حروب السينما... وحرب العراق

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ان الرصاص الذي لفظته البنادق

يموت في افواه الموتى الذين طواهم النسيان

لقد رأيت ذلك كما رأيت بنادق مدفونة يأكلها الصدأ

والمطر وهي تنمو وتزدهر في اسهم الدخان

ورأيت القبّرات تبني الاعشاش بين شواجر من الحراب... "كروميل".

شغلت موضوعة الحرب والدمار الذي تخلفه، الكثير من النتاجات الادبية والسينمائية في اكثر من مكان من العالم، فلازالت في الذاكرة تسكن رواسة للحب وقت وللموت وقت لاريك ماريا ريمارك والتي تحولت الى فيلم سينمائي.

جميع الدول التي لها صناعة سينمائية سواء كانت متواضعة او ذات امكانات كبيرة تناولت تلك الموضوعة وسجلت بشاعتها وآلامها وخرابها النفسي والانساني،

هناك بعض الافلام التي تحتفي بالنصر في موضوعة الحرب وهي افلام يغلب عليها الطابع الايديولوجي والتعبوي والتي لا تستطيع ان تشكل وعيا مغايرا للمشاهد او النقاد او ان تنجح في تقديم صورة مغايرة للحرب وتصوير ماسيها كأفراح مستمرة.

وهناك افلام تناولت الحروب من خلال سياسة التبرير لها ازاء الدول او الجماعات الاخرى، وهي افلام يمكن عدها استمرار للسياسات الواقعية والفعلية لتلك الدول، وخير مثال على ذلك بعض نتاجات السينما الامريكية في تصويرها لحرب فيتنام او حرب العراق والسينما الاسرائيلية في تصويرها لحروبها مع البلدان العربية الواقعة على حدود فلسطين.

وقد قدمت السينما العربية ممثلة بعاصمة السينما مصر الكثير من الافلام عن حروبها مع اسرائيل، واتسمت العديد من الافلام بالسطحية وخلوها من المضمون، من بينها: (الوفاء العظيم)، (الرصاصة لا تزال في جيبي)، (بدور).

ولكن كانت هناك بعض الاستثناءات، هو فيلم «أبناء الصمت» إخراج محمد راضي، قصة مجيد طوبيا، بطولة محمود مرسي وميرفت أمين. تركز أحداثه على حرب الاستنزاف، وهناك ايضا عدد من الافلام التسجيلية مثل: «صائد الدبابات» للمخرج خيري بشارة، «أبطال من مصر» للمخرج أحمد راشد، «مسافر إلى الشمال. مسافر إلى الجنوب» للمخرج سمير عوف، «جيوش الشمس» للمخرج شادي عبد السلام.

من بين مجموعة الافلام الامريكية التي تناولت الاثر الذي تركته حرب العراق الاخيرة في الشعور الجمعي الامريكي الآني، يمكن اعتبار فيلم (تيكيتغ جانسس)، والذي انتج في عام 2009، وعرض في مجموعة قليلة من المهرجانات السينمائية، اقلها رغبة، في الهجوم الواضح على النظام السياسي والمناخ الاجتماعي والذي قاد البلاد الى الحرب. فأفلام مثل (غريس رحلت)، (في وادي ايلاه)، (الرسول)، تتوجه كل على حده وبأسلوب مختلف الى تشريح بينة المجتمع الامريكي اليمني المحافظ. مجتمع وسط امريكا الجغرافي، والذي بدا منذ عام 2004، يواجه نتائج الحرب المباشرة، وخساراتها البشرية الملموسة. ففي فيلم (غريس رحلت) للمخرج جيمس سي سترواس يعجز الاب والذي قدم بطريقة مبالغ في تهافتها، عن ابلاغ ابنتيه المراهقتين بقتل والدتهن الجندية في معارك العراق، فيأخذ البنتين في رحلة في قلب امريكا، ليواجه في تلك الرحلة اشباحه الشخصية والعامة كلها.

واذا كان البطل في فيلم (في وادي ايلاه) للمخرج بول هيغيس لم يفقد ابنه الجندي في حرب العراق، لكن بعد عودته منها بأسابيع، لكن الفيلم بدا اكثر انشغالا من الفيلم السابق بعنف ذلك الحرب، والذي حمله الجنود الى مدنهم الامريكية الصغيرة، ليرتد على منظومة القيم التي يحملها جيل الاب في الفيلم، والذي على الرغم من انه يصل الى كل الاجوبة التي كان يبحث عنها في الفيلم، الا ان يبقى وحيدا في النهاية مع خساراته، وانهيار عالم (المثل الوطنية)، الذي آمن به لفترة طويلة، وربما طويلة بشكل غير مبرر.

وقد حصل عدد من الافلام على الاوسكار في مسابقة العام 2007 وهي:

فيلم AMERICAN GANGSTER وهو للمخرج ريدلي سكوت، الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية بطلها من ولاية كارولينا يستغل ظروف الحرب الأمريكية في آسيا ليجني الملايين من خلال متاجرته بالمخدرات حتي يصل به الحال لاستغلال توابيت الجنود الذين قتلوا في الحرب ويستخدمها في تهريب المخدرات لكنه يفتضح أمره ويعتقل.

فيلم THE HUNTING PARTY، من الأفلام التي تعرض لعمل الصحفيين خلال الحرب التي وقعت في البوسنة حيث يقوم ثلاثة صحفيين كانوا قد شاركوا في تغطية أحداث حرب البوسنة، يعودون لها بعد خمس سنوات من توقف الحرب يبحثون عن مجرم يتسلق الي مناصب عليا في السلطة يحاولون فضح أمره وكشف حقيقته الإجرامية الوحشية التي كان يزاولها أثناء الحرب.

