كل المدن التي جرى الحديث عنها أو التي أريد لها أن تنمو في هذا
العالم وفي أماكن أسطورية منه، ذهبت مع ريح الذكريات والماضي السحيق،
ومن عاد وثمود الى جنة عدن وحتى مملكة سليمان والجمهورية الفاضلة ومدن
الملح الى عوالمنا المتخيلة التي نصنعها لنهرب من واقعنا المر، كلها
بلا جدوى ولا أساس قانوني أو دستوري ولا نملك الأرض المتخيلة لنؤسس
لها. ويا لجهلنا بقهرنا وتيهنا الراتب.
واحدة من الجمهوريات الرقمية التي تحتوي مضامين المدن المبنية
بالطين أو بالآجر أو بالصخر والمغلفة بالاحجار الكريمة أو المكسوة
بالاسفلت غير المغشوش والمؤسسة بين بساتين وجنان ومفعمة برائحة الورود
المستوردة من جزر قصية لم يصلها إنسان في يوم ما، هي جمهورية الفيسبوك
التي إنتسبنا لها مشدوهين بديمقراطيتها وفضائحيتها ومكامنها السرية،
وأغرتنا بوجوه البنات المفعمة بالإغراء والأنوثة والجنس، وبحماقات
الشباب وعقلانية الكبار، وبصور مزعومة لبنات ونساء ليست لهن بل لفنانات
ومغنيات ووضعنها لكي يموهن على عيون أمثالي من التائهين بعوالم السحر
الأنثوي ذي السطوة المارقة.
جمهورية أسست في مكان ما من الولايات المتحدة الأمريكية ولم تقنع
بالإنكفاء داخل إحدى الغرف الباردة في مبنى من مبان سان فرانسيسكو
الوادعة على ضفاف المحيط الهادي، وأنطلق مؤسسوها على خطا الجنود
الساعين الى افغانستان والعراق ومناطق شاسعة من هذا العالم، حتى صارت
الشتيمة والتوصيل لها وحشد الأتباع وصياغة الرؤى من قبل أعداء أمريكا
في مساحة هذه الجمهورية المفترضة التي نستمتع بها وبأسرارها ونهرب
إليها من قمع المجتمع الكابت للرغبات والطاقات ثم نستخدمها لرفض
الأعداء، ونرفض الديمقراطية الواقعية التي تنقلها الدبابات وطائرات بلا
طيار، ونقنع بديمقراطية الانترنت والفيس بوك الذي حولناه الى ساحة
لمعاركنا الدينية والمذهبية والجنسية ولعلاقاتنا المشوهة مع الآخر
المفترض أو الذي نعرفه ونتعاطى معه على صفحات هذا الفيس اللعين.
الفيس بوك جمهورية تفاعلية تمتلئ بالرقي والبطيخ وصور النساء وآراء
الناقمين والمفتخرين بعشائريتهم ونفوذهم وطائفيتهم المقيتة. وتنسج قصصا
ومنها تعرف الوقائع وتوجهات الراي العام في مجال العمل والعلاقات
والسياسة والفكر والاقتصاد والتعليم والحب الممزوج برغبة أكثر عنفوانا
من حب الواقع المكشوف.
من يرأس جمهورية الفيس بوك؟ ومن يتحمل مسؤولية السلطة فيها؟ ومن
يستطيع جمع أكثر الأصوات ليكون في المقدمة؟ وهل سترضخ الرئاسات الثلاث
فيها لقوانين وضعية من أحزاب متنافسة؟ وهل سيكون الدستور هو الحاكم؟
وماالشكل المفترض للإنتخابات وقانونها؟ وهل يكون النظام السائد
برلمانيا أم رئاسيا؟ وهل يستطيع المواطن في الجمهورية أن يحتفظ بصوته
أم إنه سيصادر كما صودرت كل الحقوق؟
كنت أرجو أن أرشح نفسي لمنصب الرئاسة بعد أن أقنع الاصدقاء بلا جدوى
منصب رئيس الوزراء، ويكون رئيس الدولة هو رئيس الحكومة كما في فرنسا
والولايات المتحدة وحتى ايران وسواها من بلدان ينتخب فيها الرئيس
مباشرة من الشعب.
وخشيت من ردات فعل غير محسوبة من أبناء الجمهورية ومن ذوي المطامح
والباحثين عن الانقسامات والذين يتفننون في إرسال الفيروسات لتدمير
مستقبل شعب الفيس بوك الذي تجاوز المذهبية برغم ما يصدر من أبنائه على
هذه الصفحة الفيسبوكية او تلك.
جمهورية الفيس بوك تمر بمرحلة صعبة وقاسية لتأسيس نظام إنساني واع
بمتطلبات ورغبات الجميع لا يحرم أحدا من حقوقه. وعندما سيكون هناك
إنتخابات أو مشاركة ديمقراطية فأعتقد أني الأجدر بالفوز لأني إشتريت
بذلة وربطة عنق وقميص والتقطت صورة الى جوار سيارة رئاسية. فلا تفوتنكم
فرصة انتخابي رئيسا لجمهورية الفيس بوك الافتراضية.
hadeejalu@yahoo. com |