شبكة النبأ: صنف الفلاسفة الانسان
بانه حيوان ناطق لأنه الوحيد من بين المخلوقات على الارض يستطيع
التعبير عما يريد وما يحب وما يكره بواسطة الكلام، والبكم استثناء اذ
يتبادلون الحديث فيما بينهم بواسطة الاشارات، اشارات اليدين واشارات
الاصابع والعيون، ويستثنى منهم الازواج الذين يعيشون تحت سقف واحد
ويعانون من الخرس العاطفي الذي يجعل الحياة بينهم مجرد متطلبات مادية
وبيولوجية او حفاظا على الاطفال.
ولخطورة النطق والكلام كان مفتتح الانجيل هو (في البدء كان الكلمة)،
وفي القران الكريم (اقرا باسم ربك) هو مفتتح التنزيل على صدر محمد بن
عبد الله (ص) صاحب الرسالة الخاتمة.
وقد قام هيجل بإحياء تعريف الإنسان عند أرسطو (الإنسان= حيوان ناطق)
ليوحِّد بين دلالتي النطق: الفهم (العقل)، واللغة (الإفادة الخبرية)،
ولم يكتف بذلك بل أضاف إليها تأويلاته اللاهوتية حول تعين الروح (الإله
في الإنسان)، وهو ما يعتبره هيجل ثورة المسيحية الكبرى وميلاد
الإنسانية الحديثة.
والكلام الذي يمارسه الانسان والذي هو ميزة حصرية، له انواع فمنه
الكلام التافه ومنه الكلام الموزون ومنه الكلام الخطير الذي يؤدي الى
الاقتتال، ومنه كلام السياسيين الذي فيه كل شيء الا الحقيقة، فالسياسي
لا يطلب منه ان يكون صادقاً، او كما قال ماكيافيلي لابد ان تعلم متى
تكون مدلّسا عظيما حتى تصل الى ما تريد.
والسياسة في اللغة العربية مشتقه اصلا من (ساس) (يسوس) أي فن أدارة
الخيول، ونحن في القرن الواحد والعشرين لا يعرف القادة والحكام العرب
غير فن ادارة الخيول والضحك على العقول، وهي في اللغات الاوربية مشتقه
من poly أي المدينة أو الدولة وهي تعني فن أدارة الدولة أو المدينة، لا
حظ الفرق بين الادارتين.
ولقد عدّ العرب امراء الكلام والبلاغة والبيان واهتموا بصياغته
وقواعده والفوا الكثير من المصنفات فيه.
واهتموا بالشعر لسان حالهم والناطق عن انتصاراتهم في الغزو
وانتكاساتهم واشتهروا بفنون المديح والهجاء، مديح الحكام والسلاطين
طمعا بمكافاتهم واكياس نقودهم او كوبونات نفطهم وهجوهم حين امتنعوا عن
اعطاءهم تلك الاكياس المحملة بالمال، ولكثرة ضجيج العرب في كلامهم
وشعرهم اطلقوا عليهم تسمية الامة الصوتية.
ومنهم من اطلق على الانسان تسمية حيوان اجتماعي لأنه المخلوق الوحيد
الذي يعيش ضمن تجمعات يسود فيها الاتصال والتواصل الحميم او الرسمي.
ولكن بعد تطور الدراسات العلمية وخاصة الميدانية منها حول بقية
الانواع الحيوانية الاخرى اتضح انها ايضا تعيش ضمن تجمعات وتتواصل فيما
بينها عن طريق لغة خاصة كأن تكون روائح او اصوات لا تستطيع الاذن
البشرية سماعها.
ثم وصف الانسان بانه حيوان ضاحك وذلك لقدرته على الضحك والتبسم في
مواقف الفرح والسرور وحتى قدرته على اضحاك الاخرين.
