ما قبل خرف الشيخوخة

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: هل العجوز هو (الإنسان الآخذ بالتدهور) الذي يجب استبعاده عن كل مسؤولية مهمة لأن المجتمع يرى انه أصبح غير نافع؟ أم أنه، على العكس، (الإنسان الناصح) الحكيم الذي كان الناس، في الأيام الخوالي، يتحرون آراءه السديدة ويفيدون من تجاربه؟

الطب يعطينا، هنا، رأينا مفعما بالأمل. يقول: ان الدماغ، من بين سائر أعضاء الجسم، هو الذي يشيخ على صورة أفضل من سائر أعضاء الجسم.

ان نحن أخذنا بأمثلة عن عدد كبير من مشاهير الرجال، لرأينا ان المخلوق البشري الذي يبهظه السن دون ان يمس بطاقته العقلية، يستطيع أن يبقى حتى آخر.

لقد شاخ عدد كبير من الناس، كما عاشوا، مع فارق وحيد هو ان اخفاء حقيقة الإنسان الشائخ تصبح أكثر صعوبة مع تقدم السن، فالشيخوخة هي ان يصبح المرء اقرب الى حقيقته في صفاته الحسنة والسيئة على حد سواء.

ان أي عضو في الجسم لا يمكن ان يقارن بالدماغ، لا من حيث تعقيده ولا من حيث أهميته في تنسيق وظائف الجسم البشري كله. فهو يعرف كل شيء، يراقب كل شيء، يدير كل شيء في كل لحظة اثناء الحياة الواعية كما خلال النوم. فما ان يصاب بمكروه ما حتى يختل كل شيء.

مع ذلك فقد أصبح ممكنا، بفضل التقنية الدقيقة والتقدم في الجراحة العصبية، واستخدامات مختلف أنواع الإشعاعات، التغلب على الكثير من الآفات الدماغية. مع ان العملية الجراحية تلحق بالدماغ بعض التخريب إلا انها تحسن، بل وتشفي، العلة الأصلية.

أما سره يكاد يكون غامضا تماما، هذا العضو الهش الذي يكفي ضغط موضعي أو نزف بسيط يصيبه، يفضي بصاحبه الى شلل يصيب جزءا كاملا من جسمه، هو آخر الأعضاء التي تفسدها الشيخوخة.

بمعنى أنه يحتفظ بإمكاناته الكاملة تقريبا أطول مدة ممكنة، الذي يستطيع بفضل أجهزة خاصة فيه للتعويض، ان يهيأ لنا التغلب على الكثير من أنواع الوهن وهو أخيرا من تلك الأعضاء التي تستطيع بالتمرين، اكتساب امكانات جديدة حتى سن متقدمة.

ليس ضروريا أن نعطي كأمثلة اولئك المثقفين والكتاب والمؤلفين ورجال دين والباحثين والرسامين وغيرهم ممن حقق لهم أفضل أعمالهم وأبدعها دماغ تجاوز السبعين بمراحل بعيدة. فما هي الدلائل التي يجب تمييزها؟

في الستين من العمر أو بعدها، تظهر دلائل صغيرة على الهرم العصبي، يمكن للإنسان الواعي أن يلاحظ هذا في نفسه. ما يميز هذا التطور، بصورة عامة، هو بطء في الفهم والكلام والاشارة بوقت واحد.

عدم الثقة حيال الأشياء غير المعتادة، الخطأ في التعبير عما يراد فعله أو قوله، الصعوبة في تنفيذ أكثر من شيء واحد في وقت واحد كأن يخلع المرء ملابسه ويتكلم في آن واحد. ان كل شيء يجري كما لو ان هذا الإنسان يريد أن يستعيض عن عفويته الآخذة بخذلانه بنتائج جهد يبذله في ردود الفعل عنده، مع ان هذه الملكة آخذة هي الأخرى بالنقصان.

من هذه الدلائل أيضا نقص الرشاقة في اليد بما يرافقها من ارتكاب أخطاء عند القيام بالحركات المعتادة مثل تناول الطعام وارتشاف القهوة والشاي. منها أيضا صعوبة حفظ التوازن كالسير في خط مستقيم أو الوقوف والعينان مغمضتان والرجلان مضمومتان. كذلك عدم الثقة اثناء المشي، الاعتماد على حاجز الدرج في الصعود، والخوف من النزول عن الرصيف الى الشارع. من الدلائل الأخرى قلة النوم، الصعوبة في ايجاد الكلمات أثناء الحوار، ظهور ارتعاش قد يتركز في الرأس أو يحدث اثناء الراحة أو خلال أداء بعض الأعمال.

إذا كان الانحطاط العضوي أحد مميزات الشيخوخة المحتومة، فإن الحط من قيمة الشخصية الإنسانية بفرض حياة التقاعد المهني على الشيوخ هو عنصر ينبغي تحاشيه بتوفير مشاغل مناسبة مفيدة لمن وصلوا الى سن الشيخوخة. ان تجنب عزل الشيوخ وبطالتهم يعادل الحد من تدهور أدمغتهم، أو هو اضافة حياة الى السنين.

لعل المسؤولية تقع على المجتمع الذي ينبغي له أن يوفر لكل عضو فيه السبل التي تهيء له عدم الانقطاع عن نشاطاته الذهنية حتى وان كانت مهنته في الحياة لا تتطلب ذلك. من النشاطات البسيطة التي تساعد الملكات الذهنية وهي شائقة وممتعة كالمطالعة الواعية ومشاهدة أفلام لها مغزى جميل، متابعة برنامج تلفزيوني ثم نقده شكلا وفكرة.. السفرات غير البعيدة الى الطبيعة والأماكن الدينية والأثرية.

أما بالنسبة الى الشيوخ فان بقاءهم في محيط عائلي - اجتماعي وعدم عزلهم، يساعد كثيرا على احتفاظهم بصفاء أذهانهم وقدراتهم العقلية حتى أواخر أيامهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/كانون الأول/2010 - 28/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م