العراق والمخاض الاخير لحكومة المالكي

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: في خضم الحراك الدائر في اروقة السياسة العراقية باتت الكتل البرلمانية بمختلف تسمياتها قريبة من ضمان المشاركة في الحكومة المرتقبة خلال الايام القادمة، خصوصا بعد حزمة الاتفاقات التي سهلت على المالكي تولي رئاسة الكابينة الوزارية للسنوات الاربع المقبلة.

الا ان ذلك الانفراج السياسي المشهود لم يمنع من تكرار سناريوهات قديمة اعتاد عليها على سماعها العراقيون بين الفينة والاخرى، والتي دائما تنحسر في تهديدات وممانعة موهومة تطلقها بعض الكتل للحصول على اكبر قدر من المكاسب في تشكيلة الحكومة المنشودة.

حيث طفت على السطح خلال الايام القليلة الماضية بعض التصريحات الساخنة على لسان بعض القادة، اعتبرها اغلب المحللين فقاعات سياسية لا اكثر تهدف الى ما تم ذكرها اعلاه.

وفي الوقت ذاته يؤكد معظم ساسة العراق ان قطار العملية السياسية ماضية على افضل ما يرام، بعد ان حسمت معظم نقاط الخلاف السابقة.

الاكراد وتقرير المصير

فقد اكد الرئيس السابق لحكومة اقليم كردستان نيجيرفان بارزاني ان تصريحات رئيس الاقليم مسعود بارزاني حول حق الاكراد في "تقرير المصير" لا تعني الانفصال عن البلاد بل البقاء "ضمن العراق الموحد".

وقال نيجيرفان بارزاني وهو نائب رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يتزعمه عمه رئيس الاقليم مسعود بارزاني ان "من حق الشعب الكردي المطالبة بحق تقرير المصير ولكن نحن قررنا البقاء ضمن العراق الموحد".

وكان بارزاني طالب خلال مؤتمر للحزب الديموقراطي الكردستاني في حضور رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس الوزراء المكلف نوري المالكي ورئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، بمنح الاكراد حق تقرير المصير.

وقال بارزاني "ظلت المؤتمرات السابقة للحزب تؤكد ان الشعب الكردي يملك حق تقرير المصير. اليوم يرى الحزب ان المطالبة بحق تقرير المصير والكفاح العاصي والسلمي لبلوغ الهدف تنسجم مع المرحلة المقبلة".

واكد نيجيرفان ان بعض وسائل الاعلام فسرت هذه التصريحات في شكل غير صحيح، وقال "انا مستغرب لماذا تم تفسير كلام رئيس الاقليم هكذا".

واضاف ان "مسألة حق تقرير المصير للاكراد، مثل اي قومية اخرى في العالم، قد تبناها الحزب الديموقراطي وهي حق طبيعي للشعب الكردي، ولكن قرارنا هو ان يكون لنا حق تقرير المصير وان نبقى داخل العراق على اساس النظام الفدرالي".

ورفض عدد كبير من السياسيين العراقيين تصريحات رئيس اقليم كردستان واعتبروا انها لا تتناسب والمرحلة الحالية.

واكد نيجيرفان ان "ما تبناه القادة والسياسيون الاكراد والذي صوتنا عليه في برلمان كردستان هو ان نبقى داخل العراق الجديد".

وذكر بمبادرة مسعود بارزاني في معالجة الازمة السياسية الاخيرة في العراق وقال "اعتقد ان هذه المبادرة التي قام بها الرئيس بارزاني هي اكبر دليل على ان الاكراد قرروا ان يكون حق تقرير مصيرهم ضمن عراق موحد فدرالي ديموقراطي".

واشار الى ان منظمي مؤتمر الحزب الديموقراطي رفعوا العلم العراقي الى جانب العلم الكردي وتمت تلاوة النشيد الوطني العراقي ونشيد اقليم كردستان خلال المؤتمر.

وقال نيجيرفان "اعيد واؤكد ان خطاب السيد رئيس الاقليم قد تم تفسيره بشكل خاطىء من قبل البعض، وما سيتبناه هذا المؤتمر هو ان (حق تقرير المصير هو مع البقاء ضمن عراق موحد ديموقراطي فدرالي، تحترم فيه جميع الطوائف وتعيش معا بخير)". بحسب رويترز.

وقد تأسس الحزب الديموقراطي الكردستاني العام 1946 بزعامة الملا مصطفى بارزاني، وبقي بعدها الملا، الزعيم التاريخي للاكراد، فترة 12 عاما في المنفى.

