من عدة جوانب تقرأ وتفسر اية التبليغ بالولاية (يا أيها الرسول بلغ
ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس
إن الله لا يهدي القوم الكافرين ) وقد ثبت معناها تاريخيا وبلاغيا
ومنطقيا ومن مصادر المخالفين قبل الموالين.
وقد استوقفتي كلمتين في هذه الآية الاولى "ما انزل" والثانية "وان
لم تفعل" فان لهما مدارك ونكات من صميم عقيدة الامامية.
"ما انزل اليك" فمعناها واضح جدا ان هنالك شيء ما انزل على رسول
الله قبل نزول الآية وهذا الذي انزل ليس هو بحديث قدسي بل ايحاء من
الله عز وجل عن طريق جبرائيل عليه السلام الى النبي محمد (ص)،لرب سائل
يقول لماذا لا تكون الولاية صريحة؟
هنا نقول ان الصلاة لم تذكر عدد ركعاتها واوقاتها وكيفيتها؟ ذكر
الصوم ماهي احكامه لم تذكر، ذكر الحج ماهي احكامه لم تذكر، ذكرت الزكاة
ماهي احكامها لم تذكر، فمن اين جاءت الاحكام؟ نزلت احكامها على رسول
الله كما نزل الاقرار بالولاية لعلي عليه السلام، فقد روي مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوب الكُلَيْنِيّ معنعنا عن أبا الجارود قال: سمعت أبا
جعفر عليه السلام يقول: فرض الله عزّ وجلّ علی العباد خمساً،
أخذوا أربعاً؛ وتركوا واحداً! قلتُ: أتسمّيهنّ لي جعلت فداك؟! فقال:
الصلاة وكان الناس لايدرون كيف يصلّون؛ فنزل جبرئيل عليه
السلام فقال: يا محمّد أخبرهم بمواقيت صلاتهم! ثمّ نزلت الزكاة؛
فقال: يا محمّد! أخبرهم من زكاتهم! ما أخبرتهم من صلاتهم! ثمّ
نزل الصوم، فكان رسول الله صلّي الله عليه وآله إذا كان يوم
عاشوراء، بعث إلی ما حوله من القري، فصاموا ذلك اليوم، فنزل
الصوم في شهر رمضان بين شعبان وشوّال. ثمّ نزل الحجّ؛ فنزل
جبرئيل عليه السلام، فقال: أخبرهم من حجّهم! ما أخبرتهم من
صلاتهم وزكاتهم وصومهم!
كما وان ولاية علي عليه السلام كانت صريحة في يوم انذار العشيرة(
وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {الشعراء/214} التي نزلت في
بداية الدعوة في مكة وقد نصب رسول الله (ص) علي عليه السلام بانه وزيره
وخليفته ووريثه، اضافة الى اية دفع الزكاة وهو راكع (إِنَّمَا
وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ {المائدة/55})
واما " وان لم تفعل " ففيها ثلاث مداليل، الاول اهمية الحدث وضرورة
التبليغ والتحذير في حالة عدم التبليغ وقد كتب عن هذا الموضوع كثيرا،
والثاني تدل العبارة على ان الولاية نزلت على رسول الله اكثر من مرة
ولكن خوف رسول الله من قومه وبعض صحابته والمنافقين جعله يتردد في
تبليغهم والزامهم بولاية علي عليه السلام بدليل ( والله يعصمك من الناس
)، والثالثة ان كلمة ان لم تفعل دليل على الامر بين الامرين لا جبر ولا
تفويض ولان رسول الله صلى الله عليه واله على درجة عالية من الخلق فانه
استطاع ان يتحمل الرسالة وتبليغها باكمل وجه مما منحته العصمة اي ان ما
بلغ به النبي محمد (ص) من الرسالة الالهية كانت بملء قناعته وايمانه
بها ولم يكن مسير في تبليغها الا انها جاءت بحكمة الله عز وجل، كما وان
لم تفعل دليل على قرب رحيل رسول الله الى الرفيق الاعلى لان التحذير
والتشديد على التبليغ دليل على انه لا وجود متسع للوقت ومن هنا نجد ان
الغدير جاءت في ظروف تلفت الانتباه حيث التجمع البشري وفي وسط الطريق
وحرارة الشمس التي لا يستطيع الفرد تحملها تتوقف القافلة لتنصيب علي
عليه السلام بالولاية كما وان رسول الله استرسل بالحديث عندما قال لهم
الست اولى بكم من انفسكم؟ فاجابوا نعم، الست وليكم؟ فقالوا نعم، ثم
استرسل في التبليغ فقال من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
ويأتي اليوم بعض النواصب لتخريج معنى كلمة الولاية من معناها
الحقيقي واضافة 29 معنى لتحريفها، اي عداء لاهل البيت هذا؟ ذكر ابن
تيمية في مجموع الفتاوى ج17 / 43، و الألباني في كتابه "تخريج كتاب
المصطلحات الأربعة في القرآن للمودودي" ص18 – 20 "(ان ممن أخرج الحديث
ابن أبي حاتم في تفسيره، وهو يتحرّى فيه أصح الأخبار بأصح الأسانيد..
إلخ)، نقله عنه تلميذه محمد عيد عبّاسي في هامش كتابه "بدعة التعصّب
المذهبي" ص141 ويقول ابن ابي حاتم في الدر المنثور (وأخرج ابن أبي حاتم
وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية {يا
أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} على رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم غدير خمّ، في علي بن أبي طالب.
والشيء بالشيء يذكر فقد لفت انتباهي هذا التفسير الغريب لعبارة
والله يعصمك من الناس في الدر المنثور فقد جاء فيه" أخرج ابن مردويه
والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم أي آية أنزلت من السماء أشد عليك؟ فقال "كنت بمنى أيام موسم
واجتمع مشركو العرب وافناء الناس في الموسم، فنزل علي جبريل فقال {يا
أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته
والله يعصمك من الناس} قال: فقمت عند العقبة، فناديت: يا أيها
الناس من ينصرني على ان أبلغ رسالة ربي ولكم الجنة، أيها الناس قولوا
لا إله إلا الله، وأنا رسول الله اليكم، وتنجحوا ولكم الجنة. قال:
فما بقي رجل ولا امرأة ولا صبي إلا يرمون علي بالتراب والحجارة،
ويبصقون في وجهي ويقولون: كذاب صابئ، فعرض علي عارض فقال: يا محمد،
ان كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم كما دعا نوح على قومه
بالهلاك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد قومي فإنهم لا
يعلمون، وانصرني عليهم ان يجيبوني إلى طاعتك، فجاء العباس عمه فأنقذه
منهم وطردهم عنه، قال: الأعمش فبذلك تفتخر بنو العباس، ويقولون:
فيهم نزلت {انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} (القصص
الآية 56) هوى النبي صلى الله عليه وسلم أبا طالب، وشاء الله عباس بن
عبد المطلب".
اية التبليغ نزلت في ذي الحجة السنة العاشرة للهجرة أي انه لا
يستطيع كائن من كان ان يتجرأ على رسول الله (ص) ويتعدى عليه بعد تثبيت
دعائم الاسلام وقوة شوكة الاسلام فمن اين للسيوطي ان هنالك من تجاوز
على رسول الله بل ان المتجاوزين كثر!!!، كما وان الاية في سورة القصص
نزلت قبل اية التبليغ فكيف اكدت حدث وقع بعد نزولها؟ |