قراءة في كتاب: ازمة التعليم

 

 

 

 

 

الكتاب: ازمة التعليم... اعادة تعريف قيمة المدرسة.

الكاتب: نيل بوستمان.

ترجمة: حسنى تمام.

الناشر: الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية.

عدد الصفحات: 186 صفحة من القطع الكبير.

قراءة: عدنان عباس سلطان.

 

 

 

شبكة النبأ: كثيرة هي البحوث التي تدور حول وسائل واساليب التعليم لكن تلك البحوث لم تولي المدرسة اهتماما خاصا ولم يجر عدها بؤرة ينبثق منها كل اشعاع المستقبل وفق خاصيتها المؤثرة في الثقافة بصورة عامة سواء فيما يخص الثقافة النخبوية او الثقافة الاجتماعية العاملة في حياة الناس ذلك لانه لم يجر النظر اليها كمؤثر حقيقي وقوي.

وظلت النظرة اليها كوسيلة من بين وسائل عدة يراد بها عدة اهداف بسيطة شانها شان الوسائل الاصلاحية الاخرى التي تمتلك توجهات احادية ومصالح محددة ولعل الوسيلة الكبرى للمدارس التي تديرها وتمولها الدولة هي ما يتصل بالتاهيل لكسب العيش وهو الهدف الاكبر المرجو من وراء الانتظام في مقاعد الدراسة باعتبار ان المرء الذي يحصل على التعليم ما هو الا طاقة اقتصادية تطمح ان تحصل على وظيفة وينتهي الامر في هذه الحدود الضيقة.

هذا فضلا عن ان الاناث لايصلن الى هذا الهدف فكل ما يرتجى من المدرسة ان تقوم بتعليمهن القراءة والكتابة فقط وان النسبة القليلة جدا ممن تسمح اوضاعهن الاجتماعية بالوصول الى الوظيفة أي بمعنى الحدود التي تسمح بها الثقافة السائدة. والثقافة هنا تتقاطع مع كثير من الاشياء والمفاهيم الخيرة فان مفهوم الاناث يعني فيما يعنيه بصورة اساسية كونهن امهات أي مربيات ولهن الدور الاكثر قدسية بما اكرمهن الله سبحانه وتعالى حيث الجنة تحت اقدامهن.

لكن رغم ان مفاهيم ربانية معلومة الا ان الثقافات السائدة تخضع الى مؤثرات اخرى وهي لذلك لاتتفق مع الدين عملا وان اتفقت معه ظاهرا ونظريا فقط.

 واذن فان ازمة التعليم تكمن في الاهداف والسؤال الستراتيجي لمسالة المدرسة ماهي الاهداف من وراء التعليم والتربية وهل تستطيع المدرسة كمؤسسة ان تطرح اهدافها التربوية بما يرقى على اهداف مؤسسة الاسرة الطبيعية التي ترى بان طفلها لايعدو عن كونه كائنا اقتصاديا يحتاج الى مؤهلات المدرسة لكي يصبح قادرا على ادارة حياته بامان من العوز؟

المدرسة بمفهومها التقليدي هي مؤسسة تربوية تمول من المال العام للمجتمع ومن المفترض ان تكون لها خطط تربوية اضافة الى وظيفتها التعليمية تخص المشاكل الاجتماعية في الثقافة السائدة وهي ايضا مؤسسة محايدة لكنها تريد افتراضا ان تجعل من تاثيراتها المستقبلية في الاطفال الذين سيتخرجون منها فاعلة في الثقافة المجتمعية.

أي انها تحاول باستمرار ان تؤثر في الاجيال القادمة لتمنح ثقافة جديدة تنهض من الثقافة السائدة ثقافة التسامح والانفتاح واحترام الخصوصيات القومية والدينية والاعراق والعادات وكل ما يميز الاخر باعتبار ان كل تلك التمايزات تمثل كفاح الانسانية عبر الاف السنين لتصل الى شأن ما وصلت اليه، كونها نتاج بيئات منوعة ومؤثرات تاريخية جابهت الانسانية. جابهها الانسان بمجموعة من الاخطاء وقليل من الصواب وبين الخطا والصواب انتجت حضارات واندثرت ثم قام الانسان يصحح مرات ومرات بنفس الكيفية الى ان وصل الحاضر الذي هو مجموعة من الاخطاء مع مجموعة اقل من الصواب فقد كانت الحروب تسير جنبا الى جنب مع ما انتجه الانسان من خير في العلم وفي الصناعة.

واخيرا مع التكنلوجيا مع ما يرافقها من قهر وتمايز عنيف وعنصرية مذهبية دينية وعرقية ومفاضلات وهمية استدعت في كل بقاع الارض تصفيات ومذابح شنيعة وافعال وردود افعال دفعت الانسانية ثمنها الباهض.

المدرسة قد تكون وبالا كبيرا ان لم تعرف جيدا غاياتها والدرجة الرفيعة التي تتبوئها في النظام الاجتماعي باعتبار ان المدرسة نتاج الفكر الواعي ونتاج النخبة رفيعة المستوى التي لاترضى بالسائد من الاخطاء وهي فوق كل ذلك تعالج الاخطاء الانسانية التي لم يستطع الانسان معالجتها.

فالمدرسة اذن ذخيرة التربية للمستقبل وطبعا سيكون الهدف التقليدي الاجتماعي حاضرا في اعتبار ان الطالب كائن اقتصادي ينتظر ان يباشر عملا يؤهله لان يعيش ولعل هذا الهدف يمكن استغلاله كمشجع لتعلم الاشياء الاساسية من اهداف المدرسة وبهذا تجد المدرسة سببا في اقناع المجتمع بضرورة ان يدرس الاولاد وان يكملوا دراستهم ليمنحوا في اخر مطاف دراستهم رؤية اكثر شمولا للعالم الذي يعيشون فيه رؤية تتسع كل الثقافات وتتسع لاحتواء الانسانية بمحبة فائقة محبة تعضدها المعرفة والعلم.

