://www.alrames.net/?act=artc&id=7812

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/كانون الثاني/2011 - 26/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م