الثقافة العربية... واقع مرتهن وخيال مصادر

احمد عقيل الجشعمي

 

شبكة النبأ: ان مهنة الكتابة ليست كباقي المهن التي من المتعارف عليها والتي ببساطة تعمل لتحصل على أجرك، بل هي اكبر من ذلك بكثير فبالإضافة الى كونها تعبر عن ذات الكاتب وما يدور في خلجاته التي تعتبر بذلك بمثابة جزء من روحه تحمل مشاعره وآلامه وذكرياته الخاصة، فكيف يمكن لشخص ان يبيع كل ذلك بسهولة، حيث إنها لا تقدر بقيمة مادية مهما كانت كبيرة.

فهناك جزء مهم أيضا يجعلها متميزة عن باقي المهن ذلك يتجسد في كتابات الروائي او القصصي بل وحتى الشاعر التي يحفر فيها تاريخ بلد بأكمله، لاسيما اذا كان مر بحقب ومصاعب من قبل الأنظمة الحاكمة والحروب، خاصة في الدول العربية تلك التي فرضت على الكتابة والكتاب عقوبات صارمة لتحد من إبداعاتهم المستقلة التي يريدون تسييسها لمصالحهم ولا يريدونها تكتب لصالح الشعب، ولكن رغم كل ذلك فأن كتابنا العرب بشكل خاص كجزء من كتاب العالم واجهوا كل الصعوبات وتحدوها حتى واذا جعلهم يخرجون من ديارهم في سبيل إكمال مسيرتهم الإبداعية وهاهم يحصدون الجوائز العالمية والعربية لما يكتبونه من تاريخ لشعوبهم وما مروا بهم من حسن او سوء.

الانتقادات والبوكر العربية

حيث أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) وهي اكبر جائزة أدبية في العالم العربي أسماء مرشحيها مؤخرا، وقد أثارت الترشيحات غضب منتقدين قالوا ان قائمتها القصيرة غلب عليها الطابع السياسي ومصممة لتلقى جاذبية عند الجماهير الغربية. ويتنافس مغربيان ومصريان وسوداني وسعودية على الجائزة التي تبلغ قيمتها 50 ألف دولار والتي تضمن للفائز عقودا مربحة لنشر رواياته بالانجليزية وغيرها من اللغات.

وهذا هو العام الرابع لجائزة البوكر العربية وهي واحدة من جوائز كثيرة في المنطقة لكن ارتباطها بمؤسسة جائزة البوكر البريطانية يعطيها أفضلية على غيرها المرتبطة بوضوح بحكومات عربية مثل جائزة العويس الاماراتية وجائزة مؤسسة الفكر العربي السعودية.

وتم سحب جائزة العويس من الشاعر العراقي سعدي يوسف عام 2004 بعد أن انتقد الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان مؤسس الإمارات العربية المتحدة. ولجائزة البوكر العربية هيكل كبير من المحكمين ومجلس أمناء لضمان النزاهة ومن بينهم عرب من جنسيات مختلفة مقيمون في المنطقة وبالخارج فضلا عن خبراء أدبيين من غير الغرب وشخصيات تعمل بمجال النشر. غير أن مؤسسة الإمارات ومقرها ابو ظبي هي التي تمولها.

وقال أسعد ابو خليل وهو لبناني وأستاذ للسياسة بجامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة "هذه الجائزة مؤشر اخر على فساد الحياة الثقافية العربية ومدى إصرار أموال النفط العربية على الهيمنة على جميع جوانب الحياة."

وأضاف "الكثير من النقاد وجهوا انتقادات لهذه الجائزة لكنها ما زالت مستمرة بأموال نفط عربي حتى تضفي هيبة على الإمارات العربية المتحدة والأسر التي تحكمها." وزاد حكام دول الخليج في الأعوام الأخيرة من جهودهم لرعاية الفنون وتحويل منطقة إنتاجها على صعيد السينما والمسرح والكتابة وأشكال التعبير الأخرى محدود الى مراكز ثقافية.

