العنف المبطَّن في الاحتفالات العراقية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ما يجري في المناسبات التي تثير حالات الفرح بين العراقيين، قد يبدو غريبا بل مستهجنا، ومناقضا للفطرة الانسانية التي تميل الى الخير والبحث عن الامان في الغالب، ولا احد يستطيع أن يبرر حالة الهيجان المنفلتة التي تستولي على اعداد كبيرة من العراقيين، في مثل هذه الحالات لاسيما ششريحة الشباب، حيث يعبر هؤلاء عن أفراحهم بطرق أقل ما يمكن أن يقال عنها، أنها متخلفة وتنم عن جهل وعنف مبطن، يقبع في الاعماق السحيقة للشخصية العراقية راهنا.

وإلا بماذا يمكن أن نفسر موجات العنف المعبَر عنها بإطلاق آلاف إن لم نقل ملايين الاطلاقات النارية، حين يفوز المنتخب العراقي لكرة القدم –مثلا- على خصمه او حين يُعلن عن موعد لأحد الاعياد، وغيرها من المناسبات التي تُدخل الفرح في قلوب الناس، والغريب أن الاخبار السارة والاحداث المفرحة، تدفع هؤلاء لحالات فقدان الوعي وربما العقل، وبالتالي تقودهم الى اطلاق النار عشوائيا بحجة الفرح.

ولم تفد معهم النداءات التي يطلقها المعنيون الرسميون والعقلاء وغيرهم، مثلما لم تفد معهم عشرات الاحداث الدامية والقاتلة التي تسبَّبَ بها هذا السلوك المنفلت، حيث أُعلن أكثر من مرة، بل مرات ومرات، عن سقوط ضحايا بين جريح وقتيل بين الناس الابرياء نتيجة لهذا السلوك المنفلت.

وفي محاولة لفهم ردود الافعال التي تحدث نتيجة لمثل هذه الحالات، فإننا لابد أن نستقرئ عنفا خفيا مبطنا، يقبع في الاعماق السحيقة لبناء الشخصية العراقية، كما ذكرنا سابقا، وليس عيبا أن نشخص عيوبنا وأمراضنا، بل العيب أن نسكت عليها، ونغض الطرف عنها، حتى لو كانت مؤذية لنا ماديا ومعنويا، ناهيك عن مظهرها الذي يحيلنا الى شعوب وتجمعات العصر الحجري والقبلي، او غيرهما من توصيفات، تقتل الحس الانساني ومظاهره التي يتمتع بها الانسان السوي.

وحين نسأل المختصين من علماء الاجتماع والنفس، عن الاسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، فإنهم سرعان ما يحيلون الامر للوقائع المرة والصعبة، التي مرت او مر بها العراقيون، كما أنهم يذكّرون بالحروب التي ملأت حياة العراقيين في تأريخهم المنظور والقريب، ويؤكد هؤلاء بأن انعكاسات الحروب وتوابعها على المجتمع، والانسان الفرد، هي التي تدفعه لممارسة مثل هذه الظواهر المستهجنة، واذا صح مثل هذا التوصيف والتبرير الذي يمكن أن نقول عنه، بأنه سبب علمي متخصص لهذه الظاهرة، فإن الأصح من هذا التبرير العلمي، هو ضرورة معالجة هذه الظاهرة بالسرعة الممكنة. ولكن كيف يمكن أن تُعالج ظاهرة الاطلاقات النارية في الاحتفالات العراقية. ومن هي الجهات التي يمكن أن تسهم في تقديم المعالجات في هذا الجانب؟

بطبيعة الحال هذا الامر يتعلق باستحداث منظومة سلوك، ترتكز الى ثقافة السلام والابتعاد عن كل مظاهر العنف، وكل ما يمت له من صلة، بما في ذلك الاسلحة النارية، ولابد أن تكون هناك جهات تُعنى بترسيخ مثل هذه الثقافة، وهي الجهات الرسمية التي يجب أن تستند الى تشريعات قضائية واضحة وحازمة، وتقوم الجهات المعنية بتنفيذها على نحو دقيق، من اجل ردع مثل هذه الحالات، ومع هذه الاجراءات الرادعة، لابد أن تقوم الجهات ذات العلاقة، بعملية تنظيف وغسل لأعماق الشخصية (إذا صح القول)، وذلك من خلال اطلاق حملات توعية قوية، ودائمة، عبر جميع القنوات والوسائل التي يمكنها نشر مثل هذه الثقافة، التي تصحح ما انطبعت به الشخصية العراقية، من سلوكيات لم تعد مقبولة في مجتمع يحاول أن يبني نفسه من جديد، بعيدا عن العنف والتعصب.

وخلاصة القول، لابد أن يتنبّه العراقيون جميعا، الى طبيعة المرحلة الجديدة التي يتخطونها الآن، خاصة قادة المجتمع منهم، والنخب المسؤولة عن الوعي العام، وهي مرحلة تأسيس لابد أن تطبعها السلوكيات المعاصرة الصحيحة، فلايمكن أن تليق مثل هذه الظواهر العنيفة مع ما يطمح إليه العراقيون، بعد أن أصبحت الاجواء تتسع لطبيعة التعبير التي ينبغي أن تكون منسجمة مع التطلعات نحو بناء عراق آمن، يشغله الابداع والجوهر والمعاصرة، أكثر من مظاهر العنف والشكليات التي لاتعود عليه بالنفع أيا كان نوعها او مصدرها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/كانون الأول/2010 - 28/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م