الصين وشعوب طريق الحرير

شبكة النبأ: كان وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو في الصين هذا الشهر وهو يروج ل "نموذج التعاون الجديد" بين أنقرة وبكين. وإن مستشارا سياسيا رفيع المستوى لرئيس مجلس الدولة الصينى وين جياباو قد أمضى خمسة أيام في سوريا حيث كان يوقع على اتفاقيات ويزرع أشجار الزيتون في مرتفعات الجولان. ويبدو أن المملكة الوسطى تغرس جذورا عميقة في الشرق الأوسط هذه الأيام.

غير أن تمدد "جمهورية الصين الشعبية" بعيد وواسع حيث يمتد من الشرق الأقصى إلى إفريقيا إلى أمريكا اللاتينية، ومصالحها في الشرق الأوسط ليس جديدا ولا مفاجئا: فالصين تحصل على أكثر من ربع وارداتها النفطية من الخليج الفارسي ولها استثمارات بالمليارات في قطاع النفط الإيراني.

ورغم ذلك يبدو مؤخرا أن بكين تنجز قفزة أكبر إلى الأمام وهو التطور الذي حفزه الانسحاب البطيء لواشنطن من المنطقة.

البداية كانت في التسعينات حيث ملأت الصين فراغا في سوريا خلفه الاتحاد السوفيتي المنهار إذ زودت الدولة الإرهابية بعدد متنوع من الصواريخ. واليوم يوفي الرئيس السوري بشار الأسد بوعده الذي قطعه على نفسه في 2004 بــ "الاتجاه شرقا" نحو آسيا للهروب من القبضة الغربية التي تمسك بخناق الشرق الأوسط.

وبالإضافة إلى العمل كمصدر مستمر يمكن الاعتماد عليه للأسلحة، استثمرت الصين بقوة في تحديث قطاع الطاقة قديم الطراز في سوريا.

والأكثر إدهاشا هو الجولات السريعة لبكين مع الحكومة الإسلاموية في أنقرة التي يرأسها رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان. ففي تشرين الأول/ أكتوبر كان وين هو أول رئيس وزراء صيني يزور تركيا في السنوات الثمانية الماضية.

وقد وقع كل من أردوجان ووين ثمانية عروض منها اتفاقية لتحويل طريق الحرير القديم إلى "سكك حرير حديدية" تربط الصين بتركيا. الأمر الأكثر أهمية وإزعاجا من العلاقة الاقتصادية الناشئة هو العلاقة العسكرية الوليدة بين شريك "حلف شمال الاطلسي" وهو تركيا والصين.

والدلالة الأحدث على هذه العلاقات كانت هي التضمين غير المسبوق في أكتوبر لطائرات صينية حربية في المناورات التدريبية للجيش التركي والمسماة بمناورات نسر الأناضول وهي مناورات ضمت قبل ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل.

ورغم ما يقال من أن تركيا قد تركت طائراتها إف 16 الحديثة أمريكية الصنع في حظيرتها أثناء المناورات وطيرت بدلا منها إف 4 التي أخرجتها القوات الجوية الأمريكية من الخدمة في 1996 إلا أن الضرر قد تحقق بالفعل.

فالمشاركة الصينية في المناورات قد فاقمت من أزمة الثقة الموجودة بالفعل بين واشنطن وشريكتها في "حلف شمال الاطلسي" تركيا. كما أن الإعلان المشترك في أكتوبر عن أن الصين وتركيا قد طورا رسميا علاقتهما الثنائية إلى "شراكة استراتيجية" إنما يزيد الطين بلة.

فبكين لم تختر إيران وسوريا وتركيا كنقطة محورية في "تواصلها" الإقليمي بالمصادفة. كما أن هذه المصفوفة الشمالية من الدول الشرق أوسطية كلها لها علاقات معقدة إن لم تكن شائكة مع الولايات المتحدة كما أنها تتمتع في ذات الوقت بروابط وثيقة مع بعضها البعض. ولاستكمال هذه الثلاثية، يبدو أن الصين تتطلع إلى العراق لتكون هي الهدف القادم لهجومها المُغري.

فالصين هي المستثمر الرئيسي في النفط والغاز بالعراق كما أنها تدفع الملايين لحماية استثماراتها هناك. وهذا الأمر ليس مدهشا لأن العراق لديها أكبر احتياطي نفط معروف في العالم.

كما اشترت الصين أيضا ود بغداد وأبدت نيتها الحسنة بإسقاط ما بين ستة مليارات إلى ثمانية مليارات دولارات وهي ديون عراقية تراكمت خلال عهد صدام حسين. كما أن بكين قد نجحت في إبرام صفقات بيع أسلحة تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار دولار أمريكي إلى الحكومة الجديدة في بغداد.

وبالنظر إلى الوجود الصيني المتمدد عبر أنحاء العالم- والذي يرجع جزئيا على الأقل لحقيقة أن السياسة الخارجية خالية من الاعتبارات الأخلاقية - فإنه من غير الواقعي تصور أن واشنطن كان يمكنها نوعا ما إبعاد بكين عن الشرق الأوسط. وبالفعل فإن غياب الاعتبارات الأخلاقية بالذات وليس المصلحة الوطنية يجعل الصين شريكا مغريا للدول في منطقة يشيع فيها الحكم الشمولي.

وعلى الأرجح ترى بعض دول الشرق الأوسط الصين أيضا أداة مفيدة لإحداث تعادل في التوازن ضد الغرب. ومع ذلك، فإن الأكثر إزعاجا هنا هو أن المعدل السريع للتقدم الصيني يحدث وسط تصور إقليمي متنام بأن الولايات المتحدة تنسحب من الشرق الأوسط.

ورغم أن الصين تملك جزء كبيرا من ديون الولايات المتحدة ، والعلاقات التجارية قوية إلا أنه في نهاية المطاف تظل الدولتان متنافستين على المستويين الاستراتيجي والاقتصادي مع رؤى عالمية تختلف اختلافا عميقا.

وربما أن هذه اللعبة الكبيرة سوف تنتهي بأن تكون واشنطن وبكين حليفتين، رغم ذلك، سوف تظهر تسوية مؤقتة بين القوتين، وحتى ذلك الحين، ينبغي لواشنطن أن تعمل على تقوية حلفائها الإقليميين الباقين،

وأن تعيد ترسيخ وجودها في المنطقة. وبدون هذا النوع من الالتزام المتجدد سوف تستمر الصين في بسط سيطرتها ونثر البذور لدور استراتيجي جديد بل وأقل نفعا في الشرق الأوسط للولايات المتحدة.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 28/تشرين الثاني/2010 - 21/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م