الكتاب: دور المواطن السياسي في الديمقراطيات
الغربية
الكاتب: رسل جيه. دالتون
ترجمة: د. احمد يعقوب المجدوبة
الناشر: دار البشير للنشر والتوزيع
عدد الصفحات: 295 من القطع الكبير
قراءة: عدنان عباس سلطان
شبكة النبأ: دور المواطن السياسي
لايؤخذ بالبساطة الظاهرة وانما هي عملية معقدة لها تطوراتها اللاحقة في
البلدان حديثة العهد بالديمقراطية وليس الاقتراع هو الحد النهائي او
الوحيد المتاح للمواطن في المشاركة الفاعلة، وايضا يعمل المتاح من
فاعليات بأشكال محدودة ايضا.
وقد يكون محبطا في بعض الوجوه ويتجلى ذلك من البرامج الحزبية
المعلنة وقت الانتخابات حيث تكون تلك البرامج تحت غربيل الاتفاقات
والتكتلات فضلا عن شحة الموارد في مقابل الضغط الشعبي بالمطاليب
الفائقة وعلى هذا فلا تستطيع الحكومة المنبثقة ما بعد الانتخابات ان
توفي بعهودها بالصورة الباهرة التي اعلنت فيها قبل الانتخابات.
وهذا المأزق من بين مآزق اخرى في جعبة السياسة. تؤدي جميعها الى
سقوط البرنامج السياسي وقد يتشابه مع برامج اخرى تقليدية ويفضي الامر
الى تشتت القواعد الجماهيرية ويصبح الحزب من الاحزاب الضعيفة بعد ان
كان قويا وذلك في الانتخابات اللاحقة.
ثم تتهدم الستراتيجية التي يعمل عليها ويبدو في عين الناخب مجرد حزب
وصولي انتهازي لايمثل الحد الادنى من تطلعات الناخب فضلا عن المعايير
والمبادئ القيمية.
منذ زمن الاغريق وحتى عصر روسو كانت الديمقراطيات تعني المشاركة
المباشرة للمواطنين في شؤون الحكم لكن الامر استدعى تعريفا محددا
للمواطن وحجم المؤسسة الحكومية بحيث يمكن اجتماع المواطنين فيها في
هيئة واحدة والبت في القضايا السياسية وكانت تلك معضلة كبيرة وعسيرة
الفعل تطبيقا على الواقع لكن التمثيل حرر الديمقراطيات من هذه القيود
فبدلا من المشاركة بصورة مباشرة لاتخاذ القرارات السياسية اختارت جماعة
المواطنين مشرعين يمثلونها في الاجتماعات الحكومية واعتمدوا العلاقة
بين الممثل والمُمٌثل.
ويأتي هذا التمثيل على حقيقة ان المواطن يفتقد الى المهارة والفهم
والحضور في السياسة وعلى ذلك يكون السياسي ذا مهارات ممتازة في ادارة
عجلة السياسة وهو قادر على تجسيد ارادة الناس بشكلها المطلوب، واعني
الشكل السياسي. ذلك لان المواطنين تعوز اكثرهم الحنكة السياسية، بل ان
اكثرهم يفكرون في خط احادي، أي تك الافكار التي تهم بعضهم وليس
بالضرورة ان تشغل تفكير غيرهم، ولذا فتكون الحاجة الى اشخاص لهم ميزة
الاحتواء لكل الافكار المنوعة للمجتمع إضاقة الى افكار من يمثلونهم.
والانتقاد الذي يلحق بالحكومة التمثيلية انما يتجلى في كون الارادة
التي يتمتع بها الناخبون تتحول الى قلة من الافراد المخولين الذين
سيتصدرون للامور السياسية لمدة اربع سنوات فمبدا الحكومة التمثيلية
يسرق من الافراد المسؤولية النهائية عن قيمهم ومعتقداتهم وافعالهم.
والتمثيل لايتوافق مع الحرية لانه يخول الارادة السياسة الى الآخرين
ولذا فانه يغربها الى حساب حكم ذاتي فاعل حقيقي.
وقد لايكون الانتقاد مستهدفا الشكل التمثيلي وانما ينتقد تلك الحدود
التي تحد بشكل كبير دور المواطن في الثاثير السياسي أي بمعنى عدم تشابه
ارادة المخولون مع ارادة الجماهير التي قامت بالانتخاب.
أي التوافق العقلاني، فبعض السياسيين قد يقوم بتثقيف الجمهور بدلا
من مجرد عكس اولويات الجمهور الحاضرة وقد تتبنى النخبة آراء اكثر
انسجاما مع بعضها واقل تمثيلا في صنع السياسات.
فيما يخص دور المواطن الاساسي انما يكون من خلال الاقتراع كسبيل
رئيسي بمعنى التصويت والحملة الانتخابية لكن هذا الدور قد يتعدى ذلك
الى المظاهرات والاحتجاجات واشكال اخرى من العمل السياسي غير التقليدي.
