العراق... بين الرابح الكبير والخاسر الاكبر

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: بعيدا عن الرومانسية السياسية التي استمعنا اليها في كلمات بعض الساسة العراقيين بعد الاتفاق على عقد جلسة البرلمان وتسمية رئيس جديد له وتسمية الرئيس طالباني لدورة رئاسية جديدة سيكلف فيها نوري المالكي تشكيل الحكومة الجديدة، بعيدا عن هذه الرومانسية يطرح سؤال نفسه من الرابح الكبير في نهاية هذا الماراثون ومن هو الخاسر الاكبر؟

من بديهيات فن السياسة، لا توجد خصومات او صداقات دائمة، واللاعبون السياسيون في كل خطوة يخطونها يبحثون عن مصالحهم ومصالح الفئات التي يمثلونها، قد يتحالفون مع الملائكة في مرحلة ما وقد يتحالفون مع الشيطان في مرحلة اخرى تبعا لبوصلة اتجاهاتهم المصلحية او تبعا لضغوط محلية (جماعات الناخبين – جماعات الضغط) او لضغوط اقليمية او دولية (الداعمون)، وهم في تحركاتهم حين يفاوضون ويناورون ويحالفون يستخدمون عدة تكتيكات للوصول الى تحقيق تلك المصالح التي تقود حركتهم باتجاهها، قد يرتبك الاداء لبعض السياسيين وقد يكون متزنا وواثقا للبعض الاخر وقد تتبدل مواضع الارتباك والاتزان وتنتقل بين محطة واخرى وبين شخصية وغيرها.

في كل عملية تفاوض تكون سقوف المطاليب مرتفعة جدا وقد لا تتناسب مع حجم واوزان طالبيها، لكن منطق السياسة وبراغماتيتها يحتم تحجيم مثل هذه المطاليب ومن ثم التنازل عن بعضها عند لحظة افتراق قد تكون قاتلة ومميتة، بعد الانتخابات الاخيرة والتي افرزت تقدم القائمة العراقية بمقعدين على ثاني اكبر قائمة فائزة بعدها وهي ائتلاف دولة القانون كان اياد علاوي يظن - وهو واهم في ظنه كما اثبتت الايام والوقائع المتتالية - انه قاب قوسين او ادنى من الحصول على منصب رئاسة الوزراء، وكان لهذا الوهم اسبابه.

التحالف الذي تشكل من قائمة علاوي وعدد من القوائم السنية الاخرى توفر له دعم كبير وغير مسبوق امتد من السعودية والإمارات، وصولا الى مصر وليبيا مرورا بسوريا، وهيئت له مستلزمات هائلة من وسائل اعلام منشورة ومرئية ومسموعة كما لم يتوفر لاحد غيره.

وقد ركزت حملة علاوي على اظهار اخفاقات حكومة المالكي وبالتالي المطالبة بالبديل، على اعتبار ان المالكي سيكون هو العقبة الاكبر امام التغيير المقبل بقيادة علاوي.

في تحليله لنتائج الانتخابات العراقية ذكر مركز كارنيجي للشرق الاوسط ان (على علاوي إيجاد توازن بين العديد من الأفكار لتشكيل ائتلاف ناجح: أولاً، لابد له من إيجاد وسيلة لاجتذاب الدعم الكردي من دون أن يخسر الكثير من حلفائه من العرب السنّة، وهو يحتاج إلى اجتذاب جزء من الائتلاف الوطني العراقي على الأقل، ويحتاج في النهاية إلى التغلّب على الإحساس بعارِ الاتّهامات المتناقضة التي يقذفه بها خصومه، من أنه صنيعة الولايات المتحدة التي تتلاعب بالانتخابات لصالحه، وأنه يتّجه إلى تشكيل ائتلاف سيعيد البعث).

ويمضي التحليل قائلا: (العقبة الرئيسة أمام جهوده لتشكيل الحكومة لا تكمن في فكرة أن يكون هو رئيساً للوزراء، ولكن في طبيعة بعض حلفائه إلى الآن).

ويذهب التحليل قائلا: (فازت قائمة العراقية التي يتزعّمها علاوي بـ91 مقعداً في البرلمان بسبب تصويت السنّة إلى حدّ كبير. فمن نحو 2.5 مليون صوت حصلت عليها قائمة العراقية، ثمة حوالى مليوني صوت على الأرجح أدلى بها السنّة، ما يجعل من الصعب على علاوي جذب الأحزاب الشيعية في الائتلاف الوطني العراقي إلى ائتلافه، والتي يحتاج إليها لتشكيل حكومة. ومما زاد الطين بلة أن بعض أنصار علاوي من السنّة غير مقبولين من جانب الأحزاب الكردية، والتي سيحتاج علاوي إلى دعمها أيضاً. فقد أغضب نائب الرئيس طارق الهاشمي، وهو عضو في قائمة العراقية، الأكراد من خلال التصريح بأن الرئيس المقبل للعراق يجب أن يكون عربياً لا كرديّاً. وأثار أسامة النجيفي، وهو عضو آخر في قائمة العراقية، غضب الأكراد أيضاً بتصريحات وطنية مماثلة. ونتيجة لذلك، قد لايكون علاوي قادراً على جمع تأييد كافٍ لتشكيل حكومة).

