المرجع الشيرازي: الغدير يصنع إنساناً والخط المضاد يصنع ظالماً

 

* الملاك في تربية الغدير هي طاعة الله والعمل بأوامره ونواهيه في كل شيء  إن هدف الغدير هو الطاعة الكاملة لله تعالى

* الملاك في الخط المضاد للغدير فهو التسلّط والحكومة بأي ثمن كان ومهما كانت الوسيلة

* إن الذين حكموا باسم الإسلام وادّعوا أنهم خلفاء الرسول كذباً ودجلاً من بني أمية وبني العباس وغيرهم صنعوا قانوناً وجعلوه أساس حكمهم وسلطتهم، وهو: من لا يبرأ من عليّ يدفن حيّاً

* انظروا إلى العراق، فكم ارتكبت بحقّه الجرائم من قِبل الذين صنعهم الخطّ المضاد للغدير

* في طليعة مسؤولياتنا اليوم، بل وأهمها وعلى رأسها هي تعريف الغدير ومبادئ الغدير وأحكام الغدير وفكر الغدير وثقافة الغدير للبشرية جمعاء

 

شبكة النبأ: قال المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي إن للغدير تربية خاصة، وفي المقابل هنالك للخط المضاد للغدير أيضاً تربية خاصة به والملاك في الخط المضاد للغدير فهو التسلّط والحكومة بأي ثمن كان ومهما كانت الوسيلة والغدير يصنع إنساناً، أما الخط المضاد للغدير فإنه يصنع ظالماً، والجرائم التي تقع اليوم في البلاد الإسلامية وغيرها بأنها من امتدادات الخط المضاد للغدير، ففي طليعة مسؤولياتنا اليوم، بل وأهمها وعلى رأسها هي تعريف الغدير ومبادئ الغدير وأحكام الغدير وفكر الغدير وثقافة الغدير للبشرية جمعاء.

جاء ذلك عشية حلول عيد الله الأكبر، عيد الغدير الأغرّ، حيث تطرّق سماحته دام ظله في درسه (خارج الفقه) صباح يوم الأربعاء الموافق للسابع عشر من شهر ذي الحجّة الحرام 1431للهجرة، تطرّق إلى هذه الذكرى العظيمة وقال:

قال مولانا الإمام عليّ الهادي صلوات الله عليه في الزيارة الغديرية مخاطباً جدّه الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «ولقد أوضَحْتَ ما أشكل من ذلك لمن توهّم وامترى بقولك صلى الله عليك قد يرى الحُوَّلُ القُلَّبُ وجه الحيلة ودونها حاجز من تقوى الله فيدعها رأي العين، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين».

وقال سماحته موضّحاً: إن معنى كلام الإمام صلوات الله عليه هو: إنني أعلم وجه الحِيَل ولكن يمنعني من ذلك تقوى الله تعالى، لكن غيّري لأنه عاصياً لله تعالى فإنه لا يتوانى عن فعل أي شيء، وعن استعمال أي مكر وأية حيلة.

وقال سماحته: إن للغدير تربية خاصة، وفي المقابل هنالك للخط المضاد للغدير أيضاً تربية خاصة به. فالملاك في تربية الغدير هي طاعة الله والعمل بأوامره ونواهيه في كل شيء، وبعبارة أخرى إن هدف الغدير هو الطاعة الكاملة لله تعالى.

أما الملاك في الخط المضاد للغدير فهو التسلّط والحكومة بأي ثمن كان ومهما كانت الوسيلة. وبعبارة أخرى إن الخط المضاد للغدير لا يعرف معنى لطاعة الله ولا للإمتثال لأوامره ونواهيه جلّ وعلا.

إن الغدير يصنع إنساناً، أما الخط المضاد للغدير فإنه يصنع ظالماً.

وأشار سماحته إلى نماذج من تربية الغدير ونماذج من تربية الخط المضاد للغدير بذكره شواهد من التاريخ، وقال: لقد حفل التاريخ بالكثير من الشواهد والنماذج ممن ترّبوا على تربية الغدير، ومنهم أبوذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه.