إضافة الى كون الناخبين سيحددون مستقبل الاحزاب كذلك اسقاط برامجها
ومصداقيتها وقد ينقلب الناخبون على مرشحيهم من خلال الاحتجاجات
والمظاهرات وانتقاد الحكومة عبر وسائل الاعلام او بصورة مباشرة، كما
ستجعل الاحزاب الخاسرة في الانتخابات اكثر حنكة ورصيدا للانتخابات
المقبلة. وهذا ما يبدل الموازين نحو تمثيل افضل من سابقه لصالح الناخب
على اية حال.
دور المواطن السياسي في الديمقراطيات الغربية، يتخذ طبيعة وتجربة
الديمقراطية في الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا الغربية وفرنسا
والاحزاب السياسية العاملة فيها يتكون من الفصول التالية بعد المقدمة:
1 - السياسة والجمهور، طبيعة معتقدات الجمهور.
وهو يطرح جملة محرضات للقيام بالانتخاب وقد تحتوي تلك المحرضات
إضافة الى جانب الاهتمام السياسي كمحرض الدين والطائفة والمبادئ
والثقافة الخاصة لمنطقة بعينها او الرغبة بالاندماج الرفاقي او المهني
وهي محرضات متمايزة وقد تكون مختلفة عن بعضها اختلافا كبيرا لكنها تشعر
باهمية ان يكون لها تمثيلا يرفعها من دائرة التهميش.
وبطبيعة الحال ليس كل الناس من تؤثر فيهم هذه المحرضات لكي يذهبوا
الى صناديق الاقتراع وانما هناك قلة من المجتمع من يهتم بالشان السياسي
وممن لديهم الحنكة السياسية وقد يحسبون بطبقة ما دون النخبة السياسية.
وهذا يشمل نسبة كبيرة من المثقفين والعاملين في حقل الاعلام او حقل
التربية والاشخاص المنورين معرفيا وطلبة الجامعات وغيرهم.
وهؤلاء فاعلون في المشاركة السياسية والتاثير وهم في الغالب قادة
الاحتجاجات والمظاهرات والاعتراضات في حال تلكؤ السياسيين عن تنفيذ
مطالب الجماهير او سوء استخدام السلطة وانحرافات الاداريين والفساد بكل
اشكاله.
لكن هذه الطبيعة التي تتخذها المشاركة السياسية للمواطنين دائما في
اتساع مطرد ذلك لتعلم فئات اخرى من الشعب لعبة السياسة من خلال القنوات
الاعلامية المنوعة فلا يعود للسياسة ذلك الاحترام الذي يعوق مشاركة
المواطن وتبعا لذلك فان دائرة المشاركة والمطاليب تتسع باطراد.
2 - الاتجاهات السياسية:
الجوانب الاقتصادية في دوافع الانتخاب هي الوجه الرئيسي فوجود
سيارتان في المرآب وبيت ضخم وغيرها من ملامح الثراء الاخرى كان هو
الدافع الى المشاركة والمطالب السياسية وحال انتشار الغنى بسبب
النجاحات الاقتصادية في الدول الدول الغربية موضوع الكتاب ظهرت جوانب
اخرى وقيم جديدة اكتسبت اهميتها لدى المواطن نتيجة التحولات الاجتماعية
فبرزت مثلا مسالة البيئة ونوعية الحياة المعاصرة المساوات العرقية
والجنسية والعنصرية والدينية، ذلك لان الاعراف الاجتماعية المتعلقة
بالجنس واختيار اساليب الحياة، تغيرت كثيرا في عقود قليلة من الزمن وهي
بالتالي غيّرت القيم وظهرت معايير جديدة لحراك الناخب وهو ما يغيّر من
حراك المرشح السياسي ويضع امامه مهمات غير تقليدية ومطالبات من نوع
مختلف تماشيا مع رغبة الجمهور.
ثم احتوت البرامج السياسية للاحزاب عهود جديدة ربما يكون بعضها غير
قابل للتطبيق على ارض الواقع او ان الموارد تكون غير كافية لبلد بعينه
او لمنطقة بعينها ما يطرح اشكالية المواطن والحزب المنتخب في دائرة
الصراع قد تؤدي الى سقوط الحزب في الانتخابات المقبلة نتيجة خسارته
المحتملة للأصوات.
3 - العلاقة الاقتراعية:
العلاقة الاقتراعية التي يمكن ان تتحقق من خلال الاحزاب السياسية هي
القاعدة الاساسية للتاثير المواطن في الديمقراطيات النموذجية فالاقتراع
هو السبيل المتاح للتوصل الى قرار جماعي مبني على خيارات فردية كذلك
الاقتراع بين الاحزاب يوائم بين رغبات الافراد المقترعين فيما يخص
الزعامة السياسية مترجما بذلك الراي العام الى قرارات سياسية محددة
وتكون للمواطن المقدرة المعقولة الى طرح الانذال جانبا في الانتخابات
اللاحقة عندما لايفعل السياسيون ما وعدوا به في الانتخابات السابقة.
