ليس من السهل والطبيعي أن تمر علينا ذكرى يوم (الغدير) الأغر ونحتفل
بهذا العيد العظيم... عيد الولاية وتأسيس نظام الحكم العادل، فيما نحن
والى جوار صاحب الذكرى أمير المؤمنين عليه السلام، ما نزال عاجزين عن
تشكيل حكومة لا تدير شؤون البلاد الاسلامية من اقصى الشرق الى اقصى
الغرب كما كان الحال في عهد الامام عليه السلام، إنما على رقعة جغرافية
محدود وصغيرة جداً هي العراق.
فاين المشكلة يا ترى...؟
احياناً اشعر أن احتفاءنا وبهجتنا بهذا العيد السعيد تشبه الى حدٍ
ما الحالة التي كان عليها اخواننا المسلمون الذين سبقونا في مبايعة
الامام علي أميراً للمؤمنين بشكل رسمي – طبعاً- فقد تزاحم الناس آنذاك
على الامام طالبين منه قبول الخلافة، يحملهم في ذلك الكم الهائل من
المعاناة والاسقاطات التي خلفها الحكام السابقون، أي ان الامام في
نظرهم هو الأمل الذي ينقذهم مما عانوه من اضطهاد وتمييز وضياع للقيم
والمبادئ، كذلك فعل العراقيون اليوم عندما تزاحموا باشكال مختلفة وفي
مناسبات عديدة بحثاً عمن ينقذهم من الويلات والمعاناة التي يعيشونها
منذ ثلاث عقود، لكن لنسمع ما قاله أمير المؤمنين لأولئك المتزاحمين وهو
يجيبهم على طلبهم قائلاً: (أن أكون لكم وزيراً خير لي من أن اكون أميراً)،
فالامام عليه السلام كان يرى – وهو الحق- أن الذين أمامه لا يدركون
المعنى الحقيقي للولاية والخلافة الاسلامية، لذا فان وزيراً يقدم لهم
المشورة خيراً من أمير يحكمهم، بينما الشريحة السياسية في عراق اليوم
والتي تعلن الولاء لـ (الغدير) قد حسمت أمرها منذ البداية و لبّت
نداءات ومطالب المضطهدين وأعلنت تصديها للزعامة والحكم مؤكدةً انها
ستكون على قدر من المسؤولية لتغيير أحوال واوضاع الشعب العراقي الى
الأفضل.
فهم قبل ان يتحققوا من القابليات لدى الشعب العراقي وما يفيده من
اسلوب الحكم، وقبل ان يتحققوا من انفسهم ايضاً، اقتحموا الساحة
السياسية، وفي كل الاحوال لا عودة لعقارب الساعة الى الوراء، ولابد من
تحمل المسؤولية والامانة كاملة، لكن لابد ايضاً لمسؤولينا ان يتذكروا
جيداً أنهم محظوظون جداً عندما لم يشهدوا تكرار ما حصل للامام علي عليه
السلام الذي اراد من خلال الحكم ان يُحيي النهج الاسلامي في الحكم
وادارة شؤون البلاد والعباد، لكنه واجه النكوص والخذلان بل وحتى
المعارضة المسلحة وفي الختام الاغتيال، بينما شعبنا اليوم تفاعل منذ
البداية وما يزال مع مجرد وعود اطلقها السياسيون لبديل أفضل، وهذا دليل
وعي وثقافة لا بأس بها لدى الشعب العراقي، فما كانت المكافأة؟
نتساءل عن المكافأة مع حلول ذكرى عيد (الغدير)، علماً اننا لا نقصد
بتاتاً المكافأة المادية، لأننا بذلك سنبتعد عن نهج الامام علي عليه
السلام الذي قدم الحديدة المحماة بدلاً من المال لأخيه عقيل، إنما
المكافأة التي تساعد الناس على سلوك طريق التقدم والتطور في جميع
مجالات الحياة، وذلك ليس بعسير او بعيد على العراق والعراقيين وهم يرون
غيرهم او بالقرب منهم شعوباً تتقدم وتُسعد، أما هم فانهم يجدون
مسؤوليهم وقبل ان يكونوا لهم مشاورين وناصحين، يقربون لهم (الغدير)
بمفاهيمه وقيمة الناصعة ليرتوي منها الضامئون، يواصلون لعبة (شدّ
الحبل) والبحث عن المصالح الفئوية وحتى الشخصية، واحياناً يرشح ذلك من
خلال وسائل الاعلام ليرى الجميع هذا اللعب وكأنه مباريات جدّية تتطلب
فقط المتابعة والهدوء!!
ستتشكل الحكومة يوماً ما، لكن لا اعتقد انها ستمحى من ذاكرة
(الغدير)، فقد عيّد طيف واسع من العراقيين في هذا اليوم الأغر، سواء
بزيارتهم مرقد أمير المؤمنين عليه السلام وأداء مناسك الزيارة، او
قاموا بذلك في مناطقهم، فالابتسامة على شفاههم يهنئون بعضهم البعض بعيد
الولاية، والحسرة في نفوسهم لأنهم يحتفلون بعيد الغدير ويتصورون ان عدد
لابأس به من سياسييهم يشاركونهم العقيدة في (الغدير)، ثم لا يجدوا نسخة
ولو مصغرة أو قطرة بسيطة من (الغدير) تحل أول وابسط قضية في ادارة
الدولة وهي تشكيل الحكومة، والتي حسمها أمير المؤمنين خلال ساعات، إلا
اللهم يتغير التصور العام ويتم الاعلان بان قضية (الغدير)، لا علاقة
لها بالسياسة، بل هي قضية دينية تتعلق بالاحكام الشرعية وحسب. |