رفع الحظر الاقتصادي ثم التفاوض

مرتضى بدر

الحوار حول الملف النووي الإيراني ظلّ يدور في حلقة مفرغة، وقد تطول المفاوضات شهورًا وربما سنينًا؛ والسبب يرجع إلى تصلب الطرفين في مواقفهما رغم بروز نوع من التراخي في الموقف الغربي في الآونة الأخيرة. الإيرانيون لن يتنازلوا عن حقهم في تخصيب اليورانيوم على أراضيهم، ويعتبرونه حقاً مقدساً، وهم ينوون الاستمرار في موقفهم هذا مهما طالت العقوبات الاقتصادية أو زاد الخناق عليهم.

 التجربة علّمت الساسة والخبراء الإيرانيين كيفية التعامل مع العقل الغربي المادي الذي تحركه المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى والنزعة الاستكبارية بالدرجة الثانية. من خلال هذه النافذة، إضافة إلى صمودهم في موقفهم التفاوضي استطاعوا فرض بعض من شروطهم، وهذا ما حدا بدول المجموعة (5+1) وفي مقدمتها الولايات المتحدة أن تغيّر من لهجتها إزاء حق إيران في امتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية.

وفي مستقبل غير بعيد ستكون هذه الدول أمام الأمر الواقع، خاصة بعد أن تبدأ المفاعلات النووية الإيرانية بالعمل بقدرات علمية ذاتية ودون مساعدات خارجية. حينئذٍ سيضطر الغرب الرضوخ لواقع مستجد لم يحسب له حساب، بيد أن كبرياء الغرب تمنعه من الاعتراف بهذا الواقع، فيظل يراوغ وينافق، وفي النهاية سيبحث لنفسه عن مخارج للحفاظ على ماء وجهه، خاصة بعد ثبت أن العقوبات ليس فقط لم تترك أثرًا في الموقف الإيراني، بل أعطت تلك العقوبات مردودًا عكسيًا؛ إذ زاد من اعتماد الإيرانيين على أنفسهم.

فقد استطاعوا تحقيق إنجازات علمية جيدة في مجالات الطب والزراعة والصناعة، أوصلتهم إلى حد الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات، وكما أعلن مؤخراً، فإنهم تمكنوا من إنتاج الكعكة الصفراء التي تدخل في عملية تخصيب اليورانيوم.

تأتي هذه التطورات في الوقت الذي يأمل فيه الغربيون أن تأتي مفاوضاتهم مع رئيس الوفد الإيراني (سعيد جليلي) بنتائج إيجابية. الجولة الأولى من المفاوضات في جنيف انتهت دون نتيجة عدا موافقة الطرفين على معاودة المفاوضات في إسطنبول الشهر المقبل. واضح أن الإيرانيين متمسكون بمطلبهم الأساسي، ألا وهو ضرورة رفع الحظر الاقتصادي أولاً، ومن ثم الدخول في مفاوضات حقيقية. وهذا ما أكده الرئيس أحمدي نجاد مخاطباً الغربيين بقوله: “إن جئتم للمفاوضات ونبذتم الأخلاق السيئة والقرارات الخاطئة التي اتخذتموها ورفعتم الحظر الذي فرضتموه، فإن المحادثات ستكون مثمرة بالتأكيد”. وتابع: “دون احترام حقوق الشعب الإيراني، فإن رد الشعب الإيراني سيكون حينئذ الرد نفسه الذي تلقيتموه حتى الآن، وهذا رد لن يجلب لكم شيئًا سوى الندم”.

صحيح أن الإيرانيين يلعبون مع الغرب لعبة كسب الوقت، وفي المصطلح السياسي لعبة القطة والفأر، وكما نعلم أن القطة الشيرازية تعتبر من أجمل القطط في العالم، فهي إضافة إلى جمال وجهها وكثافة فروها حنونة وأليفة، تلاطف من يلاطفها، وتؤذي من يؤذيها، ولا تتردد في مهاجمة من يعتدي عليها.

باعتقادي، الدول الغربية ستصل إلى قناعة بأنها لن تنجح في مساعيها في منع إيران من الاستمرار في برنامج نووي متكامل، خاصة بعد أن استخدمت كل ما لديها من أوراق الضغط والمكر السياسي، وقناعتها هذه ستجبرها على كسب ودها وملاطفتها كما يلاطف القطة الشيرازية، وخاصة إذا ما عرفنا أن هذه القناعة ممزوجة بمصالح وامتيازات اقتصادية.

 فهذه الدول تدرك أن السوق الإيراني يعتبر من أضخم الأسواق في الشرق الأوسط (75 مليون نسمة من السكان ومخزون هائل من النفط والغاز، وموقع إستراتيجي)، وهذا ما يسيل له بالطبع لعاب الغربيين، وسيسعون للحيلولة دون توجه إيران نحو الشرق، وحرمان الغرب من هذا السوق المتنامي والصاعد.

فبين الإنجازات التي يحققها العلماء النوويون في إيران، وصلابة موقف قادتهم من حق بلادهم في امتلاك برنامج نووي متكامل، وبين ليونة الغربيين ونظرتهم لمصالحهم المستقبلية، فإننا نرى وجود بارقة أمل في حل هذا الملف الشائك الذي شغل العالم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/كانون الأول/2010 - 16/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م