قراءة في كتاب: في الشعر الجاهلي

 

 

 

الكتاب: في الشعر الجاهلي.

الكاتب: سامح كريم.

الناشر: الدار المصرية اللبنانية.

عدد الصفحات: 420 صفحة كبيرة القطع.

قراءة: رويترز

 

 

 

 

 

شبكة النبأ: يبدو الحجر الذي ألقاه عميد الادب العربي طه حسين قبل 82 عاما في كتابه (في الشعر الجاهلي) كقنبلة قابلة للانفجار في أكثر من عصر ولدى فريقين من الباحثين وهذا يفسر الطبعات المتعددة للكتاب والمصحوبة بجديد من وثائق أو دراسات بعضها يمتدح جسارة العميد وريادته وبعضها يتهمه في دينه أو في ضميره العلمي بزعم أنه سرق فكرة الكتاب من المستشرق البريطاني صمويل مرجليوث.

وكأن العميد حين قال في الكتاب الذي صدر عام 1926 "نحن لم نكتب هذا الكتاب هازلين ولا لاعبين" كان يتنبأ بأن يظل الكتاب موضع جدل عابر للأجيال. ففي الثمانينيات وصف كاتب مصري ينتمي للتيار الاسلامي هذا الكتاب بأنه "حاشية طه حسين على متن مرجليوث" المستشرق الذي نشر بحثا بالإنجليزية عنوانه (نشأة الشعر الجاهلي) قبيل ظهور كتاب (في الشعر الجاهلي).

ولكن مرجليوث (1858-1940) برأ طه حسين في مقال نشر عام 1927 وشهد له بأنه "استطاع بمهارة فائقة أن يرصد الدوافع المختلفة لتحريف الشعر في العصور الاسلامية ونسبته الى شعراء جاهليين يعتبرهم هو بحق شعراء من صنع الخيال."

وقال مرجليوث فيما يشبه الشهادة التاريخية "توصل كل منا -مستقلا عن الاخر تماما- الى نتائج متشابهة."

ويثبت الكاتب المصري سامح كريم في كتاب جديد عن العميد وقضية الشعر الجاهلي نص مقال مرجليوث الذي يبرئ العميد من تهمة السرقة كما ينشر أيضا بحث مرجليوث عن الشعر الجاهلي.

ويقول كريم "اراء مرجليوث في الشعر تناقض اراء طه حسين. فمرجليوث ينكر أن يكون الجاهليون قد عرفوا نظم الشعر وأن ما وصل الينا منه من صنع شعراء المسلمين الذين احتذوا حذو القران. على حين يذهب طه حسين الى الثقة في وجود شعر جاهلي ولكنه يتشكك في صحة كثير من نصوصه التي وصلت الينا وكانت بسبب الرواة عرضة للوضع والتحريف."

ويوضح أنه في حين كان مرجليوث يفكر في كتابة البحث الذي نشرته مجلة الجمعية الملكية الاسيوية في يوليو تموز 1925 كان العميد يفكر أيضا في اعداد محاضرات عن القضية نفسها وألقاها على طلابه بداية من أكتوبر تشرين الاول 1925 "لتظهر في كتاب في أول عام 1926" مضيفا أن أستاذة بارزين منهم حسين نصار وشوقي ضيف ينفون هذا السطو المزعوم.

والكتاب الذي صدر في القاهرة عن (الدار المصرية اللبنانية) يقع في 420 صفحة كبيرة القطع ويحمل عنوان (في الشعر الجاهلي. تأليف الدكتور طه حسين. تقديم ودراسة وتحليل سامح كريم) وشغلت الدراسة 195 صفحة الى جانب نشر صورة ضوئية من كتاب طه حسين.

ويحمل غلاف الكتاب صورة للعميد في شبابه وقت صدور الكتاب لاول مرة ورسمها التشكيلي المصري محمد حجي.

وفي مجال الدراسات النقدية الحديثة يعد هذا الكتاب عملا بارزا ويؤرخ بما قبله وما بعده. ومثل المؤلف بعد صدور الطبعة الاولى عام 1926 للتحقيق الذي حفظ في النهاية بقرار رئيس نيابة مصر محمد نور الذي يعتبره كثيرون الان أكثر استنارة من بعض رجال الدين الاسلامي ورموز الليبرالية المعاصرين لازمة الكتاب. وفي العام التالي أعيد نشر الكتاب بعد حذف بعض أجزائه مع تغيير عنوانه الذي أصبح (في الادب الجاهلي).

