عن انتحار الافراد وانتحار السياسيين

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الانتحار ظاهرة قديمة عرفتها الثقافات والشعوب القديمة تبعا لاسباب عديدة قد تكون اقتصادية او نفسية او اخلاقية .. ورغم اختلاف تلك الثقافات وتعددها الزماني والمكاني الا ان هناك رايا يكاد يكون موحدا ازاء ظاهرة الانتحار وهو الرفض لتلك الظاهرة واستهجانها ومحاولة البحث عن تقسير لها ولما يقدم عليه الاشخاص المنتحرون.

الانتحار ليس ظاهرة فريدة لدى الانسان من بين المخلوقات فهناك اصناف من الحيوانات والاسماك تقوم بعمليات انتحار جماعية الا ان الفرق واضح بين هذين الانتحارين فالانسان محكوم بالعقل والحيوان محكوم بالغريزة وكل واحدة منهما تسير صاحبها.

من اشهر حالات الانتحار في التاريخ القديم هي حالة انتحار كليوباترا الملكة الفرعونية الجميلة.

ولاتقترن حوادث الانتحار بالناس البسطاء والعاديين فهناك الكثير من حالات الانتحار بين المشاهير، الذين قد لا يعانون مايعانيه الانسان البسيط وقد يكون اقدامهم على الانتحار احتجاجا ما على وضع يعتقدون انه غير قابل للاصلاح.

وقد كثرت حالات انتحار الكتاب والادباء من دول عديدة منهم على سبيل المثال الكاتبة الأرجنتينية الشهيرة مارتا لينش و أيضاً الكاتب والروائي الياباني الشهير ياسوناري كاواباتا، الذي نال جائزة نوبل للآداب، وبعدها بعامين فقط قرر الانتحار، ومن أشهر الأسماء العالمية التي انتحرت الروائي الأميركي الشهير أرنست همنجواي الذي ألف (ثلوج كليمنجارو) و(لمن تقرع الأجراس)، كذلك الروائية الإنجليزية فرجينيا وولف التي ألقت بنفسها في النهر، والكاتب الإيطالي الشهير تشيزاره بامنيزه، والكاتب النمساوي سيتفان تسفيج، والشاعر الروسي مايكوفسكي، وغيرهم من أدباء العالم والعرب ايضا واشهرهم الشاعر اللبناني خليل حاوي...

ولكن ما هو الانتحار؟

انه في ابسط تعريف له (قرار يأخذه شخص من اجل إنهاء حياته)، وهو في علم النفس يعني (نوع من العقاب الذاتي و الانتقام من الذات، و إلحاق الاذى بها).

واسبابه تتوزع بين الشعور بالغضب تجاه العالم الخارجي بسبب عدم القدرة على توجيه العقاب لاؤلئك الناس وتوجيه العقوبة تجاه الذات، او سبب آخر هو الشعور بالذنب و الرغبة في عقاب الذات، او الشعور بالوحدة و بأن العالم لا يفهمه و ليس هناك من يشعر معه.

في مجال الرمزيات تدخل كلمة الانتحار في مجالات السياسة او الاقتصاد للتعبير عن حالة معينة يعتقد المراقبون انها خاطئة ولا تصب في مصلحة الجهة او الجماعة صاحبة الخطوة.

اما عن الجانب المادي للانتحار في عالم السياسة فهو ياخذ مداه في ثقافات الشعوب تعبيرا عن حالة من الاحباط والفشل والاعتراف بهذا الفشل وعدم القدرة على معالجة اسبابه... والحوادث كثيرة منها انتحار الرئيس الكوري الجنوبي السابق (رو مو هيون)، الذي كان اثناء صعود نجمه السياسي يسمى ب (الرجل النظيف). لانه كان حسن السيرة والسمعة، في مجتمع يستشري فيه الفساد على اعلى المستويات. ولكن ما ان اتهم باستغلاله لمنصبه، واستسلامه لثقافة الفساد التي وعد شخصيا، بالقضاء عليها في حملته الانتخابية، وقبل توجيه اي اتهام رسمي اليه، فضل الانتحار تاركا بلاده وشعبه امام اسئلة مزعجة، حول سجلات سياسييه المنتخبين ديموقراطيا.

