هكذا هي دوماً الساحة العرقية كل شيء فيها قابل للتحول الى سجال قد
يصل الى العنف اللفظي ويتعداه أحيانا كثيرة، فأنت لا تكاد تجد آمرا قد
يجمع عليه العراقيين أو يتفقوا وهذه واحدة من مزايا وعيوب الشعب
العراقي فالاختلاف بين العراقيين دائم ومتواصل حتى عده البعض سبة
عليهم.
في الأيام الأخيرة تصاعد السجال وبلغ ما بلغ من حدة بسبب قيام سلطة
بغداد المحلية بإغلاق النوادي والبارات في العاصمة بحجة عدم امتلاكها
رخص البيع لممارسة المهنة..! هذا القرار ما كان ليمر دون إن يثير غضب
واستياء أوساط عدة، خصوصاً وان السلطة مدت يد "شرطتها " الى غلق النادي
الملحق باتحاد أدباء العراق.
فتظاهر مناصرو الاتحاد وأعضاؤه وقالوا أنها بادرة خطيرة تنذر بهجمة
جديدة لتقنين الحرية وتفصيلها على وفق مزاجات ورؤى القادة الجدد "المتدينين"
الذين يشعرون بتأنيب ضمير كونهم لم يؤدوا واجبهم في الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
تظاهرة ما إن انفضت حتى عادت القوى الإسلامية في العراق وقواعدها
الى تسيير مظاهرات حاشدة تأييدا لقرار منع بيع الخمور في بغداد ليتحول
الأمر من قرار قانوني الى فتوى دينية تحارب الظاهرة وتحرمها، ووصل الى
التهديد باستخدام العنف العلني تجاه الاتحاد الذي وصفه احد المتظاهرين
بأنه مكان لتجمع "الفسقة"..
كل هذا يجري وسط صمت من الحكومة المركزية ورئيسها، مؤسسات ثقافية
وجهت نداءا لمناصري الحريات في العراق معتبرة القرار مسيئاَ للحريات
الشخصية وتدخلاً فاضحاً في الحياة المدنية.
سجال عنيف فعلاً، البعض كتب انه جزء من المسكوت عنه الذي ظل كالنار
تحت الرماد فالتيارات العلمانية العراقية كانت طوال السنوات ترصد كل
ظاهرة و تعدها خطوة باتجاه اسلمة المجتمع وفرض أجندة القوى الدينية من
خلال سلطة الأمر الواقع.
إن تحول السجال الى صراع ينبئ إن ما وراء الأكمة ما ورائها، وهذا
يشير الى إن كلا الطرفين كان يتحين الفرص للإيقاع بخصومهِ فالإسلاميون
في السلطة ينظرون الى العلمانيين بأنهم "شلة موبؤة مخمورة " تهدف
لإفساد المجتمع وتخريب فطرته السليمة..!
الطرف الثاني لا يتوانى لحظة في إن يصف خصومه بأنهم مجرد " جهلة "
وصاعدون من القاع الاجتماعي بفعل " الطائفية " الى واجهة السلطة التي
يعتبرونها حكراً عليهم..! ويبشرون أنفسهم مع رنات الكؤوس في الليالي
البغدادية بغد مشرق سيزول فيه الاسلام السياسي بأحزابه، لكننا بقينا
طيلة السنوات الماضية نرى "تقية " يستخدمها كل طرف تجاه خصمه المفترض،
وها هي الأمور تتفجر بطلقة السيد كامل الزيدي، ويبدأ كل طرف برمي ما في
جعبته من سهام على الأخر، مستعيناً بقواعده التي صارت جاهزة ومتأهبة
"لسحل " الأخر والإجهاز عليه.
خوفي كل خوفي من إن نشهد تحول الصراع الجديد القديم بين الإسلاميين
والعلمانيين الى أدوات قتل وسيوف بتارة، بعدما كان الصراع مؤجلاً
لسنوات.. انها مجرد هواجس.. |