وهناك بعض الجهود ذات الطابع العالمي اذ تنشئ ابو ظبي فرعا لمتحف اللوفر وآخر لمتاحف جوجنهايم بنيويورك بينما هناك بعض المشاريع ذات المحور الإقليمي فهناك مشروع في قطر لافتتاح متحفا للفن العربي المعاصر ينضم الى متحفها الإسلامي.

وأشار فوز الروائي السعودي عبده خال بجائزة البوكر العربية عام 2010 عن روايته (ترمي بشرر) التي انتقدت التشوهات التي طرأت على المجتمع السعودي نتيجة الطفرة النفطية في العقد الماضي الى أن الجائزة لن تتجنب المواد ذات الحساسية في دول الخليج على الأقل حين تقدم كقصة رمزية. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

كما عكست صعود الرواية كأحد الاشكال الفنية الرائجة في السعودية والخليج حيث حد نقص الحريات السياسية والاجتماعية والدينية لفترة طويلة من الانتاج الادبي. واشتكى بعض الروائيين في الصحف العربية من فوز مصريين في أول عامين بينما استقالت ناقدة مصرية من لجنة تحكيم العام الماضي منتقدة الطريقة التي وضع بها زملاؤها في اللجنة القائمة القصيرة.

ويشير اتساع نطاق التوزيع الجغرافي للقائمة القصيرة لهذا العام الى أن نوعا من الميل الى الانضباط السياسي يدور في أذهان أعضاء لجنة التحكيم التي تتألف هذا العام من أربعة من العرب وايطالية.

وقال الشاعر والصحفي المصري أسامة الغزولي "انهم لا يقررون تبعا للاستحقاق الادبي وحسب. انهم يقسمون الاختيارات (في القائمة القصيرة) على أرجاء العالم العربي. يجب أن ينتقد هذا."

وفي ظل حظر أعمال الكثير من الكتاب داخل بلادهم يمكن أن تكون الترجمة الى الانجليزية مفتاح الثراء والشهرة وكثيرا ما يقول نقاد ان الأدباء يضعون هذا في اعتبارهم عند الكتابة. ونجيب محفوظ هو الروائي العربي الوحيد الذي فاز بجائزة نوبل في الآداب.

وتحدث الغزولي عن بعض الافكار في أول كتاب يفوز بالجائزة وكان رواية (واحة الغروب) للروائي المصري بهاء طاهر كأحد الأمثلة. وتتناول الرواية علاقات بين مثليات وشخصية تتساءل عن حق مصر في السيطرة على واحة سيوة وهو ما يلائم "أذواق ما بعد الحداثة" على حد قوله التي تلقى صدى جيدا في الخارج.

وفي القائمة القصيرة لهذا العام تم ترشيح وزير الثقافة المغربي السابق محمد الاشعري عن رواية (القوس والفراشة) التي تروي قصة أب يتلقى رسالة من تنظيم القاعدة يبلغه فيها بأن ابنه الذي كان يعتقد أنه في باريس لاقى حتفه أثناء قتاله للقوات الغربية في أفغانستان.

ويتخيل بن سالم حميش وزير الثقافة المغربي الحالي رجلا بريئا يمر بتجربة تسليم غير عادي وتعذيب في سجن أمريكي في رواية (معذبتي). اما الروائية السعودية رجاء العالم فهي مرشحة عن رواية (طوق الحمام) التي تتناول الحياة في مكة من انتهاك لحقوق العمال الأجانب والتشدد الديني.

وقال لينكس كوالي الكاتب المقيم بالقاهرة الذي يدير مدونة باسم ارابليت "أعتقد أنها مغامرة تستحق. انها جائزة شابة جدا." وأضاف "كما أنها جائزة مختلفة بالنسبة للمنطقة لأنها جائزة لكتاب واحد لها قائمة طويلة وقائمة قصيرة ثم فائز في النهاية حتى يستطيع الناس أن يروا بوضوح شديد أي الكتب والروائيين الموجودين" على الساحة.

