نقاء المحيط وأثره في بناء العائلة الناجحة

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: العائلة كما يؤكد علماء الاجتماع، هي الخلية الأهم التي تشترك في بناء المجتمع، وكلما صحّ بناء العائلة وتنقَّت الاجواء التي تنشط فيها، كلما انعكس ذلك إيجابيا على البناء المجتمعي، الامر الذي يتطلب نقاءً شاخصا في المحيط العائلي، كي ينعكس ذلك على عموم المجتمع، بيد أن تحقيق مثل هذا الهدف يتطلب اشتراطات هامة، ينبغي الالتزام بها، والعمل وفق ما تذهب إليه من خطوات إجرائية مفيدة وناجحة، لكي يتحقق الهدف المبتغى، وهو السعادة التي يبحث عنها الانسان دائما.

في هذا الصدد، يؤكد الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) بكتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه: الاجتماع ج2) على:

(ان من أهم الشرائط العائلية، أن يتمكن الزوجان من الحفاظ على نقاء المحيط العائلي، بالنسبة إلى أنفسهما وبالنسبة إلى الأولاد، فإن ذلك يؤمن سعادة العائلة أولاً، وسعادة مستقبل الأولاد ثانياً).

وهذا يعني بدوره أن هناك جوانب ينبغي الالتزام بها، من لدن الزوجين (الأب والأم)، والعمل بها لكي يتحقق البناء العائلي المنسجم والمنتج في آن، لأن الاختلاف بينهما سواء في الافكار، أو التوجهات، أو الاعمال وما شابه، لاريب سيؤدي الى نتائج تسيء للروابط التي تشد من أزر العائلة وتزيد من تماسكها، يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع بكتابه نفسه:

إن (الاختلافات الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والتربوية، بين الزوجين توجب سوء الروابط بين الزوجين، مما يبدل السعادة إلى الشقاء).

وثمة أسباب أخرى تسهم بدرجة او اخرى في إشاعة الاجواء المشحونة في العائلة، وتضاعف من حالات التشنج والغضب بين الزوجين، ما ينعكس ذلك على المحيط العائلي برمته، إذ يقول الامام الشيرازي بهذا الصدد:

(وهناك أسباب توجب سوء الروابط، مثل عدم المحبة، عدم الوفاء، عدم الرحمة، سوء الأخلاق، شدة الكلام، السباب، الحسد، ترجيح الزوج إحدى زوجاته على الأخريات، الكبر، الغرور، عدم اعتناء الزوجة بنفسها لزوجها، خصوصاً إذا كانت تعتني بنفسها للضيوف، وعند الخروج من الدار، عدم الاهتمام بالأكل واللباس والنظافة، الكذب، سوء الظن).

وثمة جوانب اخرى تجعل من عدم الانسجام العائلي حالة شبه دائمة، وهو ما ينبغي تجاوزه من قبل الزوجين أولا، وقد أجمل الامام الشيرازي هذه النواقص التي تعكّر الصفو العائلي والتي ينبغي تجنبها وتحاشيها، ومنها:

(شرب الخمر واستعمال المخدرات، والكسل، والنوم الكثير، وعدم اعتناء أحدهما بالآخر، لمطالعة أو ما أشبه، احتقار أحدهما الآخر أو عمله أو أقربائه، العلاقة الشديدة بين أحدهما وبين أقربائه، قبح أحدهما أو نقصه، سوء تصرف أحدهما).

إن هذه النواقص تشيع في الجو العائلي نوعا من عدم الاستقرار واللاثقة، ليس بين الزوج وزوجته فحسب، بل بين افراد العائلة ايضا، فالابن والبنت حين يفتحان عيونهما على جو عائلي مشحون بالعراك، والتناقض، والخداع، والتبرير وما شابه، لابد أنهما سينموان ويترعرعان في جو غير سليم، لا يصلح كأساس لبناء الخلية العائلية التي يمكنها أن تسهم بنجاح في بناء المجتمع.

وقد يبدأ التناقض بين الزوجين من حالات صغيرة أو تافهة، او تبدو للمتابع أنها غير مؤثرة في صميم العلاقات العائلية، ولكنها مع الوقت وبالتراكم سوف تسهم في خلق مشكلات وتناقضات أكبر بين الزوجين اللذين هما المرتكز الأهم للعائلة كلها، فمثل هذه المشكلات الصغيرة ستقود الى اكبر منها، كما يؤكد الامام الشيرازي ذلك بحدوث: (عدم التوافق الجنسي، نفسياً، أو جسدياً، أو عملياً، وموضعاً). وهكذا تصبح العلاقات العائلية أكثر تعقيدا، بسبب الاشكالات التي تحدث بين الزوجين أولا.

وثمة أطراف يمكنها أن تساعد على تنقية الاجواء العائلية او تعقدها أكثر، كما يشير الامام الشيرازي الى ذلك بقوله: إن (عائلة كل واحد من الزوجين، لها علاقة كبيرة بإساءة المحيط العائلي أو تحسينه، كما أن أصدقاء كل منهما له نفس الأثر، وعليه يكون اللازم على الأقرباء أن يراعوا الله في حفظ المحيط وتحسينه، وكذلك بالنسبة إلى الأصدقاء). وهناك سبل يمكن من خلالها تحسين الاجواء العائلية، ومنها كما يذكر الامام الشيرازي في كتابه القيّم نفسه:

(تأسيس المؤسسات لتكثير ولتحسين الروابط العائلية، كجمعيات خيرية، لها فروع، فرع لتزويج العزاب - حتى المطلقات والأرامل والمطلقين من ماتت زوجته- مثلا: وفرع سد حاجات العائلات، من الحوائج اللازمة).

وهكذا... يمكننا من خلال هذه الخطوات، تحقيق الوئام العائلي، وصولا الى بناء المجتمع الناجح، ولكن لابد من القول، بأن مثل هذه الاهداف الكبيرة، تحتاج الى مبادرات مدروسة ومخطط لها سلفا، ناهيك عن آلية التنفيذ، التي ينبغي أن تكون متقنة ومضمونة، من أجل تحقيق النقاء الأمثل في المحيط العائلي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/تشرين الثاني/2010 - 22/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م