شبكة النبأ: صدفة غير مقصودة ان تقام
مباراة الكلاسيكو الاسباني بين برشلونة وريال مدريد بعد مباراة العراق
وعمان في خليجي عشرين في اليمن.
هذه الصدفة اتاحت لمن شاهد المباراتين ان يلمس الفارق الشاسع جدا
بين عقليتين، العربية والاوربية، ليس في مجال الكرة وفنونها فقط بل في
جميع المجالات.
المباراة الاولى بين العراق وعمان باردة وباهتة جدا، لعب فيها
المنتخب العراقي من اجل التعادل الذي يكفيه للصعود الى مربع النهائيات
وهي مخاطرة كبيرة لو ان العمانيين سجلوا هدفا واحدا ينقلهم الى نفس
المربع.
المباراة الثانية وصفها معلق الجزيرة الرياضية بالحرب، حرب الثقافة
واحتلال المواقع، للفروق العديدة بين الفريقين.
الجمهور العراقي في مباريات الفريق كان جمهوران، جمهور ما قبل العام
2003 وتوجهاته الايديولوجية وجمهور ما بعد العام 2003، مع بعض
الاستمرارية او الانتقال من مدرج زمني الى اخر لبعض الجمهورين.
الفريق ايضا لعب على ايقاع هذين الجمهورين، جمهور الاوفياء لصدام
وحقبته الماضية، وجمهور المقتصّين من تلك الحقبة.
ليس سهلا ان يلعب فريق بين زمنين مختلفين في وقت واحد، زمن منقرض
لازال يفرض الكثير من ايقاعه وزمن طالع من غيابة جبّ هذا الانقراض،
تاهت الكرة بين اقدام اللاعبين بين الزمنين، ولم تته بين زمن الفريقين
الاسبانيين، وجمهورهم رغم ان اسبانيا انجبت في تاريخها دكتاتورا يشابه
صدام وهو الجنرال فرانكو، ومؤكد ان بعضا من هذا الجمهور يحن الى تلك
الفترة والى ذلك الشخص بحكم الاعجاب بالقوة، الا ان احدهم لم يرفع صورا
له في مدرجات الملعب، ولم يهتف بحياته رغم موته. ولا ينتظرون عودته كما
يأمل محبوه وكما يأمل سكنة تكريت مسقط راس صدام في احد التقارير
المنشورة في جريدة الشرق الاوسط قبل شهور.
لعب الفريق بين جمهور منقسم على ولاءاته السياسية، صورة قائده
الضرورة وعلمه بنجماته الثلاثية، ولعب الفريقان الاسبانيان على ولاءهم
لعلم وشعار النادي وجمهوره.
وكالعادة لعلعت اصوات الاعيرة النارية بعد انتهاء المباراة، كمظهر
من مظاهر القوة المنفلتة، التي تذكر بأزمان صدام وهو يرفع بندقيته او
مسدسه بوجه الريح وبوجه الاعداء المفترضين امام جمهور يعاني من الكبت
والاضطهاد والاستبداد، لكن هذا الجمهور يتماهى مع تلك الصورة ويعود الى
زمن منقرض الا بتفاصيل تراكماته المفزعة.. لمن يوجه هذا الجمهور اسلحته؟
في الاعراس وفي تشييع قتلاه وفي افراحه الكروية وفي منازعاته؟
الطاغية يعيش في دواخلنا.
في المعطى نفسه، في الازياء هذه المرة، يتخلى وزير وصاحب حزب يقترن
الدستور باسمه، عن لباسه الذي يظهر فيه كثيرا على شاشات التلفاز، ليظهر
هذه المرة مرتديا الدشداشة العربية.
الانسان حر فيما يرتديه من ازياء في حياته اليومية، وهذه الحرية
وطبيعة الازياء وشكلها هي نسق ثقافي فيه المعلن والمضمر.
الصورة هي ايقونة هذا الزمن، الزمن المعولم، وهي ايضا فيها الكثير
من الخطاب المعلن والمضمر.
اختراق النسق الثقافي تعبير عن حاجة ملحة الى التغيير، تغيير الواقع
والقفز به من الحاضر الى المستقبل، او هكذا يفترص ان يكون.
الا ان وزير الداخلية العراقي يمارس دور النكوص لهذا الواقع، واقع
الطموح الى عبور اوسع.
الخبر المرافق للصورة يذكر ان السيد عمار الحكيم استقبل صباح
الاثنين 29\11 \2010، السيد جواد البولاني وزير الداخلية رئيس ائتلاف
وحدة العراق، في مكتب سماحته ببغداد.
وتناول اللقاء آخر مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية وجهود القوى
السياسية العراقية في تشكيل الحكومة القادمة بمشاركة جميع الكتل
الفائزة في الانتخابات والتي تمثل كافة مكونات وأطياف الشعب العراقي.