ويقول الغزولي ان المبادرات الخليجية مثل جائزة البوكر العربية تسدي العالم العربي صنيعا بعد أن تعرضت مراكز الثقافة العربية التقليدية مثل مصر ولبنان والعراق لعدة أزمات سياسية منذ السبعينات مما أضر بإنتاجها الثقافي. وأضاف "انها لا تحاول السيطرة على الثقافة. أنها تملا فراغا معينا. جاءت لتنقذنا مستخدمة أموالها لصالح الدول التي تتحدث العربية."

ضحايا الرقابات العربية

فيما تترك الروائية الليبية وفاء البوعيسي اسمها وحياتها كاملة، لتعيش حياة شخصية أخرى اخترعتها مع السلطات الهولندية كإجراء لحماية حياتها، بعدما أدى نشر رواية لها الى "تكفير" الإسلاميين لها في ليبيا، وجر عليها نقمة الأهل واهانات المجتمع المحلي.

وفي بروكسل حضرت البوعيسي كروائية، حكت معاناتها مع الرقابة، في صالون الأدب العربي الى جانب كاتبات أخريات، لكنها حالما تغادر العاصمة الأوروبية الى الجارة هولندا، بلد لجوئها، سيكون عليها نسيان كل ما حكت عنه، والظهور بشخصية امرأة أخرى "لا تعنيني ولا تشبهني وليس لها صلة بحياتي".

وتقول الروائية الشابة (1973) بلهجة متألمة "فقدت جزءا من حقيقتي، أعيش حياة أخرى وأتحدث بلهجة غير الليبية"، وتضيف وهي تغص بدموعها "انا وفاء ولست البنت الثانية، وانا ليبية ولست غير معروفة الجنسية".

وفي ندوة خصصت للحديث عن "الرقابات" العربية المختلفة على الابداع، جاءت في ختام فعاليات صالون الادب العربي الخامس، روت البوعيسي حكايتها، وكيف قلب نشر رواية لها حياتها جذريا.

كانت البوعيسي محامية تتحضر للدراسات العليا، تفكر في "تحولات المجتمع الليبي"، بعدما أخذت أجواء الانفتاح تتغير، كما قالت، عندما صار "تيار التشدد" الديني في بنغازي "ينسحب على المجتمع".

كتبت المحامية الشابة روايتها الأولى "للفقر وجوه أخرى"، ونشرته العام 2006، لتجد نفسها تتحول من شخص "مغمور تماما" الى شخص آخر تحت الأضواء. بعد أسبوعين من نشر روايتها، كما تروي، اجتمعت عشرة مساجد في مدينة بنغازي، وأعلنت فتوى "تكفر" بها صاحبة الرواية، لأنها عرضت لشخصية امرأة ليبية "تعتنق المسيحية"، وانتقادات لكتابتها عن الجنس، مع العلم انها رواية ترصد ظاهرة "العرب الأفغان"، الذين ذهبوا الى "الجهاد" في أفغانستان في وجه الاجتياح السوفيتي.

تصف البوعيسي بحزن كيف انقلب المجتمع عليها، اثر النشر، وتتحدث عن الاهانات التي صارت تتعرض، وتقول "فجأة صار الناس يبصقون علي، والأصدقاء انفضوا من حولي، وعائلتي تقول أنني تسببت لهم بالفضيحة". وتدافع الكاتبة عن روايتها تلك، لكنها لا تخفي أنها حاولت ان يمس قلمها المناطق "الحساسة والملتهبة" في مجتمعها.

كل ذلك اوصلها الى مطار هولندي مع حقيبة ملابسها، لتسلم نفسها للسلطات هناك، وتطلب اللجوء السياسي، قبل ان ترتب لها الجهات المعنية إجراءات لحمايتها، وتمنحها هوية تقول انها غير معروفة الجنسية وليس فيها اسمها الحقيقي.

ورغم كل ما حصل معها، تقول الكاتبة "لن أتوب"، فهي نشرت رواية أخرى بعنوان "فرسان السعال"، وتتساءل "لو قال الجميع ان لا جدوى من فعل شيء، فمن سيصلح ومن يرمم الأشياء ويعيد ترتيبها". ولم تكن البوعيسي الوحيدة من "ضحايا" الرقابة، بل حضرت الى جانبها كاتبات اخريات معظمهن تحولن الى لاجئات بسبب كتابتهن.

