شبكة النبأ: برنامج بانوراما في نشرة
اخبار الساعة العاشرة ليلا والذي يقدم من على شاشة العربية، حلقة يوم
السبت 18 / 12 /2010، مقدمة الحلقة منتهى الرمحي.
الضيوف: عزت الشابندر عضو ائتلاف دولة القانون.
سرمد الطائي رئيس تحرير جريدة العالم.
الموضوع: تسريبات موقع ويكيليكس حول دور فيلق القدس الايراني وقوات
بدر في اغتيال الطيارين العراقيين وتصفيتهم.
من المعروف ان فضائية العربية هي قناة سعودية التمويل والادارة
والهوى، انشئت ردا على قناة الجزيرة القطرية ولتكون لسان حال المملكة
ضد قطر التي تحاول منافسة الاخ الاكبر الخليجي.
ومعروف ايضا حجم التنافر الايديولوجي السياسي والعقائدي بين
السعودية وايران، والصراع الناشب حول الزعامة المذهبية للمسلمين في
العالم.. لم تجد قناة العربية موضوعا يصلح ان يتصدر برنامج بانوراما
غير موضوع الطيارين العراقيين الذي سرب موقع ويكيليكس بعضا من البرقيات
بشأنه.
وهي محاولة من القناة لتسليط الضوء على الدور الايراني في العراق مع
اغماض العين عن الدور السعودي او السوري او التركي او غيره من الادوار
التي يقوم بها الجوار العربي والتي هي كما اثبتت احداث السنوات السابقة
الاكثر فتكا بالعراقيين، بأرواحهم وممتلكاتهم.
حاول عزت الشابندر ان يكون منطقيا في اجاباته وتحليلاته مبتعدا عن
الديماغوجية في توزيع الاتهامات او نفيها، وقد حاولت مقدمة البرنامج
انتزاع ادانة سافرة منه لايران فقط وتحميلها مسؤولية جميع ما يحدث في
العراق.
لكن مايؤخذ على الشابندر هو موقفه الدفاعي في تفسير تحليلاته وقوله
انه ليس في وارد الدفاع عن ايران، وكأن كل حديث منطقي يحاول ان يقرا ما
خلف السطور ويسمي الاشياء باسمائها او يحلل الوقائع هو بمثابة دفاع عن
الجهة المتهمة وبالتالي هو يحاول استباق اي اتهام من قبل المشاهدين
بانه يدافع عن ايران او هو ربما احد المحامين عنها.
سرمد الطائي آثر في البداية ان يقدم خطابا بلاغيا اقرب الى لغة
الشعر منه الى لغة التحليل السياسي متحدثا عن سبع سنوات عجاف يعيشها
العراق منذ العام 2003 قافزا الى النتائج وبعيدا عن الاسباب.
وذهب بعيدا في رومانسيته السياسية التي يمتاز بها في ما يكتبه في
عموده اليومي في الجريدة التي يرأس تحريرها.. وهذه المرة شطحت به تلك
الرومانسية الى اسرائيل، نعم اسرائيل وليس غيرها متهما اياها باغتيال
الطيارين العراقيين او ان ماقامت به ايران وفقا لتسريبات ويكيليكس رغبة
اسرائيلية في تحطيم القدرات العسكرية العراقية خوفا من تناميها.
دائما ما يصدمنا بؤس مثل تلك الخطابات التي تعلق ماسينا وخيباتنا
وهزائمنا على شماعة الدولة العبرية او امريكا.
في حالة العراق نجده خطابا متسيدا في الكثير من المواقع وحتى لدى
الكثير من رجال الشارع البسيط وقد نلتمس العذر لهؤلاء البسطاء ولكن كيف
يمكن ان نعذر من يحسبون على المثقفين او قادة الراي والفكر في صناعة
اسطورة هذا العدو والترويج لها وترسيخها في الاذهان؟
نعود الى ماقاله سرمد الطائي حول اسرائيل ونناقش هذه الحيثية وفق
المعطيات السياسية للحاضر العراقي والعربي الان او حتى بعد عقد قادم او
اكثر من الزمن.
اسرائيل تخاف من تنامي القدرات العسكرية العراقية وتخاف من الطيارين
العراقيين تحسبا للهجوم عليها في المستقبل، يمكن مناقشة هذه الحيثية من
خلال المحاور التالية:
1 - دول التماس مع اسرائيل، (مصر – لبنان – سوريا – الاردن) والتي
سماها جمال عبد الناصر بدول الطوق العربي، باستبعاد مصر ولبنان التي
لايملك العراق معهما حدودا مشتركة، تبقى الاردن وسوريا.
الاردن بنظامها الملكي المتوارث وبمعاهدة وادي عربة للسلام مع
اسرائيل ولاعتمادها الاقتصادي الكبير على المعونات الاقتصادية للغرب
وعلى البيئة الاستثمارية التي تحتاج الى الامن المستقر اضافة الى
اختلال الميزان العسكري بينها وبين اسرائيل لصالح الثانية هذا اذا كان
ثمة ميزان او وجه للمقارنة بين القدرات العسكرية للدولتين.
