شبكة النبأ: الحرية كما نفهم جميعا،
هي الطريق الى صنع الحياة الطيبة، والحرية تعني تطبيق ما يتشاور به
اولي الامر والمعنيون بقيادة المجتمع، عبر الشورى التي تتطلب اطلاق
الحريات الاسلامية، فمثل هذه الاجواء كفيلة بصناعة الحياة التي يبتغيها
الناس، ولنا في الوقفة البطولية الخالدة للامام الحسين (ع) تعبيرا
عمليا شخاصا عبر التأريخ، عن المعرفة الدقيقة بالحرية التي ترفع الحيف
وتقارع الظلم وتعيد الامور الى جادة الصواب، وكما جاء في دراسة عن
الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)،
بكتاب (ثقافة عاشوراء في فكر الامام الشيرازي): (عندما تتبادر إلى ذهن
الإنسان المسلم كلمة عاشوراء، يحضر في ذهنه معنى البطولة والإقدام
والشهادة، وأبرز الكلمات التي حفظها التاريخ للبشرية، قول الإمام
الحسين -عليه السلام-: إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد،
فكونوا أحراراً في دنياكم).
وهكذا تظهر لنا أهمية الشورى واطلاق الحريات الاسلامية لتنامي قدرات
البناء والتطوير على الصعد كافة في عموم شرائح المجتمع، فالبناء كما هو
متفق يحتاج الى ركيزة فكرية ايمانية يستند اليها تماثل الحاجة الى
التخطيط والبرمجة الدقيقة التي تعطي افضل النتائج في الميدان السياسي
او غيره، ولكنها لابد أن تكون مستندة الى قرارات متشاوَر عليها بين
القادة، ومستندة الى التعاليم الواضحة والدقيقة للاسلام.
وهذه هي الغاية الاساسية من ملحمة الطف التي عبر فيها الامام الحسين
(ع) عن رفضه القاطع للظلم الاموي، كما جاء في الكتاب نفسه بهذا الصدد:
(إنما قام الإمام الحسين -عليه السلام- في سبيل إحقاق الحق ونشر
العدالة الإلهية والحرية الحقيقية، ومحاربة الباطل وأهله.. وليكون درساً
للحق يقتدى به، فجميع ما عمله الإمام، من بذل حياته، وأهل بيته وكل شيء
في الدنيا، كل هذا ابتغاء مرضاة الله تعالى، وتطبيقاً لأوامره تعالى).
إن الحرية تحتاج الى من يدعمها ويقف الى جانب اطلاقها، وليس هناك
افضل مما قام به الامام الحسين (ع) وقدمه بهذا الصدد اذ بقيت هذه
الثورة مصدر اشعاع كبير للمسلمين وللعالم أجمع، وأمامنا ما نطق به قادة
معرفون على مستوى التأريخ العالمي كما هو الحال مع القائد الصيني
المعروف ماو أو غاندي وغيرهما الكثيرين ممن أبدوا تمسكا واعجابا فريدا
بثورة الحريات الحسينية الخالدة، وقد جاء بالكتاب نفسه في هذا المجال:
(ما دامت كربلاء حيّة في القلوب والضمائر، فستبقى مصدراً للاشعاع
الديني، ومدرسة للعلماء والخطباء والكتّاب، ومركزاً للفضيلة والإيمان
والأخلاق).
ويؤكد الامام الشيرازي (قدس سره) على الاستفادة العظمى من ذكرى
عاشوراء وعل القدرات الهائلة التي تمنحها للمؤمنين في امكانية بناء
الحياة بطريقة سليمة حيث تكون عاشوراء منطلقا للفضيلة والبناء الامثل
وفقا لمبدأ الشورى واطلاق الحريات، وكما جاء في الكتاب نفسه عن الامام
الشيرازي قائلا: (يلزم الاستفادة من ذكرى عاشوراء لتركيز الإيمان
والفضيلة والتقوى والمثل الأخلاقية الرفيعة في المسلمين، وتوسعة
دائرتها).
إن تحلّي المسلمين بالصفات النفسية الرفيعة، يمنحهم الحصانة من
الأمراض النفسية التي انتشرت في العالم المادي، كما يجب توسعة دائرة
هذه المثل والقيم لاشتمالها على مراتب ودرجات.
وتبقى الشورى هي الهدف الاسمى للمسلمين، وهي تقابل ما يطلق عليه
العالم المعاصر (الديمقراطية) وذلك ما هدف اليه الامام الحسين (ع) وما
اراده مما اقدم عليه من تضحيات جسيمة، أصبحت الى اليوم منارا يهتدي به
المسلمون وغيرهم من امم العالم، الذي وجد في التحرر الحسيني مبتغاه
وضالته، وكما جاء في كتاب ثقافة عاشوراء: (من الضروري أن يجعل هذا
الموسم منطلقاً للإرشاد والتبليغ ونشر أحكام الله وتعاليم الرسول - صلى
الله عليه وآله وسلم- الداعية إلى الحياة الطيبة عبر تطبيق الشورى
وإطلاق الحريات الإسلامية والأمة الواحدة والأخوة الإسلامية والسلام).
وهكذا يمكن أن تسهم الشورى واطلاق الحريات الاسلامية ببناء حياة
مثلى للشعوب، مهتدية بالتجارب العظمى للانسانية، كما هو الحال مع أعظم
الثورات التي قدمها الامام الحسين (ع) للمسلمين وللانسانية جمعاء، حيث
كان منهج التحرر والتشاور ورفض التفرد والاستبداد منهجا لنبينا الاكرم
محمد (ص): (فالرسول الأعظم -صلى الله عليه وآله وسلم- والإمام أمير
المؤمنين والإمام الحسن -عليهما السلام- جاهدوا من أجل تطبيق هذه
المفاهيم وتركيزها في المجتمع، وسار على خطاهم الإمام الحسين -عليه
السلام- في ثورته المباركة).
ولهذا ينبغي أن يعي المسلمون قادة وعامة الناس أهمية الحريات
والشورى، واحترام الرأي والمشاركة في صنع القرار على نطاق واسع، ودور
ذلك في صنع الحياة التي تليق بكرامة الانسان. |