يبدو أن المفاوضات الأميركية – الإسرائيلية لاستئناف المفاوضات
الإسرائيلية – الفلسطينية، قد اصطدمت بجدار الفشل، حتى أنه لم يبق هناك
من إمكانية لفتح ثغرة جزئية فيه، فالولايات المتحدة وبعد تقديمها سلة
حوافزها الإستراتيجية للائتلاف اليميني المتطرف، مقابل مجرد هدف تكتيكي
محدد، يتلخص في تجميد البناء الاستيطاني لتسعين يوما؛ ها هي مرة أخرى
جديدة، تقر بعدم قدرتها على إقناع ائتلاف نتانياهو الحكومي وقف
الاستيطان أو تجميده ولو مؤقتا، على الرغم من سلة الحوافز والضمانات
الكبرى، التي رفضتها حكومة نتانياهو، إدراكا منها أن هذا كله سوف يصلها
بالتأكيد مجانا، ودون مقابل، بينما تزداد حاجة الطرف الأميركي لوجود
"اختراق" ينقذ المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية من جمودها الراهن.
وعلى الرغم من اليأس الفلسطيني في ظل استمرار سياسات الصلف والغرور
الإسرائيلي، إلاّ أنه كان لم يزل في الجعبة الأميركية المزيد من "ألعاب
الحواة"، حين قامت بإبلاغ الجانب الفلسطيني حاجتها إلى المزيد من الوقت،
لمواصلة جهودها لدى الجانب الإسرائيلي، قبل أن تنفض يدها لتعلن فشلها
في إداء المهمة. ثم تقوم بإرسال المبعوث جورج ميتشيل مرة جديدة إلى
المنطقة، في وقت تمضي مشاريع الاستيطان ومخططاتها الهيكلية ومناقصاتها
في قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وهي أراض يفترض منظور التسوية
الراهن أنها سوف تتبع دولة فلسطينية مفترضة، فيما تستمر مخططات التهويد
لعدد من مناطق القدس الشرقية، وهي ما يُفترض أنها ستكون عاصمة للدولة
الفلسطينية المغدورة وفق "حل الدولتين".
يجري كل هذا في الوقت الذي تمضي فيه أحزاب الائتلاف اليميني
المتطرف، في تقديم المزيد من مشروعات القوانين العنصرية التي تنسف كل
أساس لتسوية ممكنة مع الطرف الفلسطيني، وآخر تلك القوانين المزمع
تقديمها للكنيست من قبل حزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف، مشروع قانون
القدس "عاصمة للشعب اليهودي" لا الإسرائيلي فحسب! بعد إقرار "قانون
الاستفتاء" على الانسحاب من الجولان والقدس الشرقية، وهو قانون مُلزم
للحكومة، ويقول لها بالفم الملآن، أنه لا يمكنها تنفيذ أي انسحاب من
المناطق المحتلة عام 1967 دون موافقة الرأي العام الإسرائيلي، في ظل
إجماع عام في إسرائيل تزداد عدوانيته وعنصريته، وقابليته لتنفيذ تطهير
عرقي جديد من أجل الاحتفاظ بالأرض – أرض إسرائيل الكاملة – فما بالنا
وحال التجميد في كل مراحله – مجرد تجميد جزئي ومؤقت – لبناء إستيطاني
يتواصل ويتمدد بشكل أو آخر، بطريقة أو أخرى.
في هذا الخضم العاتي، لا يتوقف الحديث عن استئناف المفاوضات،
وكأنها عملية طوع بنان الطرفين المتفاوضين، بينما بات يعرف القاصي
والداني، أن الطرف الثالث – الأميركي إنما هو يلعب لعبته المزدوجة، فهو
طرف معني بتحقيق التسوية، ولكن وفق مفهومها الإسرائيلي، بينما يحاول
تسويق نفسه كوسيط نزيه، وما هو كذلك بالمطلق. على أن من المؤسف أن
تنحدر "الخيارات الفلسطينية السبعة" للرهان على "الوسيط الأميركي" كراع
لتسوية لم تعد ممكنة، في ظل استمرار وتواصل الاستيطان، وتشريع قوانين
عنصرية، لا تحد، بل هي تمنع تنفيذ انسحابات من المناطق المحتلة عام
1967، في الوقت الذي تقتضي فيه التسوية على المسار الفلسطيني، كما على
المسار السوري؛ رحيل الاحتلال دون قيد أو شرط.