ما الذي تكشف عنه الصورة؟
رغم الفارق العمري بين الرجلين، ورغم كون البولاني وزيرا للداخلية،
وهو رئيس لحزب سياسي، ورئيس ائتلاف من عدة احزاب، نراه في الصورة
كتلميذ يتحدث الى استاذه، وهو في جلسته التي تشي بعدم الراحة يمسك
بمسند الكرسي الايسر وكانه خائف من الوقوع منه، او انه يحيل الى تشبثه
اللا واعي بكرسي الوزارة، او انه يطمع بكرسي وزارة اخرى في بازار
الوزارات والسباق نحوها في التشكيلة الجديدة.
وهو في توجهه الى صاحب كتلة سياسية اخرى، رغم الشكوك التي تحوم حول
موقعه بعد المعادلات الجديدة، يطمح الى تأييد لمثل هذا الطموح، او انه
يريد ان يحيل الى صورة تاريخية اخرى، من تاريخ العراق حين كان التحالف
قائما بين المؤسسة الدينية والعشائر وانه بارتدائه الدشداشة العربية
يؤكد التزامه بهذا التحالف القديم.
العقال الذي يرتديه البولاني مع الغترة يحيلان الى الجنوب العراقي،
وضع العقال كما يشرح العارفون به، يمكن ان يكشف عن الحالة المزاجية
والنفسية لمن يرتديه إذا كان في الوسط فهذا يعني أن مزاجه جيد جدا، اما
إذا كان مائلا الى اليمين او اليسار فهذا يعني أن مزاجه متعكر.
في العراق وايام الاقتتال الطائفي تسبب نوع الدشداشة بكثير من القتل
على الهوية او هكذا يقول البعض، فالدشداشة البيضاء القصيرة و اليشماغ
الأحمر وهما معروفان كلباس للمتدينين من أهل السنة، طالما كانت سبباً
في مقتل الكثيرين، مثلما كانت الدشداشة السوداء الطويلة و اليشماغ
المنقط سبباً في مقتل الكثير من أهل الشيعة في مناطق جنوب بغداد أو
أطراف الرمادي وديالى.
في بعض الدول العربية هناك صراع بين اصحاب الدشاديش واصحاب
البنطلون، وهو صراع يكشف الكثير من الجوانب الاقتصادية والثقافية
والاجتماعية، فبينما نجد اصحاب الدشاديش هم سادة القوم، نجد ان اصحاب
البنطلون هم الخدم وسائقي السيارات.
في العراق كانت الصورة معكوسة قبل ان تتريف معظم مدنه ومن ضمنها
بغداد، حيث كان اصحاب الدشاديش هم الفلاحون والكناسون والخدم وكان
اصحاب البنطلون ينظرون اليهم باحتقار.
من القصص الطريفة التي احتفظت بها الذاكرة العراقية ان السيد غازي
نفيسة في اوائل تشكيل المملكة العراقية في العشرينات، وهو مأمور
استهلاك قضاء الشامية، في لواء الديوانية جنوب العراق كان يلبس السترة
والبنطلون والقميص والرباط كسائر الموظفين المدنيين وقد ذهب لزيارة
بغداد وعاد بعد بضعة ايام من القصف والعربدة.
اخذ قطار البصرة المار بالديوانية، وكموظف محترم ركب في مقصورة من
الدرجة الأولى. ابت نفس السيد نفيسة ان يركب مع اصحاب الدشاديش من ركاب
الدرجة الثالثة. ما ان استقر في المقصورة، حتى رأى رجلا يلبس الدشداشة
والعقال، يدخل المقصورة. عاجله بالسوآل. (تسمح لي سيد. هذي درجة اولى)،
اجابه الرجل، «نعم استاذ اعرف انا حاجز فيها». ازداد مأمور الاستهلاك
عجبا واشمئزازا، قال لنفسه: وين وصلت بينا الدنيا بهذا الزمان؟ اهل
الدشاديش صاروا يركبون بالدرجة الأولى! هذي كلها من ورا الحكم الوطني.
طلّعوا عيون الناس ! المعيدي والأفندي صاروا سواء.
وقد اعاد صدام حسين في فترة حكمه، المجد الغابر للدشداشة من خلال
ارتدائه لها، وعمل الصور والجداريات الكبيرة لهذا الستايل للقائد
الضرورة.
وقد تم العثور على وثائق في قصر صدام حسين في بغداد بعد سقوط نظام
حزب البعث في العراق في 9 نيسان 2003 تتضمن هذه الوثائق اوامر رئاسية
موقعة باسم الرئيس صدام حسين إحدى هذه الوثائق و المرقمة 3215 والموقعة
في 1995 نصها:
(تصرف اكراميات عينية للسادة المرافقين والحماية الخاصة والحرس
الخاص شهريا كما يلي: 4 كروص سجائر اجنبية و 30 دجاجة واربع علب بيض
وتنكة دهن وكيس رز زنة 50 كغم وكيسين طحين زنة 50 كغم وحذاءين
ودشداشتين وغترتين وشماغين وعقالين).
الدشداشة العراقية احتفظت ببريقها في ازمان التغيير الممتدة من
الازمان المنقرضة، وشاهدنا الكثير من ساسة العراق الجدد يرتدونها بدءا
من غازي الياور، احد رؤساء مجلس الحكم بعد التغيير مرورا بعادل عبد
المهدي وطارق الهاشمي وليس انتهاءا بجواد البولاني. |