فالكاتبة السورية منهل السراج هي بدورها "لاجئة سياسية" في السويد، بعدما كان نشرها لرواية "كما ينبغي لنهر"، التي تدور أحداثها في أجواء "أحداث حماه الدامية"، خلال الثمانينات بين السلطات السورية وجماعة الإخوان المسلمين.

وتقول الكاتبة انها تعرضت "لاستدعاءات ومضايقات أمنية وتعرضت لمنع مواصلة التعليم والدراسات العليا والمنع من التوظيف". وتعرب السراج (1964) عن تحفظها على وصف "لاجئ سياسي"، كما قدمت الندوة، مشيرة الى انها ليست منضوية في نشاط او حزب سياسي، وانها حصلت على هذا اللجوء بوصفها "مثقفة صاحبة رأي وليس سياسية"، لكنها لا تخفي ان الكتابة الأدبية إضافة الى إعلانها رأيها كمثقفة عبر "التوقيع على بيانات"، كان السبب في طلبها اللجوء.

وكانت الرواية الاولى للكاتبة "منعت" في سوريا، ثم نشرت خارجها بعد نيلها جائزة الابداع في الشارقة، وهي تؤكد ان الرواية "لا تشكل وثائق تاريخية ولا يمكن الركون اليها بهذا الخصوص، لكنها ما علم في الذاكرة من شهادة إنسانية حية"، موضحة أنها عاشت أحداث حماه وكانت طالبة في الثانوية خلالها، وان جميع روايتها اللاحقة تجري في أجواء هذه المدينة. بحسب وكالة انباء فرانس برس.

أدارت الندوة القاصة المغربية حنان الدرقاوي، وتحدثت فيها الكاتبة العراقية سميرة المانع عن ظروف منع روايتها "الثنائية اللندنية" التي روت ظروف اغتيال عضو في منظمة التحرير الفلسطينية في لندن. ومن بين زميلاتها، اللواتي جلسن على كراس بشكل قوس امام الجمهور، حكت حواء جبالي، الشاعرة الجزائرية اللاجئة في بلجيكا، كيف سجنت في الجزائر خلال الثمانيات، وكيف أودعتها السلطات مصحا للأمراض العقلية، بعدما انتزعوا منها روايتها التي أخذت منها عمل ثلاثة سنوات.

لكن ما يفرق تجربة جبالي عن البقية هو تأكيدها ان وضع النشر في الغرب ليس أفضل، اذ تقول "لا شيء تغير، وهنا أيضا اذا لم ترق لهم كتابتك فهم لا ينشرونها"، قبل ان تقول بسخرية "هم يساعدون النساء المتباكيات".

وتكتب الشاعرة الجزائرية مليكة بنزيد الآن باسم مستعار (كليمة)، فبعد ان كان أخوها فخورا بها عندما فازت بجائزة مدرسية لقصيدة عن الطبيعة، صار يعنفها ويضربها، كما روت، عندما وجدها تكتب قصائد الحب.

وروت الشاعرة الجزائرية زينب الاعوج، المقيمة في باريس ايضا، ما حصل معها في سوق عكاظ للشعر، الذي نظم في السعودية هذه السنة، واعلانها هناك، وعلى الملأ، استيائها من إجبار الشاعرات ان يقرأن من اماكنهن، في حين خصصت منصة للشعراء الرجال.

روائيون من 14 بلدا عربيا

من جانبهم قال منظمون إن روائيون من 14 بلدا عربيا ترشحوا للتنافس على جائزة "ابو القاسم الشابي للسرد والرواية" التي ستعلن نتائجها بالعاصمة التونسية.

وتأسست جائزة ابو القاسم الشابي عام 1984 واصبحت تحظى بشهرة واسعة لتزايد اهتمام المثقفين العرب بالجائزة التي أصبح ينظر اليها على انها مرصد للإبداع في الوطن العربي. وأقيمت الجائزة تكريما للشاعر التونسي الشابي الذي يصنف على انه ابرز أحد أبرز الشعراء في تاريخ تونس.