وشن الحزب حركة تمرد ضد الحكومة في ايلول/سبتمبر 1961 انتهت بنكسة العام 1974، وفي العام 1976 اندلع تمرد اخر استمر حتى 1991 مع الانتفاضة الكردية.

وخاض الحزب صراعا على السلطة مع منافسه الاتحاد الوطني الكردستاني استمر اكثر من اربعة اعوام وقتل خلاله ما لا يقل عن 3500 شخص.

وسيطرت قوات جلال طالباني (الرئيس العراقي الحالي) المدعومة من ايران على مدينة اربيل العام 1996 ما دفع بارزاني الى الاستعانة بقوات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لاستعادتها.

وفي انتخابات 2010 شارك الحزبان بقائمة واحدة حصدت 59 مقعدا من اصل 111، كما شكلا ائتلافا في الانتخابات الماضية حصل على 43 مقعدا.

ويتراس بارزاني اقليم كردستان فيما يتم التوافق مع الاتحاد الوطني الكردستاني على رئاستي الحكومة والبرلمان.

السنة والخيار الفيدرالي

من جهتهم يلوح قسم من العرب السنة في العراق بخيار الفدرالية في حال لم تتحقق المشاركة الفعلية في الحكومة التي طال انتظارها لانهاء ازمة سياسية مستعصية، رغم ان هذه الفكرة كانت من المحرمات حتى وقت قريب.

وقال احمد ذياب الجبوري امام مسجد عبد الرحمن في قضاء المقدادية المختلط في ديالى "طالبنا بالمشاركة في الانتخابات (...) لكننا اليوم ندعو الى اقامة منطقة خاصة بنا نحن ابناء الوسط لاننا لم نحصل على شي من الحكومة سوى الاعتقالات والمداهمات".

وتابع "ليتخذ الاكراد الشمال والشيعة الجنوب، وليختاروا من يمثلهم هذا ليس من شاننا. فلماذا يستفيد الاكراد من ميزانية العراق واصبح الجنوب يحتل الحكومة المركزية؟".

وختم الجبوري (63 عاما) مؤكدا "يقولون لنا اينما ذهبنا +انتم ارهابيون+ نريد ان نكفي العراقيين خيرنا وشرنا باقامة اقليم خاص بنا".

بدوره، قال الشيخ علي الكروي احد وجهاء جلولاء المختلطة عرقيا في ديالى ايضا "نؤيد الاقاليم اذا كانت تحقق صالح الشعب فمحافظات الوسط لم تحصل الا على العنف وقلة الخدمات فلماذا يتقدم الاكراد وياخذون ثروات العراق؟".

ويشكل السنة غالبية في محافظات الوسط وهي ديالى والانبار وصلاح الدين وكركوك. بحسب فرانس برس.

واضاف "هل الديموقراطية تعني ان تتنازل الكتلة الفائزة عن حقها الانتخابي؟ هل اصبح الاكراد والشيعة افضل من السنة؟ بامكاننا تشكيل اقليم خاص بنا وادارة امورنا بانفسنا ولسنا بحاجة الى احد".

وتشكل هذه المواقف تغييرا جوهريا لدى السنة الذين اعترضوا على الدستور في تشرين الاول/اكتوبر 2005 لتضمنه الحق في تشكيل الاقاليم التي يعتبرونها تقسيما للعراق.

ووفقا للدستور، يحق لمحافظة او اكثر تشكيل اقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه يقدمه ثلث اعضاء مجلس كل محافظة تريد تكوين اقليم، او عشرة بالمئة من الناخبين. ويعد الاستفتاء ناجحا بموافقة الغالبية.

من جهته، قال النائب عن القائمة "العراقية" عبد الكريم السامرائي "سنشارك في الحكومة في محاولة لاصلاح الكثير من الاشكالات (...) البعض في صلاح الدين يفكر في تشكيل اقليم لكن هذا يتضمن مخاطر وقد يؤدي الى تقسيم العراق". وتابع انه "اذا لم تتحقق الاصلاحلات، فسيدفع الاحباط بالناس الى التفكير بتشكيل اقاليم، وحينها لا اعتقد انه سيكون بامكاننا ان نعارض ذلك".

واضاف "يجب التفكير مليا في الامر نحن في العراقية نعارض ذلك، لكن الفكرة موجودة حتى ان النخب تتداولها".

