كارثة الولاء الشخصي وضياع الكفاءات

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الكفاءات هي التي تبني الدول، هذا القول يمكن أن نستنتجه من تجارب الامم، التي تربعت على عرش التقدم والتطور، قبل غيرها ولا زالت كذلك، حيث تم التعامل مع الكفاءات في مجتمعاتها، بالطرق التي تليق بها، وتحسب لها حسابها الصحيح، وتحرص على وضع الرجل المناسب، في المكان الذي يبدع فيه، ويحرك مهاراته، ويطورها، بما يصب في مصلحة الفرد والمجتمع معا.

هذا يعني أن توافر الكفاءات وحده في المجتمع لا يجدي نفعا، ما لم يتم التعامل مع هذه الكفاءات، بالطرق التي تتمكن من توظيفها على النحو الأمثل، في بناء الدولة ومؤسساتها الادارية، والانتاجية، والثقافية، والتعليمية، والصحية، والاجتماعية وغيرها.

فالمعروف عن الكفاءات، أنها في حالة إهمالها، ستبحث عن البديل دائما، وستكون الهجرة الى الأماكن التي تحترم طاقاتها، أفضل الحلول لها، لهذا كانت هجرة العقول العربية والاسلامية ولا تزال، تشكل عاملا مهما من عوامل التراجع والنكوص، الذي تعاني منه الدول العربية والاسلامية بمستويات متقاربة.

من هذه المقدمة نستخلص، أن تعامل المعنيين الرسميين وغيرهم، مع الكفاءات في مجتمعاتنا، قاصرا بل متعمدا في إقصاء الكفاءات وتهميشها، وإجبارها على الهجرة، نتيجة لإهمالها المتعمّد، تخلصا من حضورها الذي يضر بالطفيليين وغير الموهوبين، ولا يترك لهم مجالا للاستئثار بالمنافع المادية، في هذه المؤسسة او تلك، لهذا نرى غير الموهوبين وأنصافهم، يتطيرون من الاذكياء المهرة، من اصحاب التجارب والشهادات والمواهب القادرة على بناء مؤسسات الدولة، وهياكلها السياسية، والادارية، والانتاجية، على نحو افضل، لأنهم (أصحاب الكفاءات) سيضعون حدا للمتزلفين الفاشلين، الذين يحسنون مسح الاكتاف، ويجيدون التملق لرؤسائهم، من دون التمتع بما هو أهم من ذلك، ونعني بها الخبرة والمهارة في تحقيق البناء والانتاج الافضل.   

هنا ستبرز أمامنا ظاهرة الولاء الخاطئ بقوة، بمعنى أن المتنفذين في مجتمعاتنا، من سياسيين وصناع قرار وغيرهم، لا يعتمدون الولاء الذي يصب في خانة البناء الصحيح للدولة ومؤسساتها، بل أصبح الولاء لشخوصهم وأحزابهم وتكتلاتهم، هو الاهم من أي ولاء آخر، أما الكفاءة والموهبة والخبرة والقدرة على البناء الصحيح، فسوف تأتي بالدرجة الثانية او حتى العاشرة، بل ثمة من يحارب الخبرة والكفاءة والموهبة، لأنها تنافسه بقوة على مآربه النفعية التي لا تحسب أي حساب آخر يتقاطع مع مصالحها ذات النزعة الاستحواذية.

لهذا نلاحظ حالة تكريس السلطة، ذات النهج الفردي المصلحي، جلية وواضحة للعيان، في معظم الدول التي تخشى كفاءاتها، وتعمل على تهميشها، وتهجيرها، طوعيا او بالقسر، لهذا فإن المجتمع الذي يطرد كفاءاته، لابد أن يتسيَّده حكم سلطوي فردي أو حزبي، قائم على الحفاظ على المناصب والمنافع بأي ثمن، ولابد لمنظومته الانتاجية والادارية وغيرها وثقافته المجتمعية أن تعتمد الولاءات الخاطئة، من هنا تتصاعد وتنمو وتترسخ ظاهرة الولاء للمنفعة الفردية، على حساب المنفعة العامة، ممثلة ببناء الدولة ومؤسساتها على نحو صحيح، وهو ما يحدث في المجتمعات، التي يغيب فيها الوعي بالكفاءات، وقدرتها على الاسهام ببناء الدولة المؤسساتية المتطورة.

تُرى هل أننا بحاجة الى تعامل آخر مع الكفاءات؟ وهل نحن بحاجة الى أنماط جديدة من الولاءات الصحيحة؟

نعم نحن بحاجة الى ذلك، لاسيما أننا نخوض تجربة ضارية، في مجالات البناء المؤسساتي، والانتاجي، والاداري، وغيرها من المجالات التي تشترك في البناء الأمثل للدولة، إننا بحاجة الى التعامل الصحيح، مع المواهب، والكفاءات، والخبرات، القادرة على تحويل طاقاتها الى منتج عملي قائم على الارض، ولهذا نحن بحاجة أيضا الى تغيير شامل في التعامل الولائي، سواء ما يتعلق بالرؤساء أو المرؤوسين، فليس المرؤوس المتملق هو وحده من يتحمل مسؤولية الولاء الخاطئ وتبعاته الخطيرة، بل الرئيس الذي يقبل ويشجع مثل هذه الولاءات، يتحمل المسؤولية الاكبر في ذلك، فلولا وجود الرؤساء الذين يحبون الولاء المزيف، والتمجيد الأخرق، لما تزايدت أعداد الموالين المزيفين، من اصحاب المواهب المعدومة والقدرات التالفة، ولما أصبحت ثقافة الولاء فوق الموهبة سلوكا دارجا ومقبولا بين الناس.

فالخلل يبدو واضحا تماما، إذ أن كلا الطرفين (الرئيس والمرؤوس في مفاصل الدولة) يشتركان في ترسيخ كارثة الولاء الخاطئ، وأقول كارثة لأنها فرضت حضورها وتنامت مع النمو التأسيسي الجديد للدولة، الامر الذي سيجعلها اكثر حضورا، ورسوخا، في حالة اهمالها، لهذا يتطلب الامر معالجة حقيقية، تنتهج بث واشاعة منظومة سلوك شاملة، في المجتمع، تقدر الكفاءات وتساندها وتمنحها محفزاتها وحقوقها كاملة، وتحارب وتنبذ الولاء المزيف في وقت واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/تشرين الثاني/2010 - 7/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م