شبكة النبأ: ثمة مقومات هامة تعتمد
عليها الحكومات المعاصرة لكي تنجح في مهامها، لاسيما التنفيذية منها
كونها تشكل عصب النجاح والفشل الحكومي على ارض الواقع، لهذا يعتبر
التجديد أحد أهم هذه المقومات لأن النمطية والمعالجات الروتينية تقتل
روح الابداع سواء في التخطيط او في مجال التنفيذ.
هنا يبرز لنا دور التجديد جليا، إذ لابد للعقل البشري أن يبحث عن
الاساليب والمعالجات الجديدة التي تتوافق مع روح العصر وتجاري التجارب
الراهنة سواء في المجالات السياسية او الاقتصادية او التعليمية وسواها،
بيد أن الاساليب التي تعتمد التجديد تتطلب شروطا ينبغي توافرها لدى من
يبحث عن المعالجات التي تبتعد عن الروتينية والنمطية في التعامل مع
امور الحياة وكيفية ادارتها.
بمعنى اكثر وضوحا، أن من ينتهج سمة التجديد في تطلعاته وافكاره
واعماله، ينبغي أن لايقع ضحية الجمود والسكونية، وهذا يعني أن يبدأ
حالة التجديد من نفسه، أي يجدد أفكاره وتطلعاته ورؤاه ويجعلها منسجمة
مع وقائع العصر ومجارية لها، وخلاف ذلك فإن الكلام عن التعامل العصري
سيكون فارغا من محتواه الفعلي.
يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس
سره) في كتابه القيّم الموسوم بـ (لنبدأ من جديد) حول هذا الموضوع: (إن
التجديد يبدأ من نفس الإنسان، فإنه إذا لم يصلح الإنسان نفسه لا يمكنه
إصلاح غيره من بني نوعه أو المحيط المتعلق به، الاجتماعي والسياسي
والاقتصادي والطبيعي وغيرها).
إذن فالخطوة الأهم للقادة السياسيين وغيرهم فيما لو وضعوا في خططهم
قضية التجديد والمعاصرة أن يبدؤوا ذلك بأنفسهم أولا، وهو الامر الذي
يتيح لهم رؤى وقدرات فكرية وعملية معاصرة تساعدهم على انجاز مهامهم
بصورة متجددة، لأن جميع الدلائل تشير الى أن المسلمين تأخروا عن الركب
العالمي لأنهم لم يغيروا أنفسهم، وقد أكد الامام الشيرازي ذلك حين قال
في كتابه نفسه:
(إن بلاد الإسلام وقعت ضحية التخلف والفساد والجهل والمرض والفقر
والفوضى والرذيلة، لماذا؟ الغالب أن يكون الجواب: انه من صنع الغرب،
لكن لنتذكر انه لولا إرادة نفس المسلمين وضعفهم لم يستطع الغرب من
النفوذ إطلاقاً).
فالسبب الاول الذي جعل من الجهل والفساد يستشري في البلدان
الاسلامية هو عدم قدرة القادة المسلمين على تغيير أنفسهم نحو الافضل
وبما يتواءم مع مستجدات العصر، وهو أمر لابد أن ينعكس على ادائهم
ومهامهم التي ستنعكس بدورها على المجتمعات الاسلامية التي بقيت مستكينة
تحت نير الجهل والتخلف بسبب السياسات التخطيطية والتنفيذية الفاشلة
سواء في المجالات السياسية او الاقتصادية او التعليمية او غيرها.
ولهذا لابد أن يطور القائد نفسه اولا، سواء من خلال التثقيف او
الممارسة والافادة من التجارب الاخرى، وأن لايكون العنف هو الاداة
الاولى للتعامل مع الشعب (وهو سلاح الحاكم المتخلف والجاهل) الذي لايعي
الاساليب المتطورة في قيادة الناس، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا
الصدد: (إن من يريد تطبيق قانونه بالعنف لا يلتف الناس حوله حتى إذا
وجدوا قانونه جميلاً) وهذا يدل على أن العنف اصبح اسلوبا قاصرا وهو
اقرب الى ادوات الجهل والتخلف من غيره، حتى لو كان المحتوى القانوني
يبدو جميلا او مطلوبا في الظاهر، لأن الوعي البشري بات قادرا على
استيعاب القوانين والسلوكيات والافكار من دون قسر او إجبار، وهذا يدلل
على أهمية أن يتعامل القادة مع شعوبهم بما يتلاءم وروح العصر ونعني
بذلك الحرية في الرأي والرأي الآخر والتشارك والتعددية والتشاور في
صناعة القرار وما شابه، وهذا يتطلب قادة أكفاء لهم عقول راجحة ويتمتعون
بالحكمة وسعة الاطلاع، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه
الثمين نفسه: (فإذا أردنا رجوع المسلمين إلى سيادتهم السابقة، فاللازم
توفير القادة الأكفاء).
واشترط الامام الشيرازي توافر الحرية من اجل التطور والابداع حين
قال: (أما الحرية فهي أساس البقاء ثم التقدم، لأن الإنسان إذا لم يكن
حراً لم يبق حياً فكيف يمكنه أن يتقدم؟). |