وبالرجوع الى الجهود الفلسفية الاولى لفلاسفة اليونان اطلق ارسطو
على الانسان تسمية حيوان سياسي في كتابه (في السياسة) :
(يظهر أن المدينة من الأمور الطبيعية، وأن الإنسان حيوان مدني
بالطبع، وأن من لم يكن مدنيا، لا اتفاقا ولكن بالطبع، اعتبر أسمى من
البشر أو عدّ رجلا سافلا، شأن ذلك اللئيم الذي قرّعه هوميروس إذ قال
عنه: "إنه متوحش جان متشرد"، فمن طبع على هذا الغرار لم يرتح إلا إلى
الحرب لأنه أشبه بالطير الكاسر لا يعرف الخضوع لنير، من الواضح أن
المرء قابل للحياة الاجتماعية أكثر من أي نحلة أو غيرها من الحيوانات
الأليفة، لأن الطبيعة كما قلنا لا تسعى عبثا، فالإنسان وحده يملك النطق
من بين الحيوان، وبما أن الصوت يشير إلى الألم واللذة، فقد وهب لسائر
العجموات، فطبيعتها بلغت إلى الإحساس بالألم واللذة وإلى إنباء بعضها
بعضا بذلك الإحساس، وأما النطق فالدلالة على النفع والضرر، ومن ثم، على
العدل والجور.
وما اختص به الإنسان دون سائر الحيوان انفراده بالشعور بالخير والشر
والعدل والظلم وما إليها. و الاشتراك في هذه المشاعر ينشئ الأسرة و
المدينة).
وفي هذا السياق، يقول ماركس، محللا صيغة (الحيوان السياسي) لأرسطو،
إن الإنسان هو (الحيوان الذي لا يستطيع التفرد إلا داخل المجتمع).
ومنهم من ذهب بعيدا في اطلاق التسميات فهناك من وصف الانسان بانه
حيوان ميتافيزيقي او هو حيوان ذو تاريخ او حيوان عاقل او هو حيوان جنسي.
ويعتبر السيميائيون الانسان (حيوان سيميائي)لأنه قادر على استخدام
وانتاج العلامات، او كما يصفه كاسيرر(Cassirer) بأنه (حيوان رمزي) في
لغاته وأساطيره وديانته وعلومه وفنونه. وكما ان السيمياء وسيلة للوصول
الى الحقيقة من خلال العلاقات بين علامات اللغة، الصورة... الخ، فهي
وسيلة ايضا لقول الاكاذيب حسب تعبير امبرتو ايكو إذ يقول (السيمياء
معنية بكل شيء يمكن اعتباره علامة، والعلامة هي كل شيء يرمز، الى حد
كبير الى شيء اخر. هذا الشيء الاخر لا يوجد بالضرورة ولا يمكن فعليا في
مكان ما في اللحظة التي ترمز بها العلامة له، وعليه فأن السيمياء في
جوهرها، هي ذلك النظام الذي يدرس كل شيء يمكن استخدامه لقول الاكاذيب).
وقد يستطيع العراقيون ان يفخروا بعد سنوات طويلة وهم يقرءون التاريخ
(كما قلنا الانسان ذو تاريخ) بان اباءهم واجدادهم شاركوا في هذا الجهد
الفلسفي واستطاعوا ان يضيفوا وصفا جديدا للإنسان وهو (الانسان حيوان
خجول)، ومرد هذا الخجل العراقي (وهو ما سيقرأ ربما بعد مائة عام) ان
ساسة العراق قد امتنعوا عن الظهور على شاشات التلفاز خجلا من تأكيد
تصريحاتهم ونفيها، واعادة التأكيد والنفي.
وانهم يشعرون بالخجل الشديد امام دموع الاطفال الذين فقدوا اباءهم
وامهاتهم او ربما العابهم واقلامهم ودفاترهم.
وانهم يشعرون بالخجل الشديد من حجم رواتبهم في مجتمع ترتفع فيه خطوط
الفقر وحظوظ الغنى.
وانهم يشعرون بالخجل الشديد امام ناخبيهم الذين ارادوا منهم ان
يكونوا نوابا في البرلمان ثم كتبوا استقالاتهم لانهم لم يحصلوا على
الوزارات والمناصب التي يريدوها، ما هي العلاقة بين النائب والوزير؟
وانهم يشعرون بالخجل الشديد حين يمنعون مهرجان المربد وفرق السيرك
الجوالة تحت تسميات واعذار واهية متعددة.
هل سيكون التاريخ العراقي الذي تم البدء بتدوينه منذ العام 2003 هو
تاريخ (الانسان حيوان خجول)؟ |