وقد وصف احد الباحثين العراقيين اياد علاوي بـ("تشالنجر" أمريكا في الانتخابات العراقية)، (تشالنجر) العراقي كان في المتناول، اياد علاوي الحليف القديم المتجدد والعلماني الشيعي العروبي الذي يستطيع جمع الكثير من القوى المناهضة لإيران في زخم فاعل يستطيع وقف اندفاعة القوى الاسلامية الموالية لإيران او القريبة منها.

كان كل شيء يسير وفق الخطط الموضوعة، لكن بعد دقائق من اعلان فوز (تشالنجر) علاوي، انفجر سياسياً بعد ان تبين للقوى الاخرى مقدار ما يحمله مشروعه من اشكالات.

كان تفادي (الانفجار) ممكناً لو تجنب علاوي الظهور بهذا التحدي، فلم تكن زيارته لكل من السعودية وسوريا موفقة، خاصة قبل ايام من الانتخابات، لقد ظهر بموقع الايحاء للعراقيين برسالتين: القدرة على وقف العنف التي تتسبب بها هاتان الدولتان، أو انفلات الوضع الامني في حال عدم فوزه أو اجهاض هذا الفوز في حال حصوله– وهو ما ظهر واضحاً في تصريحات النجيفي وعلاوي بعد الانتخابات - ثم زاد الطين بللاً حين وجه رسالة شكر للأنظمة المذكورة على دورها في العراق، ولما كانت الذاكرة العراقية القريبة لا تحمل الكثير من الايجاب الذي قدمه هذان النظامان للتجربة العراقية – بل تحمل العكس تماما – وضع علاوي نفسه في موقع الحرق حيث بدا فوزه وكأنه تكريس للنفوذ السوري السعودي، أما الخطأ الامريكي، فتمثل بإعطاء تقدم ملتبس لقائمة علاوي بدا اشكاليا بدورهً.

كان يمكن للخطة الامريكية ان تنجح بطريقتين: اما فوز المالكي بفارق مقعد واحد كما تسربت المعلومات قبل ساعات قليلة من اعلان النتائج، او جعلهما متساويين في النتيجة.

أما (تشالنجر) الاخر الذي انفجر بعد دقائق من الانتخابات وقبل ظهور النتائج، فهو طارق الهاشمي الذي لم يستطع الصبر، فأعلن عن احقيته - ومن يمثل - برئاسة الجمهورية، فجوبه بعاصفة احتجاجية اضطرته الى ابتلاع ما صرح به، لكنه اضاف سببا اخر في انفجار حظوظ (العراقية) بتشكيل الحكومة).علي السعدي /موقع المثقف/ 2 نيسان 2010.

الحديث عن الحق الدستوري والحق الانتخابي وعدم التنازل عنه الذي يتحدث به كل يوم وكل واحد من اعضاء العراقية لم يستطع ان يكسب حلفاء الى صفوفه من بقية القوائم الا اللهم المجلس الاعلى العراقي والذي ذهب هو الاخر ضحية اوهامه المنتشية برفض ترشيح المالكي لولاية ثانية من قبل العراقية، وذهب المجلس الاعلى خلف هذا الوهم بعيدا بمقاعده العشرين حين رشح عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء، رغم انه لا يملك اي فرصة متساوية مع الغريمين الرئيسيين المالكي وعلاوي، لغرض فرض ولاية فقيه على التحالف الوطني وهذه المرة تحت عباءة عمار الحكيم، الا ان ما حدث بعدها وخاصة في اربيل جعل تلك الاوهام تتبدد، وحتى لحظة كتابة هذه السطور ومما رشح من الحديث عن المناصب لم يحتفظ عادل عبد المهدي بمنصبه كنائب لرئيس الجمهورية.

اما عن المبادرة السعودية، سياسيا واعلاميا فيمكن مقاربتها على الشكل التالي:

طرحت السعودية مبادرة طائف عراقي قبل لقاء الزعماء في اربيل وقد رفضها التحالف الوطني والتحالف الكردستاني ورحبت بها العراقية وحدها حيث رات فيها طوق نجاة من خلال فرض الوصاية العربية وربما الدولية على الحكومة العراقية، وكان عدم قبول هذا الرفض من قبل العراقيين 16 سيارة مفخخة هزت بغداد في ليلة واحدة.

قد تحسب للمبادرة السعودية ايجابية واحدة وهي تسريعها اتفاق الكتل السياسية على ان يكون الحل عراقيا، وقد ذهب المالكي بعيدا في تحديه للإرادة السعودية حين اطلق رصاصة الرحمة عليها وعزمه على انعقاد جلسة البرلمان بمن يوافق على الحضور.

على المستوى الاعلامي ورغم رفض الكتل السياسية ماعدا العراقية للمبادرة السعودية الا ان جريدة الشرق الاوسط استمرت حتى ايام قريبة في التحشيد الاعلامي لها، تقارير ومقالات راي لكتابها وهي تقول في تقاريرها من داخل العراق ان جميع العراقيين يباركون هذه المبادرة.

وقناة العربية ايضا التي كانت تقف خلف اياد علاوي لم تستطع ان تداري ارتباكها وهي تنقل وقائع جلسة البرلمان وما حدث فيها وتعنون تلك التغطية بـ (ازمة تلد اخرى) في نشراتها الاخبارية ليومي الخميس والجمعة 11 و 12 / 11 / 2010.

المشهد السياسي العراقي حتى لو حدثت فيه مساجلات جديدة حول العديد من القضايا الا انه غير مرشح للعودة الى ما كان عليه قبل 11/11/ 2010.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/تشرين الثاني/2010 - 6/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م