وهذا دونه وضع فلسطيني وعربي مختلف، كما ووضع دولي لا يمالئ
الاحتلال، ويمنحه المزيد من عناصر التصلب والتشدد، واستمرار إقامته
وتغييره ما أمكن من بنى جغرافية، والعبث بديموغرافية المناطق المحتلة.
ولهذا لا يكاد يمر يوم دون أن ترتكب قوات الاحتلال المزيد من
انتهاكاتها الاستيطانية للمناطق الفلسطينية، ففي كل يوم مشروع استيطاني
لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية هنا أو هناك، فضلا عن بؤر
إستيطانية كانت صغيرة يوما، ومجرد كرافان أو عدة كرافانات، وها هي مع
تشريعها وتقديم الحماية القانونية لها؛ تصبح مستوطنات لا غنى عنها
لاستكمال "مخططات التطوير" الاستيطاني للتجمعات الاستيطانية الكبرى
التي يجري الحديث عن إمكانية بقائها، ضمن "صفقات تبادل عقارية"، يجري
التخطيط لها من الآن. وهذا يشمل أراضي فلسطينية في كل من مناطق
الاحتلال الأولى عام 1948، ومناطق الاحتلال الثاني عام 1967.
علاوة على هذا، فقد تبيّن لمواطني فلسطين المحتلّة عام 1948، أنّ
سياسة سلطات الاحتلال الرافضة لتوسيع المخطّطات الهيكليّة للقرى
العربيّة في وادي عارة، وما يرافقها من سياسة عدم منح تراخيص بناء، وما
يتبعها من سياسة هدم المنازل التي تصاعدت بشكل كبير في السنوات
الأخيرة، ليست عبثيّة؛ إذ تخدم المخطّط الذي كشفت عنه وزارة الإسكان
الإسرائيليّة، لتوسيع مستوطنة "حريش" وتحويلها إلى مدينة يهوديّة من
خلال بناء 22 ألف وحدة سكنيّة تتّسع لنحو 130 ألف يهودي، لتصبح قرية
"أم القطف" العربيّة حيّا في تلك المدينة، وذلك على حساب القرى
والأراضي العربيّة في المنطقة، والتخطيط هو على شكل العنكبوت، وقد سبق
للمسئولين الإسرائيليين أن عرضوها باسم "المدينة العنكبوتيّة".
ومن المعروف أنّ خطة بناء مدن متاخمة لما يسمى "لخط الأخضر"، تعود
إلى التسعينات، وعُرفت بـ (خطّة شارون) المسمّاة (النجوم السبعة)، نظرا
لما تستهدفه من إقامة سبع مدن يهوديّة في مناطق متاخمة للخطّ الأخضر،
بهدف قطع التواصل الجغرافي بين التّجمّعات الفلسطينية القائمة داخل
أراضي الـ 48 وتلك التي في الضفّة الغربيّة، وذلك مقدّمة لإلغاء "الخطّ
الأخضر" نهائيّا. فأي خيارات "فلسطينية" ممكنة في ظل هذا القضم والهضم
المتسارع والمتدرج لأراضي فلسطين، ودولة فلسطين، بل كامل أرض فلسطين
التاريخية؟ وماذا يتبقى من أرض ووطن الشعب الفلسطيني طالما أن
"الخيارات السبعة" لا تحفل إلاّ بالوساطة الأميركية أو التدخلات
الأميركية، والتوسطات العربية، أو الأوروبية، والرهان على قدرة مجلس
الأمن الدولي، وهيئة الأمم المتحدة على تغيير معادلات موازين القوى
والقوة المعروفة، من دون أن تلتفت إلى الإدارة الذاتية للصراع، ومن
بدهياتها أنها تقع على عاتق الطرف الفلسطيني، ودون إقامة أي وزن أو
أوزان مفترضة لإرادة التحدي الفلسطينية في مواجهة الاحتلال أولا، وفي
مواجهة استعصاءات التفاوض واستحالة التسوية، في ظل استمرار وتواصل
مخططات الاستيطان، والهيمنة على الأرض الفلسطينية بكاملها عنكبوتيا،
ومواصلة تنفيذ خطة "النجوم السبعة" الشارونية. وكأن ليس لنا إلا
"خياراتنا السبعة"، بينما لهم الأرض و"النجوم السبعة"! |