بدوره، قال الشيخ طلال عبد الكريم حسين المطر زعيم عشائر البو اسود "منحنا اصواتنا للعراقية من اجل مواجهة حملة تهميش العرب السنة واذا واصلت الحكومة المقبلة ذلك نريد تفعيل قانون المحافظات للحصول على صلاحيات اوسع".

يذكر ان العرب السنة انتخبوا بكثافة لصالح قائمة "العراقية" بزعامة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي الشيعي الليبرالي، لكنه حرم من تشكيل الحكومة.

بدوره، قال طه مصطفى عادل (47 عاما) الاستاذ الجامعي ان "العراق لا يمكن ان يستقر الا باقامة مناطق بحسب انتمائها القومي والعقائدي. الحل الوحيد للخروج من الازمة الراهنة هو تشكيل اقاليم مع حكومة مركزية تمثلها".

واضاف "نحن كالابناء الذين قتل والدهم وتخاصموا على الارث فلا يمكن فض النزاع بين الاشقاء الا بتوزيعه بينهم".

يذكر ان نائب الرئيس الاميركي جو بايدن اقترح عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ انشاء اقاليم للسنة والشيعة والاكراد.

وفي الانبار اكبر محافظات العراق مساحة، يؤكد ثلاثة من اعضاء مجلس المحافظة طلبوا عدم ذكر اسمائهم موافقتهم على "الفدرالية والاقاليم".

وقال احدهم باقتضاب "سنقوم باستثمار الموارد الطبيعية الهائلة اسوة بمحافظات كردستان، وسنتمكن من التصرف بها خصوصا وان للمحافظة منافذ على الخارج".

لكن الشيخ عواد الدلمه احد وجهاء عشيرة البو ذياب، قال "نحن ضد الفدرالية وتقسيم العراق، الا اننا مع الاستفاده من ثروات المحافظة من اجل تحسين المستوى الاقتصادي والمعيشي في الانبار".

ومفهوم الفدرالية او الاقاليم يرتبط لا شعوريا لدى شريحة كبيرة من العراقيين بالتقسيم لذلك تبدو الامور مختلطة عليها لدى التطرق الى هذه المسائل.

ويختلف موقف العرب السنة المجاورين للشيعة في ديالى وصلاح الدين والانبار عن الآخرين في مناطق الاحتكاك المباشر مع الاكراد مثل كركوك المتنازع عليها.

وقال نائب محافظ كركوك راكان سعيد الجبوري ان "تشكيل اقليم سني عربي يمثل هلاكا لنا (...) فالمشروع يعتبر نهاية قضية كركوك وحسم مصيرها وهو ما لا يمكن قبوله".

من جهته، قال الشيخ عبد الرحمن منشد العاصي احد وجهاء عشيرة العبيد ان "البعض يريدون المزيد من التفتت والتقسيم (...) لكن لا يمكن القبول بتقسيم السنة".

اما في الموصل، فيسود التبرم والضيق لدى النخب السياسية وتتركز المداولات بينها على كيفية تحصيل الحقوق لكن من دون الذهاب باتجاه تشكيل اقليم خصوصا وان المدينة معقل للجيش السابق بعقيدته ذات التوجه المركزي والوحدوي.

المالكي يقول انه سيشكل الحكومة بحلول منتصف ديسمبر

وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد تعهد انه سيقوم بتشكيل حكومة تضم كل الفئات السياسية بما فيها الكتلة العراقية التي يتزعمها اياد علاوي في موعد أقصاه منتصف ديسمبر كانون الاول.

وقال المالكي في اول مؤتمر صحفي بعد تعيينه رسميا "لن ادع المدة حتى تصل الى نهاية المهلة. لدي سقف (زمني) لن يتجاوز 10- 15 من الشهر القادم."

وسئل المالكي هل يريد العراق تمديد الاتفاقية الامنية مع واشنطن والتي تقضي بانسحاب القوات الامريكية بحلول نهاية العام القادم فرد بقوله ان الشرطة العراقية والجيش العراقي برهنا على ان بامكانهما السيطرة على الامن.

وأضاف ان الاتفاقية الامنية بجميع تواريخها ستظل نافذة. وقال انه لا يشعر بأن هناك حاجة لاي قوات دولية اخرى لمساعدة العراقيين في السيطرة على الوضع الامني.

وأنهت الولايات المتحدة رسميا العمليات القتالية في 31 من أغسطس أب ولكن ما زال لديها نحو 50 ألف جندي في العراق لمساعدة وتدريب القوات العراقية. بحسب رويترز.

