هل تعلمون أن نسبة الإنتاج العربي للكتاب على المستوى العالمي بلغت
في السبعينيات (1٪)، وتراجعت الآن إلى (0.75٪).
وهل تعلمون أن تقرير التنمية البشرية العربي، الصادر عن الأمم
المتحدة الإنمائي، يقول بأن نسبة ما يقرأه العربي في العام هو ست دقائق
فقط، جلّها مخصص لقراءة الكتب الدينية.
لنضع أصبعنا على موضع الجرح أولاً، لنبدأ العلاج السليم، من منطلق:
«كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته»، ولا يقل الفرد منا، وماذا
باستطاعتي أن أفعل؟! فبمقدورنا أن نصنع الشيء الكثير الكثير، وإن
تضافرت الجهود بشكلٍ جماعي فبإمكاننا أن ننتقل بمجتمعاتنا من حالة
العزوف عن القراءة إلى حالة الولع بها، والأمر بأيدينا. ولا ننسى أن
مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، فمن منا يقرع الجرس؟
ولنبدأ من الآن بطرح الخطط العملية القابلة للتنفيذ، بعيدًا عن
الصور الحالمة التي لا تلامس الواقع، ولا ننسى أن مشكلة العزوف عن
القراءة، هي مشكلة عامة، تعاني منها معظم الشعوب، وإن تفاوتت النسبة من
مجتمع لآخر، فالزمن الذي نعيش فيه متخم بالجديد، في عصر ثورة المعلومات
وانفجار المعرفة، وما عادت مطالعة الكلمات المكتوبة هي السبيل الوحيد
لتلقي المعرفة، فأمور كثيرة بدأت تزاحم الكتاب، والكلمة المكتوبة، مثل:
الفضائيات والإنترنت، وغيرهما، ويحق لنا القول بإيجاز - فيما يخص
الصراع المزعوم والمفتعل بين الكتاب ووسائل الإعلام الأخرى -: إن لكل
وردٍ رائحته، فلنستنشق هذا الورد وكفى! ونقول نفس الكلام عندما نقارن
بين الكلمة والصورة؛ فلكل واحدة منهما سحرها.
يقول ألبيرتو مانغويل: «منذ سنوات باتوا يتنبؤون بنهاية الكتاب
وبانتصار وسائل الإعلام الإلكترونية، كما لو كانت الكتب ووسائل الإعلام
عاشقين يتنازعان محبة القارئ ذاته في الحلبة الثقافية... فالتكنولوجيا
لن تتوقف عن تقدمها ولن تعود إلى الخلف، ورغم العدد الذي لا يحصى من
المؤلفات المبشرة باندثار المادة المطبوعة، لا نجد مصداقًا على هذا
القول في عدد العناوين الجديدة المطبوعة في كل سنة»(1).
وبداهة أن البعض منا قد يلجأ للإنترنت كوسيلة للقراءة، والبعض الآخر
قد يلجأ للكتاب بشكله الورقي، ولا مشكلة في ذلك، إذ إن المهم أن يقرأ
الإنسان.. ففي السابق، كان البعض يقرأ على كرب النخل أو على جلود
الحيوانات، و... إلخ. فالشاب قد يميل إلى الوسائل الحديثة؛ بينما يركن
كبار السن إلى الكتاب بشكله التقليدي.
فشبكة الإنترنت أتاحت للإنسانية فرصة كبيرة للتقدم والنمو
والارتقاء: معنويًا وماديًا، لذا علينا أن نستثمر هذه الوسيلة من أجل:
نشر العلوم النافعة، والقيم الحقة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
المتخصصون في المكتبات والمعلومات، يتفقون على أن المكتبة العامة
سميت بهذا الاسم؛ لأنها: تقدم خدماتها لفئات المجتمع كافة، الكبير منهم
والصغير، المتعلم، والرجل والمرأة... إلخ، كما أنها تحوي مختلف المعارف
والعلوم، وهذا الأمر - بطبيعة الحال - يعطيها الأولوية؛ لأن تتفاعل مع
محيطها بشكل استثنائي، وتقوم بدورها التنويري فيما يخدم الأهداف
الكبيرة المعولة عليها.
ومن أهدافها:
زيادة الحصيلة الثقافية لكافة أبناء المجتمع؛ مما يعزز تفاعلهم مع
قضاياهم وهمومهم، ودعم العملية التعليمية والتربوية، بتشجيع المتعلمين
وغير المتعلمين (محو الأمية مثلاً) على متابعة تعليمهم، بتوفير المصادر
المتجددة والمتنوعة: الورقية والتقنية منها. وتهدف المكتبة العامة إلى
تطوير المهارات الفنية وتعزيزها، والارتقاء بها، لكل صاحب مهنة أو حرفة
يستفيد من المكتبة.
كما تهدف إلى تفعيل الأنشطة المختلفة: الثقافية والاجتماعية التي
تعمل على تقدم المجتمع وتشجع أفراد المجتمع على استثمار أوقاتهم بما
يخدمهم، بممارسة الأنشطة المختلفة، مثل: القراءة أو الحوار أو التدريب،
وغير ذلك.
