يمكن للمرء أن يتصور تلك اللحظات التي مرت بأحد أفراد عائلة السموني
الذين نجوا من المذبحة التي تعرضت لها العائلة بعيد بدء العملية البرية
في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عندما وقعت عينه على أشلاء إخوانه
وأخواته وأبنائهم وأبناء عمومته عندما تجمع العشرات منهم في غرفة في
أحد منازل العائلة في طرف حي " زيتون.. لقد قتل حوالي ثلاثون شخص من
العائلة في القصف المدفعي، لتكون أكبر حصيلة من القتلى في هجوم على
منزل واحد خلال الحرب.
وعلى الرغم من تفاوت طبيعة الجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي
خلال الحرب فإن القاسم المشترك بين الكثير من هذه الجرائم حقيقة أنها
ارتكبت من قبل لواء مشاة واحد، هو لواء " جفعاتي "، الذي يوصف بأنه أحد
أهم ألوية " الصفوة " في الجيش الإسرائيلي، رغم أنه شارك إلى جانب هذا
اللواء ثلاثة ألوية أخرى، وهي: " جولاني "، و " المظليين " و " الناحل
". فقد دللت التحقيقات التي أجراها الجيش الإسرائيلي في مسار الحرب أن
الذي أمر بقصف عائلة منزل الساموني هو العقيد إيلان مالكا قائد لواء "
جفعاتي "، على الرغم من أنه تبين أن هناك من حذره بأن المنزل يضم
مدنيين فقط.
ودلت الشهادات التي أدلى بها جنود خلال الحرب ووثقتها مجموعة "
يكسرون الصمت "، وهي مجموعة من الضباط في الاحتياط تعمل على توثيق
الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي أن ضابطاً في " جفعاتي " أمر
خلال الحرب بإطلاق النار على عجوز فلسطيني شرق مدينة غزة، مما أدى الى
مقتلها، في حين عرضت قنوات التلفزة الإسرائيلية شهادات حية لجنود في "
جفعاتي " وفي غيره من الألوية تؤكد أن جنود في هذا اللواء قاموا خلال
الحرب بالتبول في خزانات مياه الشرب الخاصة بالفلسطينيين، علاوة على
أنهم استخدموا الفلسطينيين كدروع بشرية في تحركاتهم، خلال الحرب.
وقد ارتكب قادة وجنود من كل ألوية الجيش الإسرائيلي جرائم ضد
المدنيين الفلسطينيين خلال الحرب، حيث أن الصحافية الإسرائيلية عميرة
هاس تؤكد أن ارتكاب هذه الجرائم تمت بتوجهيات مباشرة من الهيئات
القيادية العليا في الجيش الإسرائيلي. ومع ذلك فإن هناك أسباب تفسر
احتكار " جفعاتي " العدد الأكبر من هذه ا! لجرائم. ولعل أهم هذه
الأسباب حقيقة أن " جفعاتي " يستقطب عدداً كبيراً م ن أتباع التيار
الديني الصهيوني الذي يتبنى مواقف بالغة التطرف من الفلسطينيين، وينتمي
إليه معظم المستوطنون اليهود في الضفة الغربية والقدس المحتلة. وتدل
المعطيات الرسمية الصادرة عن شعبة القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي
أن حوالي 60% من الضباط في الوحدات القتالية هم من أتباع التيار الديني
الصهيوني، على الرغم من أن أتباع هذا التيار يشكلون فقط 15% من مجمل
السكان.
ويرى عاموس هارئيل المراسل العسكري لصحيفة هارتس أن هناك علاقة
وثيقة بين سلوك الجنود وبين الثقيف الديني، مشيراً إلى أن الحاخام
الرئيس للجيش الحاخام خلال الحرب الجنرال آفي رونتسكي حرص على التشديد
على مسامع الجنود على أنه لا يوجد بين الفلسطينيين مدنيين، كما اصطحب
رونتسكي عدد من أكثر الحاخامات اليهود تطرفاً ونظم لهم محاضرات أمام
الجنود قبيل خروجهم للقتال، ومنهم الحاخام شموئيل إلياهو، حاخام مدينة
صفد الذي وقع على فتوى تؤكد أنه يجوز تطبيق حكم التوارة في " العماليق
" الذين كانوا يتواجدون في فلسطين قبل قدوم بني إسرائيل قبيل ألفي عام
على الفلسطينيين حالياً، مع العلم أن هذا الحكم يدعو الى وجوب قتل رجال
ونساء وأطفال وشيوخ وحتى بهائم العماليق.
ومن الأسباب التي جعلت " جفعاتي " أكثر جرأة على ارتكاب الجرائم،
حقيقة أن الجيش الإسرائيلي أوكل إليه منذ اندلاع الانتفاضة الأولى مهمة
مواجه المقاومة الفلسطينية. ويذكر أن وسائل الإعلام الإسرائيلية عكفت
على نشر الكثير من التفاصيل حول الجرائم التي ارتكبها قادة لواء "
جفعاتي "، سيما الجنرال آيفي إيتام الذي قاد " جفعاتي " خلال الانتفاضة
الأولى، حيث أن النيابة العسكرية اتهمته بأنه قام شخصياً بتحطيم أيدي
شابين فلسطينيين بعد احتجازهما في بستان برتقال بالقرب مخيم " البريج "
للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة. وعلى الرغم من اتهام إيتام بهذه
التهمة، إلا أنه واصل التقدم في الترقيات العسكرية، حيث أصبح قائداً
للجيش في جنوب لبنان، وبعد تسرحه للجيش انضم لحزب " المفدال " الديني،
ومثل الحزب كوزير للإسكان في حكومة شارون الأولى.
لقد دلت الترقيات الأخيرة في قيادة الجيش الإسرائيلي بشكل لا يقبل
التأويل على أن المس بالمدنيين الفلسطينيين هو إحد الاعتبارات التي
تؤخذ بعين الاعتبار لقد اتخاذ القرار بشأن هذه الترقيات. فالمعلق
السياسي الإسرائيلي عكيفا إلدار يتساءل عن السر وراء ترقية العميد أفيف
كوخافي الى رتبة لواء وتعيينه في منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية،
على الرغم من أن كل ما علق في ذاكرة الإسرائيليين والفلسطينيين هو
إصداره الأوامر لجنوده عندما كان يقود لواء المظليين أثناء حملة "
السور الواقي " بتحطيم جدران الفلسطينيين في مخيم " بلاطة " شرق نابلس
لكي ينتقل جنوده من منزل إلى آخر عبر هذه الجدران لتقليص هامش الخطر
عليهم، كما أن تحمس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير
دفاعه إيهود براك لتعيين يوآف جلانت كرئيس جديد لهيئة الأركان جاء فقط
بسبب ما اعتبر " انجازته " خلال قيادته للحرب على غزة، بصفته قائداً
للمنطق! ة الجنوبية في الجيش، وهي الحرب التي قتل فيها أكثر من 1500
فلسطيني أكثر من 85% منهم من المدنيين.
عندما يطلق على لواء بأنه لواء " صفوة " فإنه يتبادر للذهن أنه مرد
على تنفيذ العمليات الخاصة التي تتطلب جرأة كبيرة وإقدام، لكن مما تقدم
تتضح حقيقة مصطلح " الصفوة "، فهي " صفوة " تستأسد على الأطفال والشيوخ
والعجائز.
www.naamy.net |