المدرسة معنية بكل الارث الانساني ومعنية ايضا بان تستنبت في عقول الصغار ان كل الارث المنوع للانسانية يعنيهم على اعتبار انهم جزء من هذا الارث والعادات والاديان والاعراق وانهم متجاورون متعاضدون متعاونون متحابون على كوكب واحد ومعنيين ايضا في المحافظة عليه فليست هناك من مفاضلة بين الاسود والابيض والاصفر.

ذلك لان الانسان جوهرا هو واحد وهذا ما تؤكده كل الاديان السماوية فالله سبحانه وتعالى يخاطب الناس بـ يا ايها الانسان ـ ولم تنزل اية يخاطب بها بصفة اللون او العرق ـ ان اكرمكم عند الله اتقاكم ـ فما هو التقوى غير المحبة بين بني البشر ماهو التقوى غير العلاقات المثمرة لكي يعيش الشركاء بسلام وامان ماهو التقوى ان لم يكن تصحيح جاد ومتعاضد لتصحيح الاخطاء؟

فالاولاد يجب عليهم ان يتقبلوا العالم كما هو بكل ما فيه من قواعد ثقافية ومتطلبات وقيود ويجب ان يتعلموا ليكونوا مفكرين نقديين رجالا ونساء ذوي فكر مستقل بعيدا عن الاحكام الجاهزة التقليدية للزمن الذي عاشوا فيه متحلين بالقوة والمهارة الكافية لتغيير ما هو خاطئ.

المدرسة في بلداننا مكلفة من جهة التمويل بصورة كبيرة لكنها تفتقر الى البرامج التربوية المستقبلية وهي غالبا تحمل نفس ورائحة السلطة بين ثنايا مساعيها التربوية المتواضعة وهذا النفس يميل الى ايجاد رؤية احادية تكاد ان تكون منغلقة وترى من القمر الوجه الذي تراه أي بمعنى انها ليست مستقلة عن السلطة وهذا واضح جدا في مراحل سابقة وحتى مراحل حالية.

فكتب الاولاد قد تحمل صورة شخصية تمثل سلطة ما او كلمات تشير بصورة غير مباشرة الى وجه من وجوه السلطة الحاكمة او من يدور في اطارها لكن المدرسة في كل هذه الاحوال ظلت احادية الخطاب مع كثير من المواد الجامدة التي لاتستطيع تحريض الفكر والنشاط والمتابعة لدى الطلاب، فالطلاب بالنسبة لها مكائن ذاكرة مكائن تحفظ ولا تتفاعل، مواد ليس لها علاقة بالتربية التي يمكن تطبيقها في الواقع العملي او الثقافي او المجتمعي والمعلم هو الاخر لايقل بؤسا عن الطلاب وكانه مربوط ربطا وثيقا بالمواد التي عليه ان يوصلها للطلاب دون ان يضيف لها شيئا يطورها او يبث فيها الحيوية لانه بالاساس نتاج الرغبة او المفهوم الاجتماعي المحدود بكونه كائنا اقتصاديا نال المراد من وراء دراسته وانتهى الامر فعليه ان يؤدي ما عليه من مسؤولية وظيفية محددة وينتهي الامر.

أي انه ملقن وليس مطور للمفاهيم الاعمق في تربية اجيال من شانها ان تغير الواقع الى الافضل.

ازمة التعليم... اعادة تعريف قيمة المدرسة كتاب قيم وثري بالرؤى والمعالجات والافكار كتاب يتصدى لاهم مؤسسة توصل اليها البشر مؤسسة لو استطاع القائمون عليها من ادارتها وفق اهدافها الواضحة وغاياتها الثقافية بامكانها ان تغير الشئ الكثير من ثقافتنا المستقبلية وتطمس كثير من العادات السيئة ومعالجة الاخطاء المربكة لمسيرة الانسان في العصر الحديث.

مؤسسة المدرسة التي سترقى الى اهم فاعل في مستقبل المجتمعات ثقافيا وسياسيا كونها اللبنة الواقعية لمشكلة التغيير والرقي ان تحصل لها الاهتمام المطلوب حضاريا ووفق النظرة الانسانية الشاملة.

ازمة التعليم كتاب يسلط ضوء ساطع يكشف كثير من اخطاؤنا ونوايانا السيئة كذلك كسلنا وضيق الافق المخيم على تطلعاتنا الايجابية وامانينا التي نؤجلها بمحض ارادتنا استجابة لاوهام تضاعفت في افكارنا بلا موجب ولم تنتج سوى كذبة كبرى عشنا في ضلالها المعتمة هي تلك الرؤى الضيقة نحو العرق والتميز واللون والاستحواذ.

ان التعليم في المدرسة في افضل حالاته هو كيفية صياغة الحياة وهو ما يختلف عنه عن كيفية توفير سبل العيش انها معادلة صعبة طالما اعرض عنها ساستنا الا فيما ندر وتدور الاحاديث عن الوسائل فقط دون ان تذكر الغايات الجليلة ذلك لان الغايات هي التي تؤدي الى الاهداف السامية النبيلة فبدون هذه الغايات لايجد التلميذ سببا كافيا لمواصلة تعليم نفسه ابدا. المدرسة تظل اثمن واهم ما يمكن الكتابة عنه، ويقع الكتاب بـ 186 صفحة من القطع الكبير.

Idnan_123@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/كانون الأول/2010 - 28/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م