لورنس العرب... بين ثنايا الواقع والاسطورة

 

شبكة النبأ: يُحتفى في أوروبا بلورنس العرب دائماً على أنه عبقرية أوروبية، برزت بأجلى صورها في من منطقة الشرق الأوسط وأعادت كتابة تاريخ هذه المنطقة. معرض في مدينة أولدنبورغ يريد إظهار الجوانب الحقيقية لأسطورة لورنس العرب. فيرنر بلوخ يسلط الضوء على أهم جوانب هذا المعرض. كما ينقل موقع عن دويتشه فيله.

يقول لورنس: "بشكل عام أفضل الكذب على الحقائق، وخصوصاً إذا ما تعلق الأمر بي شخصياً". كان أحد أكثر الأفلام نجاحاً في أوانه، ففي عام 1962 عرضت دور السينما الشرقية "لورنس العرب". وأدى الدور الرئيس في هذا الفيلم بيتر أوتول إلى جانب عمر الشريف وأنطوني كوين وأليك غينيس، وكان هؤلاء أكثر الممثلين نجاحاً وأفضلهم في أوانهم.

وبهذا أصبح "لورنس العرب" مشهوراً على حين غرة، ولم يستطع أي فيلم آخر عرض الصحراء في دور السينما بهذه الصور الجميلة الساحرة. ويعلل الفيلم أسطورة بطل، طالما كان في الواقع موضع جدل وطالما جوبه بالازدراء. إن الفيلم خلد توماس إدوارد لورنس الحقيقي، الذي يتذبذب بين الخجل الشخصي وجنون العظمة.

أسطورة ذاتية

يعد لورنس بلا شك أحد المفكرين الذي برز في زمانه، وولد في أكسفورد عام 1888 وأصبح مستشرقاً وجندياً وعالماً في مجال الآثار ومن ثم كاتباً، كان يكتشف نفسه من جديد كل مرة، كما يفعل نجوم الموسيقى اليوم، ويخلق أسطورته الذاتية. وحتى العنوان المثير لشيء من الارستقراطية "لورنس العرب" يعود إليه، فبعد عودته من الحرب العالمية الأولى قام لورنس بجولة في أوروبا مصطحباً معه شرائح العرض المكلفة.

يعد لورنس بلا شك أحد المفكرين الذي برز في زمانه، وولد في أكسفورد عام 1888 وأصبح مستشرقاً وجندياً وعالماً في مجال الآثار ومن ثم كاتباً وكتب مذكراته "أعمدة الحكمة السبعة"، لكنه بقي على الرغم من ذلك أحد الظواهر الإشكالية.

ويقول لورنس في كتابه: "بشكل عام أفضل الكذب على الحقائق، وخصوصاً إذا ما تعلق الأمر بي شخصياً". فكيف يمكن التعامل مع مثل هذا الشخص الذي لا يأبه للحقائق التاريخية؟ وهذا السؤال بالتحديد يُطرح الآن في مدينة أولدنبورغ، حيث يتم تنظيم أول معرض في القارة الأوروبية عن لورنس بعنوان "تطور الأسطورة" حتى شهر آذار/ مارس من العام المقبل.

تحف ضد الحقيقة

ويرى أمين المعرض ديتليف هوفمان أن تعامل لورنس الإشكالي مع الحقيقة ليس من الأمور السيئة. ويضيف هوفمان قائلاً: "كان هذا الأمر أحد ميوله إلى إعادة رواية الأحداث بشكل جديد. وليس الكاتب الأيرلندي جورج برنارد شو وحده، بل آخرون أيضاً، كانوا على قناعة تامة في أنه يتعامل مع المعارف والتجارب المعاشة بشكل شعري كما يفعل الممثل والشاعر. ولم يعدون هذا بالكذب على الإطلاق، بل كتجسيد متألق. وهكذا تنشأ الأساطير".

وربما يكون هذا الأمر صحيحاً، لكنه يبدو في الوقت نفسه أيضاً على جانب كبير من السذاجة. فهل ما زال ممكناً اليوم عرض لورنس متطابقاً مع الواقع والانسحار بشكل صبياني تقريبي بمغامراته؟ أم يجب تأمل الممثل والمحتال لورنس عن كثب والنظر إلى دوره الإشكالي للغاية في العلاقات الأوربية العربية من زاوية جديدة؟

وبينما يشعر أمين المعرض هوفمان بكل هذه التحف التي يمكن أن تقدم معرضاً بيوغرافياً، يتخذ مدير مشروع معرض لورنس السوري الأصل منعم فانزا، موقفاً مغايراً. وبحسب فانزا، الذي يدير متحف أولدنبورغ، فإن المعرض ليس من شانه أن يقدم أسطورة جديدة أو يعيد إحياء أسطورة قديمة. ويضيف فانزا بالقول: "وهنا يتمثل هدفي. أريد أن أجعل من لورنس خلفية لعرض تاريخ منطقة الشرق الأوسط".

عرض تعبدي سيري

ويبدو أنه قد وقع جدل كبير بين أمين المعرض هوفمان ومدير المشروع فانزا، وهذا ما بدا واضحاً في المؤتمر الصحفي. إن المعرض يعد عرضاً تعبدياً سيرياً، وهو يحمل بشكل واضح بصمات أمينه هوفمان، الذي يمارس نوعاً من كتابة سير القديسين بشكل يطغى عليه الحماس ويخلو من النقد.

إذ يبدأ المعرض بعدد لا يحصى من الصور المرسومة على الجداريات الكبيرة، والتي يغطي بعضها الجدار بأكمله، ومن ثم يتصفح الزائر محطات حياة لورنس: لوحات وبعض الأسلحة وكرسي لورنس البطل المغطى بالصوف ودراجة من طراز الدراجة التي قتل عليها لورنس عام 1935 نتيجة لحادث سير. لكن لا يتم إيضاح أي شيء من جوانب حياة لورنس، ويتبقى هذه الجوانب من دون دلالة تُذكر.

إن هذا العرض التربوي الساذج، الذي كان لهوفمان أن لا يتحمل عناءه، لا يعلل "الأسطورة" المحاكة حول لورنس بأي حال من الأحوال، على الرغم من وجود الكثير من الجوانب التي يمكن تقديمها. إذ أن لورنس كان مشتركاً بالفعل في نشوء الشرق الأوسط، حتى وإن كان دوره في ذلك أكثر تواضعاً مما يُشاع. كان للورنس دور في الثورة العربية، حين انتفضوا على الأتراك. لكن لورنس لا يعد اليوم في العالم العربي سوى خائن وكشخص قام بتأجيج حنق العرب على الغرب.

حين دفع لورنس العرب إلى القيام بثورتهم على الأتراك، كان على معرفة تامة من أن بريطانيا وفرنسا قد اقتسمت فيما بينها منطقة الشرق الأوسط منذ زمن طويل وفق اتفاقية سايكس بيكو عام 1917. إذ تم استغلال العرب، الذين باتوا يعتبرون لورنس جاسوساً وخائناً.

إن العديد من المؤرخين العرب نقبوا عن وجهة النظر هذه في السنوات الماضية مقدمين ما يثبتها من حجج. وفي معرض أولدبورغ لا يتم التطرق إلى شيء من هذا الجانب أيضاً، وهذه خسارة حقاً، فمعرض التاريخ الإنساني والطبيعي في أولدنبورغ بإدارة منعم الفانزا حقق شهرة في السنوات الأخيرة من خلال معارضه الدولية التي تتناول علاقة الشرق بالغرب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/كانون الأول/2010 - 22/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م