4 - مستقبل الديمقراطية:
ان توسع مصالح الجمهور يحتم على الحكومة الدخول في وجوه جديدة من
اوجه الاقتصاد والمجتمع والحياة العائلية وذلك لوجود قناعة راسخة بان
الحكومة مسؤولة عن رفاه المواطن معنا ومبنى كذلك على الحكومة مواجهة
صيانة البيئة وحماية حقوق المستهلكين وان تبت في المسائل الاخلاقية
وتضمن السلامة للاقليات والنساء وتتعامل مع كم كبير من الهموم التي لم
تكن على جدول اعمالها في زمن جيل مضى.
وكذلك فان الحكومة تواجه الحاحا واسعا من قبل المواطنين لصنع قرارات
في صالحهم وخطيا مع الزمن ينحدر احترام المواطن للسياسي ويكون اكثر تحد
للمؤسسة السياسية وهذا ما يفقد السياسيين سندهم الجماهيري اذ يكون في
الغالب سند مشروط بتنفيذ رغبات الناخبين.
وقد عانت معظم الديمقراطيات في الدول الاربعة مصاعب التوفيق بين
اهتمامات المواطن والمطالب الاخرى بل والظروف المعيقة لتلك الارادات
مما افضى في بعض الدول الى ضرب الوفاق السياسي وشملت الدمج العنصري
وحرب فيتنام في الولايات المتحدة والصراع المتعلق بايرلندا الشمالية في
بريطانيا وفي المانيا الغربية فلقد حل الاستقطاب والصراع بدل التعاون
والتفاهم مما ادى الى تاثر صورة الجمهور عن الحكومة.
وقد افتقرت الحكومة الى المصادر المالية والادارية للتعامل مع قضايا
جديدة مثل حماية البيئة والاصلاح التربوي وحماية المستهلك وحقوق المراة
كما يتطلب من الدول العصرية ان تغذي شبكة هائلة من برامج الرعاية
الاجتماعية ودعم القطاع التجاري وتمويل المؤسسة الدفاعية.
وهناك دعوات واسعة الى زيادة مشاركة المواطن في صنع القرار في الوقت
الذي تحتاج السياسة الى تحجيم او تقليص هذه المشاركة كونها بحاجة الى
جمهور صامت ومبجل للنخبة على الاقل ان يكون باستطاعتها ان تحافظ او
تقلل من كم المطالب الهائلة الملقاة على عاتقها مع موارد ليس بمستوى
طموحات المواطنين.
وعلى هذا فان استياءا جماهيريا قد ظهر بجلاء وباتت الحكومات اكثر
عرضة للانتقاد وبسبل غير تقليدية نتيجة فقدان الثقة وقد اشعلت هذه
التصورات فتيل القلق حول مستقبل الديمقراطية.
يقول المستشار الالماني الغربي الاسبق ويلي برانت: لم يبق سوى 20 او
30 عاما من الديمقراطية بعد ذلك ستجد نفسها تنزلق دون كابح او طاقة
معاكسة لتغرق في بحر الدكتاتورية.
فاسلوب المواطن السياسي قد يفضي الى نتيجة خطيرة من خلال اثقاله
الحكومة بمطالب يصعب التحكم بها، ولعل البرامج الحزبية غير الواقعية
التي تعرض ايام الانتخابات على المواطنين تحمل الوزر الآخر في هذه
العملية التصاعدية في سقف المطالب وتضع الديمقراطية في خطر جسيم.
ويضاف الى ذلك الشرارات التي ترتفع في سماء مرحلة الحكومة اذ ان
الفضائح السياسية المرتبطة بالاختلاس والفساد الاداري قد تساعد على
تاجج الوضع وقد تحدث هبات جماهيرية كبيرة يصعب التحكم بها وبنتائجها.
دور المواطن السياسي في الديمقراطيات الغربية قد لاينصفه هذا المقال
المختزل بشدة ذلك لان الكتاب يتحدث باسهاب عن كل تجربة في البلدان
الاربعة مع ايضاحات ومسوحات واقعية مع جداول بيانية وجداول عينات لكل
دولة من الدول الداخلة في الدراسة موضوع الكتاب وهو كتاب يهم المواطن
كالاهمية التي تخص السياسي او الطالب الجامعي وهو يدخل في موضوع يهمنا
جميعا معرفته ونحن ننظر الى التجربة الديمقراطية بعين حائرة النظر
بينها كفكرة وبين الشخوص كمنفذين وقد لانجد الحقيقة في اوقاتنا الراهنة
بواقعيتها لكننا بالتاكيد بحاجة الى النظر والاطلاع على تجارب الآخرين
لكي نحصل على بعض المدارك الضرورية.
Idnan_123@yahoo.com |