إن أباذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه كان في بادئ أمره ـ أي قبل الإسلام ـ من قطّاع الطرق، ولكنه وبعد أن اسلم وتربّى في مدرسة الغدير، صار من خلّص المؤمنين وارتقى في ذلك أن آل أمره بأن مات جوعاً وذلك بسبب دفاعه عن الغدير وعن ولاية الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. ولقد حاول عثمان أن يستميل أباذر بأن أرسل إليه مقداراً من الأموال بواسطة أحد مواليه وكان قد وعده بالحرية إن قبلها منه أباذر، فلما رفضها قال مولى عثمان لأبي ذر: اقبلها فإن فيها عتقي، فقال له أبي ذر: لكن فيها رقّي.

ومن الذين ربّاهم الغدير هو محمد ابن أبي عمير. فقد كان ابن أبي عمير بزّازاً وكان ثرياً، وبسبب كونه من أصحاب الإمام الكاظم صلوات الله عليه، صادر هارون العباسي أمواله كلها وحبسه في السجن 17 عاماً ومارس بحقّه أشدّ أنواع التعذيب. وعندما خرج ابن أبي عمير من السجن، خرج فقيراً لا يملك حتى درهماً واحداً. وكان ابن أبي عمير قد أقرض شخص مبلغاً من المال قبل أن يودع السجن، فعندما أطلق سراح ابن أبي عمير جاء ذلك اشخص لزيارته، فرأى ما على ابن أبي عمير من الفقر، فقام ببيع داره وجاء بمبلغه وأعطاه لابن أبي عمير وقال له هذا دَينك ليّ. فامتنع ابن أبي عمير من أخذ المبلغ وقال له: سمعت من أبي عبد الله الصادق صلوات الله عليه أنه قال: «لا تُباع الدار بالدَين».

وعقّب سماحته: لقد كان بإمكان ابن أبي عمير أن يقبل المال من ذلك الشخص ولم يكن عليه أي حرج، لأن الشخص المذكور قام باختياره ببيع داره، لكن ابن أبي عمير امتنع عن قبول ذلك لأنه من تربية الغدير، مع أنه كان بأمسّ الحاجة حتى إلى الدرهم الواحد.

نعم، هكذا يربّي الغدير، أي مثل أبي ذر ومثل ابن أبي عمير. فالغدير يربّي الصالحين، وإن أباذر وابن ابي عمير ومن تربّى مثلهم على تربية الغدير هم الذين يربّون المجتمع الصالح والأمة الصالحة.

وفي سياق حديثه أشار سماحته إلى نماذج ممن صنعهم الخط المضاد للغدير وقال: إن الذين حكموا باسم الإسلام وادّعوا أنهم خلفاء الرسول كذباً ودجلاً من بني أمية وبني العباس وغيرهم صنعوا قانوناً وجعلوه أساس حكمهم وسلطتهم، وهو: من لا يبرأ من عليّ يدفن حيّاً. وقد ارتكبوا جرّاء ذلك الكثير والكثير من الجرائم، ومنهم ابن زياد. ومن أفعال ابن زياد أنه قبض على ميثم التمّار رضوان الله تعالى عليه وقال له: لتبرأنّ من عليّ ولتذكرنّ مساوئه وتتولّى عثمان وتذكر محاسنه أو لأقطعنّ يديك ورجليك ولأصلبنّك. فلم يعمل ميثم بذلك واستشهد رضوان الله تعالى عليه.

وعقّب سماحته: لاحظوا كيف أن الذين ربّاهم الغدير كانوا على ثبات في أمرهم وفي حبّهم وولائهم للإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بحيث لم يتنازلوا عن ذلك حتى بالظاهر أي بالتقية. فميثم التمار كان يعلم جيداً ويفهم معنى التقية ومجالات العمل بها، لكنه لم يعمل بها وفضّل الموت عليها.

وفي مجال جواز العمل بالتقية أو عدم جواز ذلك أوضح سماحته: أحياناً يكون الإنسان مخيّراً في العمل بالتقية أو عدم العمل بها، وهذا ما صرّحت به الروايات الشريفة، ولا إشكال في ذلك. فعمّار بن ياسر مثلاً عمل بالتقية فنجى من الموت، أما والداه فلم يعملا بالتقية واستشهدا. وأحياناً يكون العمل بالتقية حرام، لأنه يوجب إخفاء الحق. فأبي ذر كان يعلم أن العمل بالتقية يوجب إخفاء الحق ومساندة الباطل لذلك رفض ما أرسله عثمان، وقال: «قد أصبحت غنيّاً بولاية عليّ بن أبي طالب وعترته الهادين المهديين الراضين المرضيين الذين يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ».