ولد الشابي في 24 فبراير شباط 1909 وتوفي في التاسع من اكتوبر تشرين الاول عام 1934 وهو من رواد الشعر الحديث وشعر المقاومة في فترة الاحتلال الفرنسي لتونس. واشتهر الشابي الذي يلقب بشاعر تونس الخالد بقصائد عديدة أهمها ( اغاني الحياة) و(الى طغاة العالم) و(ارادة الحياة) التي قال فيها البيت الشهير "اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر". بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقال البنك التونسي الذي ينظم الجائزة السنوية ان أكثر من 130 رواية "وهو رقم قياسي مقارنة بالدورات المنقضية" تتنافس على الجائزة. وأضاف ان 14 بلدا يشارك في المسابقة بما في ذلك روائيون من عرب اسرائيل من حيفا والقدس وتل ابيب اضافة الى مصر وتونس وسوريا والأردن والمغرب وليبيا والجزائر والسعودية وسلطنة عمان والعراق وفلسطين وعرب مقيمين في سويسرا واستراليا وبريطانيا.

ويرأس لجنة إسناد الجائزة الكاتب التونسي عز الدين المدني. وتبلغ قيمة الجائزة نحو ثمانية الاف دولار. وقد لحنت للشابي قصائد غناها عدد من الفنانين المشهورين مثل لطيفة العرفاوي التي غنت قصيدة "الى طغاة العالم" وسعاد محمد التي ابدعت في غناء قصيدة "ارادة الحياة" وهيام يونس التي أنشدت قصيد "شكوى اليتيم".

القدس مدينتي

بينما تبحث الكاتبة والمخرجة الفلسطينية ليانة بدر في فيلمها الوثائقي الجديد ( القدس مدينتي) عن ذاكرتها الشخصية في المدينة التي ولدت فيها واليوم تسكن على بعد بضعة كيلومترات منها ولا تستطيع دخولها الا بتصريح خاص من الجانب الإسرائيلي.

ويتحدث الفيلم الذي عرض لأول مرة في (سينماتك ومسرح القصبة) في رام الله عن حاضر وماضي المدينة المقدسة من خلال حديث عن ذكريات الطفولة والاصدقاء والمدرسة عبر الصور الفوتوغرافية احيانا وعبر الكاميرا التي ترصد الواقع الحالي للمدينة أحيانا أخرى.

وقالت ليانة بعد العرض "هذا الفيلم نتيجة ثلاث سنوات من العمل والتصوير. ولأول مرة يأخذ مني فيلم كل هذا الوقت بسبب صعوبة الدخول الى مدينة القدس والحاجة الى العمل مع اكثر من مصور في الوقت الذي كان ينتهي تصريح احدهم ولا نستطيع الحصول له على تصريح. ورغم انه يتحدث عن ذاكرة شخصية الا انه بالمحصلة جزء من ذاكرتنا الجماعية."

ويحتاج الفلسطينيون من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة الى تصاريح خاصة من الجانب الإسرائيلي للدخول الى مدينة القدس المحاطة بجدار اسمنتي يرتفع عدة أمتار تتخلله بوابات حديدية ضخمة يخضع الفلسطينيون فيها الى إجراءات تفتيش دقيقة قبل عبورهم اذا كانوا يحملون التصاريح اللازمة لذلك.

وقبل ان تبدأ ليانة في نبش ذاكرتها تقدم عرضا للأوضاع الحالية لمحيط المدينة فتنقل للجمهور صورا للمستوطنات التي تحيط بالمدينة إضافة الى الجدار الأسمنتي الذي بات يعزل المدينة عن محيطها الفلسطيني.

الأبيض والأسود

وتخشى ليانة ان "تصبح مدينة القدس شيئا مجردا في ذاكرة الجيل الفلسطيني الجديد الذي يسمع عن القدس ولا يستطيع الدخول اليها ليكون كل ما فيها جزءا من ذاكرته. نحن اليوم امام جيل كامل منذ عام 2000 الى الان وعدد كبير جدا منهم لم يدخل الى القدس بسبب الإجراءات الإسرائيلية."