اما وزير الزراعة الياباني (توشيكاتسو)، فانه اقدم على الانتحار قبل ساعات فقط من مثوله امام البرلمان، بسبب فضيحة التبرعات السياسية والعقود المزورة التي اتهم بها .

في الثقافة اليابانية ياخذ الانتحارمدى اوسع بسبب الفشل و الخجل من مواجهة المجتمع فتلك الثقافة تحث على الانتحار في حالة الفشل و الهزيمة و عدم القدرة على أداء الواجب و هو ما يفسر انتحار كثير من الطلاب بعد انتهاء الامتحانات و كثير من الجنود بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية.

وفي حين تنظر كافة المجتمعات للانتحار كمأساة شخصية ينظر اليابانيون للانتحار بسبب التقصير و ارتكاب خطأ كوسيلة (اعتذار و تكفير و استعادة الاحترام).

وتعود هذه النظرة إلى عشرات القرون و تم تطبيقها على نطاق جماعي واسع خلال الحرب العالمية الثانية فرغم أن هزيمة اليابان باتت مؤكدة في نهاية الحرب لم تتوقف هجمات الطيارين الانتحاريين (الكاميكازي)على السفن الأمريكية ليس على أمل تغيير مجرى الحرب بل تكفيرا عن فشلهم في صد الهجوم و تقديم واجب الاعتذارللشعب الياباني أما على الأرض فبدأت سلسلة انتحارات صامته بدأت برئيس الوزراء و قادة الجيش و المسؤولين السياسيين.

 بطريقة الهاراكيري الشهيرة فاليابانيون هم الشعب الوحيد الذي يملك طقساً مقدساً للانتحار يدعى هاراكيري يتطلب جلوس الضحية على ركبتيه و إمساك سيف خاص يغرسه أسفل بطنه

 ثم يرتفع به الى زاوية الرئتين و يظل على هذه الوضعية حتى يتصفى دمه تماماً.

عربيا الامثلة تكاد تكون معدومة، ولكننا نستطيع ان نشير الى انتحار المشير عبد الحكيم عامر بعد هزيمة العرب في حزيران 1967.

على الرغم من ان هناك اكثر من احتمال، على قتل عامر الذي كان تحت الاقامة الجبرية ساعة اعلان خبر انتحاره. وكذلك انتحار غازي كنعان، مدير المخابرات السورية والذي تشير الكثير من المصادر الى قتله ايضا.

ومن أبرز السياسيين الذين كان يتوقع انتحارهم، الرئيس العراقي السابق صدام حسين، لم ينتحر. وكانت سرت تكهنات قوية في الشارع العربي بعد سقوط بغداد، أن الأمريكيين لن يعثروا على (الرئيس)حيا أبدا، وإنه - أي صدام - عوضا عن الوقوع في براثن الأسر، سيتجه لوضع مسدس على صدغه ويطلق الرصاص ليختم حياته خصوصا بعد مقتل إبنيه عدي وقصي وحفيده مصطفى. لكن (المنتحر العربي الأشهر) أبطل بنفسه إجراءات انتحاره، ولم يبد بعد القبض عليه أنه كان يفكر في الأمر.

ولا نستعرب بعد العام 2003 وبعد الكثير من الاخفاقات والفشل الذي ترافق مع التعاطي السياسي اليومي مع الواقع العراقي ان لا يفكر اي سياسي عراقي بالانتحار تعبيرا عن الخجل من الناخبين الذين اوصلوا الكثير من هؤلاء الساسة لكراسي لم يحلموا بها حتى في اكثر ساعات الجنون والهلوسة التي ترافق الانسان في بعض احلام يقظته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/كانون الأول/2010 - 20/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م