التعليم العالي واخطار الامية المعرفية

لطيف القصاب/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

نستطيع القول ابتداء ان ازمة التعليم هي ازمة عالمية لا تستثني بلدا دون اخر وما شهدناه اخيرا من احداث في بريطانيا كان ابطالها طلبة غاضبين على ارتفاع كلف التعليم شاهد على هذا القول، ولكن من الطبيعي الاقرار بان الازمة التعليمية هي الاكثر استفحالا في الجانب الشرقي من العالم لاسيما في اطار دول منطقتنا العربية والاقليمية ومنها العراق الذي تعرضت منظومة التعليم فيه الى اخطار جسيمة على اكثر من صعيد خاصة في مخرجات هذه المنظومة بحيث صار من الممكن نعت الكثيرين من خريجي الجامعات لدينا بالأميين معرفيا.

وهذه الظاهرة بدأت بالبروز اول الامر مع تسلق راس النظام السابق لسدة الحكم وازدادت حدة وخطورة مع اواخر الحرب الايرانية العراقية فصاعدا الى الحد الذي جعل احد وزراء التعليم العالي والبحث العلمي آنذاك يتجرأ بالاعتراض على خطط توسيع الدراسات العليا (الرئاسية) عندما صرح ذلك الوزير المعترض قائلا: "ان توسيع الدراسات العليا سيعني تخريج انصاف دكاترة وهؤلاء سيخرجون ارباعا " بحسب ما نقله وزير التعليم العالي الاسبق الدكتور طاهر البكاء.

 وبالرغم مما شهدته حقبة ما بعد عام 2003 من تطور في بعض مرافق المؤسسة التعليمية على صعد مختلفة ومنها الارتقاء بالمستوى المعاشي لتدريسي الجامعات بيد ان المستوى المعرفي للطلبة بدءا من المستوى الجامعي صعودا لم يشهد تحسنا ملحوظا وما تزال العديد من الكليات في الجامعات العراقية عاجزة عن تخريج طلبة تتناسب قابلياتهم العلمية مع ما يحصلون عليه من شهادات عالية، وقد يكون من اهم الاسباب التي تسهم في هذا التردي العلمي هو سوء التخطيط وعدم وجود استراتيجية عامة واضحة المعالم للارتقاء بحاضر ومستقبل التعليم في البلاد، ويتفرع من هذا السبب الرئيس اسبابا اخرى قد يكون من ابرزها ما يأتي:

1- طبيعة المناهج التعليمية التي تفتقر الكثير منها الى التحديث ومواكبة التغيير متصاعد الوتائر في الحركة العلمية العالمية فضلا عن كون تلك المناهج تمثل مقررات ملزمة للطلبة وليست مجرد كتب مساعدة كما جرت العادة على ذلك في الدول الناجحة اكاديميا.

2- التوسع في زيادة اعداد الجامعات الحكومية والاهلية من دون الالتفات الى العناصر الرئيسية في تأسيس الجامعة وعلى راسها اكتمال الكادر التدريسي القادر على الوفاء بالمواد الدراسية في التخصصات المختلفة.

3- البطء الشديد بتوفير البنايات والمرافق التعليمية الاساسية لاسيما في الاقسام العلمية كالمستشفى الخاص بكل كلية طبية على سبيل المثال.

4- ضعف الاهتمام بتنمية الموارد البشرية والارتقاء بها تقنيا داخل الاكاديميات ابتداء من العناوين الوظيفية الادارية وانتهاء بأعلى الهرم العلمي وذلك عبر الدورات التطويرية داخل وخارج البلاد وخضوع اليات القبول في تلك الدورات (على قلتها) لسياسة الانتقاء المجحف.

5- قلة الدعم المادي لشريحة الطلبة الجامعيين وعدم توفير بيئة دراسية تستجيب لميول ورغبات الفئات العمرية لهذه الشريحة. وكذلك هيمنة المنهاج التلقيني على صنوه الباعث على التفكير الحر.

6- عدم التأكيد على ربط التعليمي الجامعي بحاجة السوق وتفعيل هذا الجانب عمليا من حيث التوسع او التضييق بأنظمة قبول الطلبة سواء في الكليات وفقا لهذا المبدأ والامر نفسه يتعدى الى اقسام الدراسات العليا مع الاخذ بنظر الاعتبار ضرورة اغلاق القنوات التي تتغاضى عن شرط المعدل وكذلك الانتباه الى التناسب المعقول بين اعداد حملة شهادات الماجستير والدكتوراه، ذلك ان الاحصائيات الرسمية تثبت زيادة اعداد حملة شهادة الماجستير نسبة الى حملة شهادات الدكتوراه في حين ان عدد المقبولين سنويا في دراسة الماجستير يفوق بأضعاف مضاعفة المقبولين في دراسة الدكتوراه، وهنا لابد من التأكيد على ايفاد نسبة كبيرة من هؤلاء الطلبة للدراسة خارج البلاد عن طريق اليات البعثات والزمالات تفاديا لتكرار تجربة انصاف الدكاترة..، وهنا ايضا لابد من التأكيد ثانية على ضرورة عدم خضوع القبول بالبعثات والزمالات الى نزوات الفاسدين والمفسدين او ما عبرنا عنه انفا بسياسة الانتقاء المجحف.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/كانون الأول/2010 - 14/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م