وأضافت "هذا الفيلم ينقل تفاصيل المكان والحياة حيث الطفولة والاحتفال بأعياد الميلاد والمدرسة بكل ما فيها من ذكريات.. فرق التمثيل والدبكة والسكن الداخلي في مدينة كان تنبض بالحياة بكل ما فيها وكل من يأتي اليها قبل ان تتحول اليوم الى مدينة شبه مهجورة."

وتقلب ليانة مع صديقات الطفولة في مدرسة دار الطفل العربي التي اسستها هند الحسيني عام 1948 في القدس صورا فوتوغرافية بالأبيض والأسود التقطت قبل عام 1967 يرافقها حديث عن تلك الايام والسعادة التي كانت تغمرها وصورا اخرى مع المدرسات بالاضافة الى صور لمنازل فلسطينيين قبل عام 1948 ومن بينها منزل المربي الفلسطيني المعروف خليل السكاكيني.

وقالت ليانة "اريد ان اثبت وانقل لهذا الجيل كيف كانت الحياة في مدينة القدس قبل ان يهجرها كثير من اهلها الذي خرج عدد كبير منهم يبحث عن سبل اخرى للحياة بعد ان ضاقت بهم المدينة بعد احتلالها عام 67 ."

وفي رحلة بحثها عن صديقات الطفولة تأخذ ليانة الجمهور الى قرية ( دورا القرع) شمالي مدينة رام الله حيث تسكن صديقتها جهاد الشلبي مقدمة صورة حية لمعاناة فلسطينية مستمرة بسبب الاستيطان الإسرائيلي. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

ويظهر الفيلم لقطات لمستوطنين من مستوطنة (بيت ايل) يسكنون على بعد امتار من بيت جهاد وهم يراقبون حركتها على سطح منزلها وهي تنشر الغسيل هناك ويسمع الجمهور صوت حجارة تضرب السطح لتوضح جهاد ان المستوطنين يقذفونها باتجاه منزلها في محاولة لتخويفها وعائلتها لإجبارهم على الرحيل من جوار هذه المستوطنة التي أقيمت على أراضي هذه القرية.

بث الأمل

تتحاور ليانة مع صديقتها ميسرة الحسيني التي لازالت تقيم في القدس وتعمل اليوم في مدرسة دار الطفل العربي في حديث يعيد الى الذاكرة ما كانت عليه المدينة المقدسة وكيف أصبحت.

وقالت ميسرة بعد العرض "هذه ذاكرة القدس المحفورة في قلوبنا وعقولنا... جميل جدا ان تعود الى تلك الذكريات في المدرسة والسكن الداخلي والحياة المحيطة قبل ان تصبح اليوم القدس مدينة حزينة."

وأضافت "لقد كان العدد في السكن الداخلي لدينا في مدرسة دار الطفل العربي يصل الى 360 طالبة من الضفة الغربية وقطاع غزة إضافة الى القدس واليوم لدينا فقط 22 طالبة في السكن الداخلي لصعوبة الدخول الى مدينة القدس."

واعادت ليانة في فليمها (القدس مدينتي) الى الذاكرة تلك الأغنية التي اشتهرت في خمسينات القرن الماضي (تفضلوا معي اليوم عيدي) ليسري جوهرية وألحان الموسيقار سلفادور عرنيطة من مدينة القدس لتقدم اية جوهرية وهي تعلم الاطفال هذه الاغنية من جديد.

وتحاول ليانة في نهاية الفيلم ان تبث الامل رغم انها تغادر القدس وهي تنقل صورا للجدار الذي يلف المدينة ولا تعرف متى سيمكنها دخولها مرة اخرى. وقالت ليانة التي اخرجت مجموعة من الافلام منها (فدوى شاعرة من فلسطين) و/زيتونات/ و/حصار/ و/مذكرات كاتبة/ و/مفتوح مغلق/ انها ستبدأ جولة لعرض فيلمها مطلع العام القادم بعد الانتهاء من احتفالات عيد الميلاد.