وكان العميد (1889-1973) في فورة الشباب والحماسة لما يؤمن به حين لم يطمئن الى ما استقر عليه الاقدمون فنفى أن يكون معظم الشعر الجاهلي كتب في عصر ما قبل الاسلام مشددا على أن هذا الشعر لا يمثل الحياة الحضارية والدينية والعقلية واللغوية للعرب.

وقال "وأول شيء أفجؤك به في هذا الحديث هو أني شككت في قيمة الشعر الجاهلي وألححت في الشك أو قل ألح علي الشك فأخذت أبحث وأفكر وأقرأ وأتدبر حتى انتهى بي هذا كله الى شيء الا يكن يقينا فهو قريب من اليقين ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء وانما هي منتحلة مختلقة بعد ظهور الاسلام فهي اسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر ما تمثل حياة الجاهليين."

وأضاف "وأكاد لا أشك في أن ما بقي من الشعر الجاهلي الصحيح قليل جدا لا يمثل شيئا ولا يدل على شيء ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الادبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي. وأنا أقدر النتائج الخطرة لهذه النظرية ولكني مع ذلك لا أتردد في اثباتها واذاعتها... ما تقرؤوه على أنه شعر امرئ القيس أو طرفة (بن العبد) أو (عمرو) بن كلثوم أو عنترة ليس من هؤلاء الناس في شيء وانما هو انتحال الرواة واختلاق الاعراب أو صنعة النحاة أو تكلف القصاص أو اختراع المفسرين والمحدثين والمتكلمين."

ومن نتائج "هذه النظرية الخطرة" يتوصل الى أن القران هو الاكثر دقة في تصوير ملامح العصر الجاهلي وينفي أن يكون ما يعرف بالشعر الجاهلي "قيل أو أذيع قبل أن يظهر القران. لا ينبغي أن يستشهد بهذا الشعر على تفسير القران وتأويل الحديث وانما ينبغي أن يستشهد بالقران والحديث على تفسير هذا الشعر وتأويله... القران أصدق مرآة للحياة الجاهلية."

وفي رأيه أن معظم الشعر الجاهلي ضاع بسبب عدم تدوينه وبعد قتل كثير من رواته في الحروب كان بنو أمية في حاجة الى الشعر "تقدمه وقودا للعصبية المضطرمة فاستكثرت من الشعر وقالت منه القصائد الطوال وغير الطوال ونحلتها شعراءها القدماء."

وانتهى الى أن "العصر الجاهلي القريب من الاسلام لم يضع. وأنا نستطيع أن نتصوره تصورا واضحا قويا صحيحا ولكن بشرط ألا نعتمد على الشعر بل على القران من ناحية والتاريخ والاساطير من ناحية أخرى."

ويقول كريم ان اصدار (في الشعر الجاهلي) الان يأتي ايمانا "بعدالة قضية مؤلف هذا الكتاب ونظريته في الشك ومنهجه في البحث" رابطا بين الكتاب والدعوة الاصلاحية لمؤلفه.

ولعل ما أثار معارضي العميد وهز معتقداتهم الدينية جملة شهيرة قال فيها "للتوراة أن تحدثنا عن ابراهيم واسماعيل وللقران أن يحدثنا عنهما أيضا. ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقران لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي فضلا عن اثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة اسماعيل بن ابراهيم الى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها."

ويقول كريم "ان طه حسين كان حريصا أشد الحرص على احترام القران الكريم وتقديره كأدق وأهم مصدر وأصدقه في تسجيل جوانب الحياة العربية في الجاهلية... هذا الجانب الديني من طه حسين مستهدف دائما للهجوم الى درجة الطعن في دينه" على الرغم من تدليله على أن القران كان مرآة للحياة العقلية والعلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويضيف أن العميد "تحدى كل مهاجميه" في مقابلة مع مجلة الانفرماسيون الفرنسية ترجمت الى العربية ونشرت في مجلة السياسية يوم 26 مايو ايار 1926 وقال فيها طه حسين "ان 98 بالمئة من مهاجميه لم يقرؤوا الكتاب."

ويقول كريم ان الشك في صحة الشعر الجاهلي منهج عرفه العرب الاقدمون قبل أن يعرفه الاوروبيون والمستشرقون بمن فيهم الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596-1650).

ويبدي أسفه لقيام البعض في الجدل الثقافي والنقدي المستمر على مدى عقود بنسبة جهود العرب الاقدمين الى الاجانب سواء مرجليوث وغيره مشددا على أن الاوروبيين استقوا معلوماتهم في هذا المجال من علماء العرب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/تشرين الثاني/2010 - 7/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م