وفاز المالكي -وهو شيعي- بمنصب رئيس الوزراء في اتفاق لتقاسم السلطة تم التوصل اليه مع منافسيه في العاشر من نوفمبر تشرين الثاني والذي يقضي بتولي الطالباني -وهو كردي- الرئاسة وبتولي أسامة النجيفي وهو سني وعضو بالبرلمان عن الكتلة العراقية رئاسة البرلمان. ولم تسفر الانتخابات التي جرت في مارس اذار عن فائز واضح. واثارت المجادلات التي دارت منذ ذلك الحين بين الشيعة والسنة والاكراد المخاوف من عودة العنف الطائفي الذي عصف بالعراق في عامي 2006 و2007.

وما زال الائتلاف الذي جرى التوصل اليه هشا واشار علاوي بالفعل الى ان الاتفاق جرى انتهاكه.

وقال المالكي ان الكتلة العراقية التي يساندها السنة ستكون شريكا اساسيا في الحكومة الجديدة سواء شارك فيها علاوي ام لا.

ويمنح الاتفاق علاوي الذي كان يريد منصب المالكي زعامة المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية والذي لم يتم تشكيله بعد.

وقال المالكي "عدم مشاركة شخص لا يوقف عملية تشكيل الحكومة ..من يريد ان يشترك معنا نرحب به. والعراقية ستكون شريكا اساسيا في تشكيل الحكومة."

وجدد التزامه باقامة المجلس الذي سيرأسه علاوي لكنه قال انه سيكون مجلسا استشاريا. وكان علاوي يسعى للحصول على سلطة حقيقية لهذا المجلس.

وقال المالكي انه قد يستحدث منصبا يعين فيه نائبا ثالثا لرئيس الوزراء ويضيف وزارة جديدة لجعل الحكومة اكثر اشتمالا.

منصب علاوي

فيما هدد في وقت سابق رئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي بعدم المشاركة في الحكومة العراقية الجديدة التي يجرى تشكيلها اذا لم يحدث تقاسم حقيقي للسلطة وذلك في حديث نشرته صحيفة تايمز البريطانية.

وقال علاوي السياسي الشيعي الذي تصدرت قائمته "العراقية" الانتخابات التشريعية التي جرت في اذار/مارس 2010 "لا يوجد تقاسم للسلطة" محذرا من انه "اذا لم يتغير الوضع فانني لن اشارك" في الحكومة.

فبعد اشهر من المساومات توصلت الكتل السياسية المختلفة الى اتفاق على تقاسم السلطة كرس توزيعها على اساس طائفي.

ووفقا لهذا الاتفاق جرى تثبت الرئيس جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي في منصبيهما وانتخاب اسامة النجيفي، وهو من قائمة علاوي، رئيسا للبرلمان. كما اثمر الاتفاق عن تشكيل "المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية" الذي سيتولى علاوي رئاسته مبدئيا.

وتعرض الاتفاق لاهتزاز سرعان ما تم تجاوزه عبر تقديم توضيحات، لكنه رغم ذلك يبقى هشا في ظل انعدام الثقة خصوصا بين "العراقية" و"دولة القانون" بزعامة المالكي.

وكانت القائمة "العراقية" تقدمت على "دولة القانون" بفارق ضئيل بعد حصولها على الغالبية العظمى من المقاعد في مناطق العرب السنة.

وتعتبر مشاركة علاوي المدعوم من الاقلية العربية السنية التي هيمنت على النظام السابق، ضرورية للامن والاستقرار في هذا البلد لمنع عودة التمرد.

وقال علاوي للصحيفة ان "ايران وضعت عراقيل في طريق عملية تقاسم السلطة"، مؤكدا ان طهران اعترضت على مشاركته هو وحزبه في الحكومة. واضاف "انها علامة استفهام وضعت على الديموقراطية" مؤكدا ان "الناس يدركون ان لايران اليد العليا (في الشؤون العراقية) ويعتقدون ان العراق تتحكم فيه قوى خارجية".

واشار السياسي الشيعي الى ان "هناك الكثير من خيبات الامل لدى العراقيين، الذين صوتوا لنا او الذين لم يصوتوا لنا". واضاف "لقد ربطوا الديموقراطية بكون الذين يحصل على اكبر عدد (من المقاعد) هو الذي يجب ان يتولى تشكيل الحكومة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/كانون الأول/2010 - 7/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م