محاربة الديكتاتورية والتعصب

من جانب آخر، أطلق ماريو فارغاس يوسا الحائز جائزة نوبل للآداب لعام 2010 نداء من ستوكهولم لمحاربة التعصب والارهاب والديكتاتوريات التي يعتبرها "الشر المطلق" لأي بلد.

واشار الكاتب البيروفي في الخطاب التقليدي الذي يلقيه الفائزون قبل تسلم جوائزهم الى ان كل حقبة شهدت مخاوفها. وأضاف "حقبتنا هي حقبة المتعصبين والإرهابيين الانتحاريين، وهي فئة رجعية مقتنعة بأنها تبلغ الجنة من خلال القتل يجب قطع الطريق أمامهم ومواجهتهم وهزمهم".

وحذر ايضا من كارثة نووية قد تتسبب بها "أي مجموعة من "المجانين" المؤيدين لانتشار أسلحة الدمار الشامل. كذلك فإن المرشح السابق لليمين المعتدل في الانتخابات الرئاسية في البيرو في العام 1990 انتقد الأنظمة الديكتاتورية التي "يجب محاربتها بقسوة وبكل الوسائل المتوافرة، بما فيها العقوبات الاقتصادية". بحسب وكالة أنباء فرانس برس.

مؤلف رواية "حفلة التيس" التي تتناول آخر ايام الديكتاتور الدومينيكاني رافاييل تروخيو والذي كرمته اكاديمية نوبل لعمله الذي يتفحص "بنى السلطة"، قدم دعمه "للذين على غرار حركة النساء بالأبيض في كوبا ومقاومي فنزويلا وأونغ سان سو تشي (جائزة نوبل للسلام 1991) وليو تشياوبو (نوبل للسلام 2010) يجابهون بشجاعة الديكتاتوريات التي يعانون منها". وأسف لأن حكومات ديموقراطية "تبدو احيانا متعاطفة ليس معهم بل مع مضطهديهم".

مرتفعات بروكلين

في حين فازت الروائية المصرية ميرال الطحاوي بجائزة نجيب محفوظ لهذه السنة عن روايتها الجديدة "مرتفعات بروكلين" (بروكلين هايتس) على ما اعلنت رئيسة لجنة تحكيم الجائزة التي تشرف على تنظيمها الجامعة الأميركية في القاهرة بمناسبة عيد ميلاد الروائي المصري الحائز جائزة نوبل للآداب.

وألقت رئيس اللجنة سميرة محرز كلمة اكدت فيها ان "الرواية تعتبر رواية غربة واغتراب بامتياز وهي تجربة متميزة عن العلاقة بين الشرق والغرب خصوصا انها لم تسر على التقاليد المسبوقة وهي رواية ذات أبعاد إنسانية لأنها تستوحي التجربة الفردية وهي تلامس فساحة العالم ومتاهته".

وتابعت "انها رواية المسكوت عنه تجلى في إشكاليات الزمان والمكان والتسامح والتعصب والتفات الكاتبة الثاقب للتفاصيل على مستوى رسم الشخصيات واستخدام اللغة وتوظيفها واختيار النبرة والإيقاع، هي كلها عناصر ساهمت في إخراج هذا العمل شديد التميز".

ووصفت أستاذة الأدب الفرنسي في جامعة القاهرة عضوة اللجنة هدى وصفي، الرواية الفائزة بانها "ترسم خريطة دقيقة لواقع مشحون بالخيانة والتفسخ والجحود. واقتحمت عوالم متعددة وصفتها بأدق المشاعر والانفعالات وولجت عالما روائيا جديدا ومختلفا من منظور ثقافية وانثروبولجي".

ورأى رئيس المركز القومي للترجمة عضو اللجنة الناقد جابر عصفور في الرواية "تجربة ممتازة عن العلاقة بين الشرق والغرب خصوصا وانا لم تسر على التقاليد المسبوقة في تناول هذه العلاقة انما حرصت على ان تعطي وجها للشبه بين المقموعين في الوطن الاصل وفي المكان المضيف. ولذلك كان العالم الذي تصفه في الولايات المتحدة هو عامل المهمشين الذي يوازي امثالهم في الوطن الام". بحسب وكالة أنباء فرانس برس.