لهذا نؤكد لمن يعنيهم الأمر (رسميًا وشعبيًا) على أهمية وضرورة
إنشاء المكتبات العامة والعمل على تطويرها من أجل الترويج لعادة
القراءة في المجتمع.
المكتبة العامة خلية نحل، تحت هذا العنوان كتب محمد حقي (صحفي مصري
يعمل ويقيم في واشنطن) مقالة في إحدى المجلات تحدث فيها عن انطلاق
الكثير من رؤساء أمريكا ومؤلفيها وفنانيها من المكتبات العامة، ويذكر
مقولة للرئيس السابق جورج بوش الأب يقول فيها: إن مكتباتنا العامة هي
قاعدة الانطلاق لمستقبلنا كله... وهي الصفوف المدرسية التي تبقى مفتوحة
لكل مواطن مدى الحياة.
ويتابع حقي قائلاً إن المكتبات العامة تُعدُّ بحق «خلية نحل»،
تتفاعل مع حياة الناس بمختلف الوسائل، ومما لفت نظر حقي أنه عندما بنيت
حاملة الطائرات «جورج واشنطن»، راعى القائمون على بنائها أن يكون عليها
مكتبة عامة مجهزة بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا مع معدات اتصال
إلكترونية وغيرها، فضلاً عن جميع أنواع المجلات والكتب ومصادر
المعلومات الأخرى. وحاملة الطائرات هذه أشبه بعمارة من سبعة طوابق،
يعمل عليها 6000 من البحارة، أي مدينة صغيرة عائمة وسط أمواج البحار.
ولكن من أهم ما تحمله السفينة تلك المكتبة العامة، ليس فقط للترفيه عن
البحارة، وإنما أيضًا لسد حاجاتهم من العلم والاطلاع والاستزادة.
هكذا نرى كيف تهتم الدولة المتقدمة بالمكتبات العامة، فماذا عنا نحن؟
إننا نشكو من مشكلة «عدم الوعي بأهمية المكتبات في التنمية والتربية
والبحث والثقافة، ولا يقتصر عدم الوعي هذا على المواطنين العاديين،
ولكنه ينسحب - وهذا هو الأخطر - على المسئولين الحكوميين أصحاب
القرارات»(2).
اقتبسنا شهادة الدكتور هشام عباس؛ لأننا نتحدث عن الوضع الحالي
لواقع مكتباتنا العامة، ولو شئنا أن نتحدث عن الوضع السابق لقلنا إن
اهتمام المسلمين كان - وللأسف كلمة كان فعل ماض! - كبيرًا بالمكتبات،
وذلك إدراكاً منهم لأهمية الدور المنوط بالمكتبة والكتاب في حياة
الإنسان - الفرد والمجتمع - حتى أن ول ديورانت في كتابه «قصة الحضارة»
يقول: «كان عند بعض الأمراء كالصاحب بن عباد من الكتب بقدر ما في دور
الكتب الأوروبية مجتمعة»(3). وقد أوصى ابن عباد بتحويل مكتبته هذه
لمكتبة عامة بعد وفاته، كما يذكر المؤرخون.
وتؤكد المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها القيم: «شمس
العرب تسطع على الغرب» نفس الحقيقة إذ تقول: «إن متوسط ما كانت تحتويه
مكتبة خاصة لعربي في القرن العاشر، كان أكثر مما تحتويه كل مكتبات
الغرب مجتمعة»(4).
إننا كشعوب عربية وإسلامية ننتظر بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي تقوم
فيه حكوماتنا بإهدائنا المزيد من المكتبات العامة - التي تعد في الغرب
من أهم مراكز الإشعاع الثقافي والتربوي - كما فعل «هارون الرشيد» حينما
قام بإهداء «مكتبة بيت الحكمة» لبغداد، تلك المكتبة التي بلغت شهرتها
الآفاق، وكما فعل غيره من الأمراء والحكام الذين حكموا البلاد
الإسلامية إبان العصر الذهبي للمكتبات الإسلامية.
كما أننا ننتظر بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي تقوم فيه الدولة بدعم
الكتاب كما هي تدعم رغيف الخبز!
مقترحات لتنمية عادة القراءة في المكتبات العامة:
- أن تخرج المكتبات إلى الناس، لا أن ننتظر قدومهم! بمعنى أن تقام
ندوات، ومحاضرات، وأمسيات قصصية، وشعرية، وتعمل على إقامة قراءات في
كتب، ويمكن أن يتمثل هذا الخروج أيضًا عن طريق تنظيم معرض الكتاب داخل
المكتبة، أو مهرجان القراءة للجميع بأنشطته السالفة الذكر؛ لجذب
القرّاء والرواد.
- توجيه الدعوة للأهالي لزيارة المكتبة واستفادتهم من مقتنياتها
وبرامجها، والاطلاع على خدماتها وجديدها، مستخدمين في ذلك الوسائل
التقنية الحديثة: البريد الإلكتروني، ورسائل sms.
