ظاهرة استعباد المرأة في المجتمعات الشرقية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الحديث عن أوضاع المرأة وطبيعة حياتها، في مجتمعاتنا العربية والاسلامية والشرقية عموما، بات أشبه بالاسطوانة المشروخة أو المعروفة سلفا، إذ يركّز معظم المعنيين في أفكارهم وكتاباتهم على الاوضاع الصعبة التي تعيشها المرأة في ظل سيطرة ذكورية تامة وتفضيل واضح لمصلحة الرجل على حساب مصالح المرأة وإنسانيتها.

وطالما أن هذا الحال أمر واقع، فلا بأس من أن يتصدى له المفكرون من كلا الجنسين، بل هو أمر واجب على الطرفين، لأن المرأة كما هو متفق عليه بين الجميع، تشكل نسبة كبيرة من النسيج المجتمعي الذي قد يفوق النصف احيانا، ناهيك عن أهمية الدور الملقى على عاتق المرأة، في الجوانب العملية والمعنوية، التي تنشط وتتحرك في حدودها وفضاءاتها، بكلمة مختصرة، أن دور المرأة من الاهمية بحيث يستحيل تجاوزه أو تهميشه، فيما لو فكّر العقلاء ببناء المجتمع بصورة سليمة.

لكن واقع الحال في مجتمعاتنا، يشير الى تجاهل دور المرأة في البناء المجتمعي، بل قد يصل الامر الى محاربة المرأة، وتحييدها تماما، وحصر أدوارها في مجالات الجنس، والامور التي تتعلق بخدمة الرجل البيتية وغيرها، ولعل النظر الى المرأة بهذا المنظار الاحادي، يشكل عيبا كبيرا في نظرة الرجل وسلوكه حيال المرأة، كما أن النتائج التي ستفرزها مثل هذه النظرة وهذا السلوك المستعبٍد، ستلقي بظلالها على التكوين الاخلاقي والتربوي للمجتمع على نحو عام.

بمعنى أن المجتمع الذي ينشأ ويقوم على تهميش المرأة، وتحييد طاقاتها وحصرها في مجال ضيق، سيبقى مجتمعا أحاديا، تسوده النزعة الذكورية المتسلطة، وتعبث فيه الاهواء الانانية التي تعطي للرجل كل ما يهوى ويريد، وتمنع عن المرأة حقوقها، المتمثلة بتنشيط دورها في بناء المجتمع، من خلال حفظ كرامتها أولا، ثم فتح آفاق الأعمال المناسبة لها على مصاريعها.

وهذا يعني أن المرأة لها طاقات فكرية وعضلية أيضا، تناسب تكوينها البايولوجي، ولها القدرة على الابداع العملي والفكري والتربوي، لأن فتح الآفاق المناسبة لها أمام قدراتها، سيسهم بصورة او اخرى ببناء شخصيتها وتكاملها، وبالتالي يسهم بنجاحها في دورها ببناء المجتمع، سواء في المجال التربوي، او العملي، او الفكري، وسوى ذلك الكثير، أما النظرة القاصرة، التي تدفع الرجل الى تقليص مجالات الابداع النسوي، فإنها تضر بالحميع بمن فيهم الرجل نفسه.

والسبب واضح وضوح الشمس، فالمرأة عنصر فاعل في المجتمع، واذا ما تم تهميشها، هذا يعني إقصاءً قسريا لطاقات مضافة الى الطاقات المجتمعية الاخرى، واذا تم حصر نشاطها في جانب واحد يتسم بالضيق والانغلاق والتحجر، فإن الخسارة التي ستلحق بالمجتمع ستكون كبيرة وباهضة الثمن.

المطلوب أن يعرف الرجل والمرأة معا، بأن استعباد المرأة ليس في صالح المجتمع، وعلى الرجل أن يترفع قليلا، ويغادر حالة الغرور التي تجعله أكثر انغلاقا بشأن المرأة، وابداعها في المجالات التربوية والعملية المناسبة لها، ولو اردنا البحث في جذور هذه النظرة الاستعلائية من لدن الرجل حيال المرأة، فإننا يمكن أن نقول بأن جذورها قديمة قِدَم النشأة البشرية، لكن الشعوب وعت وتطورت وعرفت كيف تبني نفسها بطريقة سليمة، حين آمن الرجل بدور المرأة الهام في صناعة الحياة، وحين تعاون معها وبرّز قدراتها وساعدها في بناء الشخصية النسوية الواثقة، والناجحة في مجالات العمل المناسب لها ولقدراتها الجسمانية، كما أن المرأة نفسها ينبغي أن تسهم بتفعيل دورها وترسيخ حضورها في العمل المجتمعي على نحو دائم.

وهكذا نلاحظ أهمية التعاون المتبادل بين الطرفين الرجل والمرأة، من اجل القضاء على ظاهرة استعباد الأنثى، والحط من قيمتها وكرامتها وهو أمر لايمس المرأة حصرا، بل يتجاوز ذلك الى عموم مكونات المجتمع بمن فيهم الرجل نفسه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 28/تشرين الثاني/2010 - 21/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م