ماذا عن سوريا؟
اثبتت حرب عام 2006 التي شنتها اسرائيل على لبنان وبعدها الحرب على
غزة ضعف سوريا في الدفاع عن اقرب حلفائها واقتصارها على الجهود
الدبلوماسية وارسال التطمينات ان جبهتها في الجولان لن تتحرك ضد
اسرائيل طالما ان ذلك يحفظ للسلطة في سوريا بقائها، اضافة الى سعيها
الحثبث نحو سلام مع اسرائيل يعيد لها الجولان بدون حرب، وهو ما بات
يعرف بالخيار الاستراتيجي السوري (الارض مقابل السلام).
ولا ننسى رجحان كفة الميزان العسكري لاسرائيل ولن تفكر سوريا يوما
وفقا للمعطيات الحالية او المستقبلية القريبة بحرب مع اسرائيل تتيح فتح
اراضيها واجواءها للقوات العسكرية العراقية اذا افترضنا ان العراق سوف
يشترك في مثل هكذا حرب.
حتى اكثر المتشائمين مما يجري في الشرق الاوسط لا يمكن ان يتخيل
حربا ناشبة بين سوريا واسرائيل لانها لو حدثت ستكون بمثابة انتحار
عسكري واستراتيجي سوري لا يمكن التكهن بنتائجه الكارثية.
تبقى في المنظور العسكري القدرات الصاروخية السورية والتي تهول
اسرائيل قبل غيرها من اهميتها وهي لا تعدو كونها شبيهة بصواريخ التنك
العراقية التي طبل لها صدام حسين في حرب تحرير الكويت مثلما هدد بحرق
نصف اسرائيل قبلها، ثم اطلق عددا من هذه الصواريخ كلفته تعويضا بملايين
الدولارات.
2 - مصادر التسلح العراقي، في ثمانينات القرن الماضي وفي اتون الحرب
العراقية الايرانية انفتحت امام العراق الكثير من اسواق السلاح
العالمية وتنوعت مصادر تسليحه من بريطانيا الى فرنسا والارجنتين اضافة
الى خزين من السلاح الروسي ايام عز الاتحاد السوفييتي. اغلقت الابواب
بوجه العراق من هذه الدول بعد غزو الكويت حتى تحولت اسلحته الى اكوام
من الخردة الحديد تفتقد الى قطع الغيار من دول المنشأ ثم لتتحول الى
نهب مشاع للصوص والمسلحين وتجار الخردة بعد العام 2003.
ثم اذا اراد العراق تسليح جيشه وبالخصوص الطائرات الحربية، من هي
الدولة التي تمتلك طائرات حربية متطورة تصل الى اسرائيل وتعود الى
قواعدها في العراق؟ ومن هي الدولة ذات التماس مع اسرائيل (الاردن –
سوريا) التي تفتح مجالها الجوي للطيران الحربي العراقي على افتراض قيام
حرب تخشاها اسرائيل؟
وثلاث دول فقط تمتلك مثل تلك الطائرات المتطورة وهي امريكا
وبريطانيا وفرنسا بعد انقراض طرازات السوخوي العتيقة.
3 – الموقف الكردي من التسلح، الجميع يتذكر الفيتو الكردي ضد تسليح
الجيش العراقي بطائرات هجومية او معدات ثقيلة خوفا من تكرار التجارب
الماضية لقادة مغامرين قد يصلوا الى حكم العراق في غفلة من الزمن او
غفلة من الترتيبات السياسية التي فرضت واقعا سياسيا صارما ضد اي مغامرة
عسكرية او حتى التفكير فيها، والاكراد لاعب اساسي في الدولة العراقية
الجديدة بعد العام 2003.
4 - الواقع السياسي العراقي، منذ العام 1991 تم تقليم اظافر العراق
بعد ان استنزفته الحروب العبثية والتعويضات المستحقة عليه تجاه الدول
والافراد الذين تضرروا من حروبه تلك وخصوصا حرب تحرير الكويت.
وتحققت دعوة رئيس وزراء تركيا الاسبق (العراق نمر يجب ان يحبس في
قفص) اضافة الى ضخامة التحديات التي يواجهها بعد العام 2003 من تبعات
لحروبه المدمرة التي اكلت الاخضر واليابس، الى اصلاح بناه التحتية
المدنية منها والصناعية وبالاخص ما يتعلق منها بالصناعة النفطية التي
ستضع دول عديدة العراقيل الكثيرة بوجهها كي لا يستعيد عافيته النفطية
لكي لا يؤثر على حجم حصصها التصديرية وبالتالي مداخيلها من هذه السلعة.
يضاف الى ذلك ثروته المائية والتي هي في طريقها الى الزوال بعد
سياسات التجفيف التي تمارسها تركيا وسوريا بتقليل الوارد اليه من مصبات
دجلة والفرات والتوقعات الكارثية بتحول اراضي العراق الى صحراء قاحلة
بعد عشرين عاما، نتيجة لنقص امداداته من المياه التي تتحكم بها دول
المصب.
كل هذه التحديات سوف لن تتيح للعراق التفكير مجددا ببناء ترسانة
عسكرية لا تجلب له سوى معاداة الاخرين وجره الى مغامرات جديدة، يضاف
الى ذلك ان حروب المستقبل ستكون اكثر رشاقة وخبثا وهي تتسلل عبر اجهزة
الحاسوب وتجعل الطائرات والصواريخ تدور حول نفسها لتسقط كقطع متناثرة
من السماء.
بعد كل هذا عن اي خوف اسرائيلي من قدرات موهومة يتحدث عنها سرمد
الطائي ومحللين اخرين يعيدون على مسامعنا تلك الاسطوانة المشروخة عن
اسرائيل وغيرها؟ |