إشكالية العلاقة بين الاعلام والسلطة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يقول ذوو الشأن، ان الاعلام في جانبيه العام والاستقصائي، يُعدّ وسيلة عرض لحقائق ظاهرة، او مستترة، لاسباب سياسية او غيرها، وهو وسيلة ترويج للفكر او الرأي، ويتدخل الاعلام في مختلف انواع الصراعات، لاسيما بين الدول، لكنْ ثمة صراع دائم وقائم، بين الفرد الموجود –خارج السلطة- وبين السلطة التي تضع الدستور خلف ظهرها، فما هو دور الاعلام في ادارة هذا الصراع، ولماذا يشكل الاعلام في الحكومات اللادستورية، وسيلة ضغط عليها ومصدر قلق كبير لها ؟.

عندما تبدأ السلطة التنفيذية بادارة شؤون الناس، فإنها في الغالب تكون صاحبة صلاحيات كبيرة جدا، وقد تستخدم هذه الصلاحيات بطرق خاطئة، ما يؤدي بالنتيجة الى الانحراف، والفساد، والتجاوز على الحريات الفردية وما شابه، ناهيك عن حالات التجاوز على الحقوق المادية، والاعتبارية، للفرد والجماعة معا.

دور الاعلام هنا، هو وضع الحقائق تحت الضوء، بمعنى أن الحكومة لاتستطيع أن تعمل في الخفاء، ولا ينبغي لها ذلك، وسلطة الاعلام هنا تدفع به لفضح الاخطاء التي ترتكبها السلطة التنفيذية بحق الشعب، وكما هو متعارف، فإن الحكومات التي تضع الدستور كخيال مآتة، ولا تعمل به إلا من حيث كونه حاجة كمالية تزيّن بها شكلها أمام العالم، هذه الحكومات تصنع إعلامها الذي تريده بنفسها، واعلام من هذا النوع هو اعلام حكومي، تموله الحكومة كليا، لكي تضمن استمالته الكلية الى جانبها، لكن المشكلة أن المال المموِّل للاعلام الحكومي، هو مال عام وليس من جيب الحاكم، او خزائن حكومته، إنه مال الشعب، ولهذا ينبغي أن يكون اعلاما شعبيا يقف الى جانب الشعب قبل الحاكم.

لكن ما يحدث في الحكومات الدكتاتورية عكس ذلك تماما، حيث يصبح الاعلام الحكومي بوقا باسم الحكومة، وعامل تلميع دائم لصورتها، أما من يتصرف خلاف هذا التوجه، فهو عنصر غير مرغوب به، وتكون حصته واضحة تتراوح بين (التهميش والاقصاء والقتل احيانا اذا تطلب الامر ذلك).

تجربتنا في العراق بين الاعلام والحكومة، لاتزال تتذبذب صعودا، ونزولا، فنحن من جهة، نبني تجربة سياسية ديمقراطية ناشئة (مع ملاحظة أن الامر قد يتطلب زمنا أكثر من المتوقع)، ومن جهة أخرى، تتطلب الديمقراطية في ابسط صورها، حضورا فاعلا للاعلام الحر، بمعنى ثمة تقاطع تام بين الديمقراطية، وبين الاعلام المسيّس حكوميا، ولو حدث شيء من هذا القبيل، فإن تجربتنا ستقع في فخ الاعلام الحكومي الموجّه.

تبدأ بوادر تسييس الاعلام ودمجه بصوت الحكومة، بخطوات قد لا تجلب الانتباه، وقد لا تثير لغطا، او ردود افعال قوية، كونها ليست ذات تأثير قوي، او واضح في الساحة السياسية وغيرها، (ودائما تبدأ الحرائق الكبيرة بشرارة صغيرة كما يُقال)، فالخطوة الصغيرة في هذا الاتجاه، ستنمو وتتكاثر، لتصبح منهجا يُعمل به، بغض النظر عن مساوئه، بكلمة اوضح، يجب أن لاتخطأ تجربتنا السياسية والقائمون عليها، فيجعلون من الاعلام تابعا ومهمشا وضعيفا، لأن ضعف الاعلام وتهميشه، وسحبه الى حافة الصوت الحكومي، هو مؤشر دقيق على سيطرة الحكومة التنفيذية على السلطات الاخرى، وهذا ما يشكل فشلا ذريعا لتجربة العراق السياسية، بل يشكل رجوعا خطيرا الى المربع الاول، حيث الدكتاتورية، والشمولية، والنهج الاحادي يسيطر على الحياة برمتها.

لهذا لاينبغي للحكومة أن تتقرّب من اسلوب الرقابة، والرصد، في التعامل مع الاعلام، ولا ينبغي لها استخدام منهج الغلق، والمصادرة وما شابه، إلا في حدود القانون وبما نص عليه الدستور في هذا الصدد، فلم تعد السلطة التنفيذية، هي السيد الأعلى، ولا هي القائد الأوحد في البلاد، بل هي مؤسسة ذات طابع وظيفي، مكوّنة من مجموعة من الموظفين، يقودهم (رئيس الوزراء)، ويقدمون خدماتهم الوظيفية مقابل اجور معروفة، ومحددة، يستقاضونها كالموظفين الآخرين، نتيجة لخدماتهم المقدمة للشعب.

أما أن تتحول هذه المؤسسة (السلطة التنفيذية)، الى مرجع تشريعي، وتنفيذي، وقضائي في الوقت نفسه، هذا يعني أننا قتلنا تجربتنا بأيدينا، وهذا ما لا يجب أن نسمح به كعراقيين، وذلك بتعاون الجميع من أجل بناء الدولة الدستورية التي نحلم بها منذ قرون وعقود قاهرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/كانون الأول/2010 - 22/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م