ورأى عضو اللجنة الروائي والناقد المغربي محمد براده ان "الرواية اتخذت شكل رحلة مزدوجة الى خارج الوطن والمنفى والمهجر وفي الان نفسه رحلة الى اعماق النفس الطفولة والمراهقة وبداية الشباب" معتبرا ان الرواية "تمتاز بلغة جميلة ودقيقة ومعبرة كما تتميز برسم شخصيات طريفة ودالة في لغة مقتضبة تترجم ما التقطته عين نافذة".

وسلم رئيس الجامعة الأميركية في القاهرة ديفيد ارنولد الجائزة الى الفائزة وهي عبارة عن ميدالية ذهبية ومبلغ الف دولار يتم تخصيصها من ريع كتب نجيب محفوظ التي يتولى قسم النشر في الجامعة ترجمتها ونشرها في لغات عالمية مختلفة.

والروائية المصرية الفائزة ميرال الطحاوي ولدت في محافظة الشرقية لأسرة بدوية من قبيلة الهنادي. حصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة العام 2006 واختارت الرحيل الى الولايات المتحدة لتقوم بالتدريس بأحد جامعاتها. وصدر لها روايات "الخباء" و"الباذنجانة الزرقاء" و"نقرات الظباء" الى جانب مجموعة قصصية "ريم البراري والمستحيل".

ينال الجائزة ويتبرع بها

كما فاز الكاتب الليبي إبراهيم الكوني بجائزة (ملتقى القاهرة الدولي الخامس للإبداع الروائي العربي) وأعلن عن التبرع بقيمتها لأطفال قبائل الطوارق في مالي والنيجر.

وأعلنت لجنة التحكيم برئاسة الناقد الأردني محمد شاهين في حفل أقيم بدار الأوبرا المصرية بحضور أكثر من 200 روائي وناقد عربي فوز الكوني (62 عاما) بالجائزة التي تبلغ قيمتها 100 ألف جنيه مصري (17271 دولارا).

وقرأ الناقد صبحي حديدي عضو لجنة التحكيم بيان اللجنة الذي نوه بجهود الكوني في كتابة "أسطورة الصحراء" عبر عدد من الروايات التي ترجمت الى كثير من اللغات. وأضاف أن اللجنة خاضت خمس جولات اقتراع سرية لاختيار الفائز من بين 23 روائيا وروائية وأن الكوني نال الجائزة "بالإجماع".

والكوني الذي يعيش في أوروبا منذ نحو 40 عاما بدأ نشر أعماله في مطلع السبعينيات وله روايات منها (التبر) و(نزيف الحجر) و(رباعية الخسوف) و(المجوس) و(عشب الليل) و(نداء ما كان بعيدا) ونالت الرواية الأخيرة جائزة الشيخ زايد للكتاب في دولة الامـارات عام 2008.

وأبدى الكوني سعادته بالجائزة وقرأ كلمة أقرب لبيان عن ماهية الكتابة مختتما بالاعلان عن التبرع بقيمة الجائزة لأطفال الطوارق "المحرومين" في مالي والنيجر موضحا أنهم يعيشون ما يشبه المأساة. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وتمنح جائزة ملتقى القاهرة للرواية لكاتب بارز عن مجمل أعماله وفاز بها في الدورة الاولى 1998 السعودي الراحل عبد الرحمن منيف وذهبت في الدورة الثانية 2003 للمصري صنع الله ابراهيم الذي رفضها.

وحصل على الجائزة في الدورة الثالثة 2005 السوداني الراحل الطيب صالح ونالها في الدورة الرابعة 2008 المصري ادوار الخراط. وافتتح الملتقى تحت عنوان (الرواية العربية.. الى أين..) وشارك في جلساته روائيون وباحثون من 17 دولة عربية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/كانون الأول/2010 - 16/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م