- توفير المصادر الورقية المتجددة دومًا، خاصة الصحف اليومية،
والمجلات المتخصصة، فليس متوقعًا أن يقبل الرواد على زيارة المكتبة
العامة إن كانت مصادرها (عتيقة معتّقة)، وبداهة إن توفير شبكة الإنترنت
في المكتبات العامة غدت حاجة ملحة.
- تأسيس موقع إلكتروني للمكتبة العامة، تعرض فيه مصادرها، وأخبارها،
وأنشطتها، وفعالياتها، لتسهيل عملية التواصل بينها وبين الجمهور
المستهدف.
- تخصيص ركن في المكتبة العامة، لمؤلفي المنطقة التي توجد فيها
المكتبة، مع وضع السيرة الذاتية لمؤلفيها، احتفاءً بهم. وحاليًا بدأت
مكتبة القطيف العامة شرق السعودية بتطبيق هذه الفكرة، ومن المتوقع أن
يقبل الكثير من القرّاء لزيارة المكتبة بغرض التعرف على النتاج المحلي
لأبناء المنطقة.
- تنظيم الرحلات المدرسية المنتظمة للمكتبات العامة لتعزيز التفاعل
المثمر بين طلاب المدارس والمكتبات العامة، وبالإمكان تخصيص محاضرات
تستهدف شريحة الطلاب لتشجيعهم على القراءة.
- تنظيم الدورات المتخصصة داخل المكتبة العامة، في مختلف احتياجات
الرواد.
- تشجيع الميسورين من أبناء المجتمع على المساهمة في تنمية مصادر
المكتبة الورقية والتقنية، مع الاحتفاء بهم والتنويه بجهودهم، عبر
الوسائل الإعلامية المتاحة للمكتبة.
- تخصيص جوائز شهرية لرواد المكتبة المتميزين (القرّاء منهم
والباحثين).. ثلاث جوائز أو أكثر، مع إبراز أسماء الفائزين وصورهم في
مدخل المكتبة.
- حث الباحثين والمؤلفين على كتابة أبحاث تخدم أهداف المكتبة العامة
وتبني نشرها، وتقديم مكافآت معنوية ومادية لهم. وتنظيم مسابقة أفضل عرض
لكتاب متوفر في المكتبة العامة، وهذه خطوة عملية لتنمية القراءة أولاً،
ولصقل القلم ثانيًا.
- التواصل المثمر مع وسائل الإعلام (صحف، مجلات، إنترنت، إذاعات،
فضائيات)، لكي يأخذ الكتاب مكانه الطبيعي المرموق في وسائل إعلامنا
المختلفة.
- الاهتمام بقسم الأطفال في المكتبات العامة وإعطاؤه أولوية خاصة،
من خلال تفعيل مجموعة من الأنشطة والبرامج الموجهة للأطفال، كبرنامج
قراءة القصة، أو مشاهدة برنامج علمي أو تثقيفي، أو البحث في المصادر
للحصول على إجابة محددة... إلخ، خصوصًا في العطل الصيفية، ليألف الطفل
الحضور إلى المكتبة العامة في سن مبكرة من حياته؛ وليتطبع بهذه العادة
عندما يشب.
- تلبية احتياجات الرواد القرائية، بدراسة ميولهم واهتماماتهم،
فالهدف من المكتبة العامة خدمة القارئ، وتقديم ما يعينه في تنمية
حصيلته المعرفية.
- العلاج بالقراءة، «وهو أحد أهم الخدمات المكتبية، التي تقدمها
المكتبات للقراء... وتسمى مهنيًا، بالإرشاد القرائي، وهو يقوم على
معرفة واسعة بالكتب من جهة، وبالنفس البشرية، وحاجاتها، من جهة
ثانية(5). وباعتبار أن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن الضرورة بمكان أن يكون
مرشد القراءة محبًا للقراءة أولاً، ليحبب الآخرين فيها؛ ليتمكن من
معالجة مشاكلهم وحاجاتهم.
- تخصيص أوقات معينة لاستضافة الأدباء والمؤلفين؛ ليلتقي بهم
القرّاء في حوارات مباشرة، للاستفادة من تجاربهم: القرائية والكتابية.
هذه جملة من المقترحات، وبلا شك فهناك المزيد، ونحن بانتظار من يشعل
الشموع، وهذه مسؤوليتنا جميعًا، فهل نبدأ؟
.........................................................
الهوامش:
1- حسن آل حمادة. تجارب الكتّاب.. من القراءة إلى
الكتابة، ط1، بيروت: دار القارئ، 1429هـ.
2- هشام عبدالله عباس. الركائز الأساسية للنظام
الوطني للمكتبات العامة بالمملكة العربية السعودية. - الرياض: مكتبة
الملك فهد الوطنية، 1410هـ، ص83.
3- ول ديورانت. قصة الحضارة، ترجمة: محمد بدران،
مج13، بيروت: دار الجيل، د.ت، ص171.
4- زيغريد هونكه. شمس العرب تسطع على الغرب. - ط8. -
بيروت: دار الجيل، دار الآفاق الجديدة، 1413هـ، ص388.
5- عبداللطيف صوفي. فن القراءة، مصدر سابق، ص55. |