واعتبر سماحته الجرائم التي تقع اليوم في البلاد الإسلامية وغيرها بأنها من امتدادات الخط المضاد للغدير وقال: انظروا إلى حال الدول الإسلامية اليوم، فكم فيها من المظالم كالتعذيب والقتل، والتفجيرات.

انظروا إلى العراق، فكم ارتكبت بحقّه الجرائم من قِبل الذين صنعهم الخطّ المضاد للغدير.

لقد ملأوا العراق بالمقابر الجماعية التي لازالت تكتشف إلى ساعتنا هذه، وكم قتلوا من الأبرياء في ذلك البلد، وكم فجّروا في كربلاء المقدّسة والنجف الأشرف والكاظمية المقدّسة وفجّروا المرقد الطاهر للإمامين العسكريين صلوات الله عليهما في سامراء المشرّفة. وكم فجّروا وقتلوا الأبرياء في باكستان وأفغانستان وفي غيرها من البلاد الإسلامية وغير الإسلامية.

وأكد دام ظله: لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبة الغدير: «فليبلّغ الشاهد الغائب»(5). وهذا الخطاب من رسول الله صلى الله عليه وآله يصدق علينا نحن أهل العلم. ففي طليعة مسؤولياتنا اليوم، بل وأهمها وعلى رأسها هي تعريف الغدير ومبادئ الغدير وأحكام الغدير وفكر الغدير وثقافة الغدير للبشرية جمعاء.

إن العمل بهذه المسؤولية اليوم ضروري جداً ولا يزاحم الواجب العيني.

لذا فمع تيسر الإمكانات في عصرنا الحالي، على أهل العلم الذين يتمتعون بطاقات وقدرات كبيرة، عليهم أن يقوموا بهذه المسؤولية ويؤدّوها، وهي تعريف ونشر الغدير للناس جميعاً.

وختم سماحته كلمته بقوله: أبارك هذا العيد السعيد وهو أعظم الأعياد إلى المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وأرجو الله تعالى أن تشملنا رعاية مولانا الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف كي نقوم بهذه المسؤولية على أحسن وجه. وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.

إصدار جديد

من جهة اخرى صدر عن مؤسسة الأنوار الأربعة عشر صلوات الله عليهم الثقافية (في لبنان)، كتاب جديد عن مناسبة الغدير وهو كتاب: « الغدير.. ثقافة ومسؤولية».

والكتاب عبارة عن محاضرة لسماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، ألقاها سماحته بمناسبة ذكرى عيد الغدير الأغرّ، خلال درسه (خارج الفقه) في مسجد الإمام زين العابدين صلوات الله عليه، في الرابع عشر من شهر ذي الحجّة الحرام 1430 للهجرة.

هذا الكتاب من إعداد مؤسسة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله الثقافية، وتعريب الأخ علاء حسين الكاظمي.

ويقع الكتاب في (28) صفحة من الحجم الرقعي (10×17)، وطبع في (دار المؤمل للطباعة والنشر في بيروت)،

ومما جاء في مقدمة الإصدار الجديد:

لقد خسرت الأمة كثيراً بإقصاء الغدير، وتجاوزه، وتنحية القرار الرباني، خسرت صحّة عقيدتها وطاعة ربّها، وفرّت إلى غابات كالحة من العتمة والضياع والتشرذم، وأهدرت طاقات كثيرة، وغيّبت آل النبي وعترته الطاهرين صلوات الله عليهم عن صناعة مسار الأمة وخياراتها، وأريقت بحار من الدماء حينما افترق القرآن عن العترة لدى المسلمين، فأصبحوا أصحاب مذاهب شتّى ودروب متعدّدة، ألقت الشياطين حبالها بينهم، وعزلتهم عن الولاية وعطّلت أحكام النبوّة، وبرهنت الأمة أنها أخفقت في هذا الامتحان المهم.

ومن عناوينه:

نتائج حرمان الأمة من مواهب الإمام، الغدير في القرآن، الغدير هو الإسلام، من جرائم من حكم باسم الإسلام، من تربية الغدير، تعريف الغدير مسؤولية عامة، وغيرها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/تشرين الثاني/2010 - 18/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م