فيلم LIONS FOR LAMBS، الطالبان آري وإرنست في جامعة الساحل الغربية يقنعهما الدكتور مالي بعمل شيء مهم في حياتهما، ويقرر هذان الطالبان بأن يتخذا موقفا حازما في حياتهما ويقرران الانضمام الي المعركة في أفغانستان، يذهل الدكتور مالي من قرار هذين الطالبين.

فيلم ELIZABETH: THE GOLDEN AGE، اليزابيث: الفترة الذهبية يقدم فصلا جديدا من تاريخ انجلترا وتاريخ الملكة الشهيرة، الفيلم يستعرض العداء والحرب التي شنها ملك اسبانيا فيليب الثاني علي الملكة الانجليزية بسبب رغبته بفرض الكاثوليكية علي انجلترا بعد انتشار البروتستانتية هناك بعد تتويج الملكة.

كما شملت قائمة الأوسكار أفلاما وثائقية بعدد خمسة عشر فيلما بينها ثمانية أفلام تناولت حروباً سابقة وحالية.

وتسجل بعض الإحصائيات السينمائية أن هناك ما يتجاوز (29) فيلما روائيا طويلا تم إنتاجها عن حرب العراق حتى الآن، ومن أشهرها (في وادي إيلاه)، (جسد من الأكاذيب)، (الملوك الثلاثة)، (منقح)، (لا نهاية في الأفق) و(أسود مقابل حملان) وهناك أيضا حوالي (6) أعمال درامية تلفزيونية، إضافة إلى (56) عملا وثائقيا، وشهدت صالات السينما بالإمارات في العام 2009 وبدايات عام 2010 ما يقارب من ال(10) أفلام.

وفيما يلي رصد لأهم (5) منها أثارت جدلا كبيرا بين نقاد السينما والمحللين السياسيين وأيضا جمهور المشاهدين.

خزانة الألم (The Hurt Locker)، حصد فيلم (خزانة الألم) 6 جوائز للأوسكار بينها جائزتا أفضل فيلم وأفضل إخراج، وتم إنتاجه بميزانية متواضعة وبممثلين مغمورين وأثار ردود فعل متباينة خاصة من النقاد العرب، واتهمه بعضهم بالعنصرية في تصويره للعراقيين كأشرار تملأ الفوضى حياتهم، في حين يبدو أفراد الجيش الأميركي كملائكة جاؤوا لنشر السلام والحب.

المنطقة الخضراء (GREEN ZONE)، يعتبر من فئة الأفلام المنصفة للوضع في العراق حيث يكشف عن الخروقات الزائفة التي قادت للحرب المدمرة في هذا البلد، وقد أثار ردود أفعال جيدة في الشارع الأميركي.

بدأ التفكير في إنتاج هذا الفيلم في مطلع يناير 2007 عن قصة كتاب (الحياة الإمبراطورية في مدينة الزمرد) لمحرر الواشنطن بوست راجيف شاندرا سيكاران، وبالفعل بدأ العمل فيه أواخر عام 2007.

وعكس ما قد يوحي به الإعلان الترويجي للفيلم، والذي صوره باعتباره أحد أفلام الحركة والأكشن التي تتخذ من العراق مسرحا لها، جاءت قصته لتتناول ملف البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، والذي كان من المبررات الرئيسية لغزو قوات التحالف العراق عام 2003.

المحظوظون(THE LUCKY ONES)، وهو عن دراما تتناول ثلاثة جنود أميركيين عادوا بعد سنوات من الخدمة العسكرية في العراق، وفي المطار اصطدموا بإلغاء الكثير من الرحلات الداخلية، فقرروا استئجار حافلة صغيرة لتعود بهم إلى منازلهم.

وترصد الأحداث صعوبة في تأقلمهم مع حياتهم السابقة حيث تاهت معالم الواقع وبدوا وكأنهم يعيشون كابوسا لم ينته بعودتهم للوطن.

الرجال الذين يحدقون في الماعز، (The Men Who Stares at Goats)، أثار هذا الفيلم دويا ونجاحا جماهيريا هائلا عند إطلاق عروضه في نوفمبر 2009 وقد عرض في ختام فعاليات مهرجان أبوظبي السينمائي العام الماضي، وهو مأخوذ من كتاب لجون رونسون بالعنوان نفسه.

ويحكي قصته من خلال صحافي يتمكن من الولوج إلى خبايا فرقة أميركية سرية خاصة، أسسها الجيش الأميركي في أواخر السبعينيات من القرن الماضي تعتمد فكرة التبصر الروحاني بدلا من البندقية، وتحارب بالطاقات الروحية بدلا عن الأسلحة التقليدية في حربها ضد العراق.

يبدأ الفيلم بمقابلة أجراها محرر الديلي تلغرام بوب ويلتون مع الجندي السابق في الجيش الأميركي جاس ليسي، الذي يدعي امتلاكه لقدرات نفسية خارقة اكتسبها جراء اشتراكه في فرقة خاصة كانت مهمتها إحباط معنويات الروس في أي حرب متوقعة، ويستبعد الصحافي في البداية هذه الفكرة تماما لافتقارها إلى أي مقومات قابلة للتصديق.

ويحدث أن تتركه زوجته وتهرب مع صحافي آخر فيصاب بإحباط يدفعه للتطوع للسفر إلى الكويت للتحقيق في مسار الحرب العراقية، وهناك يلتقي بجندي عمليات اسمه لين كاسيدي يكشف له حقيقة هذه الفرقة التي تتكون من جنود يلقبون بمحاربي (الجداي).

الرسول (The Messenger)، من بين مجموعة الأفلام الأميركية التي تناولت الأثر الذي تركته حرب العراق في الشعور بالألم داخل المجتمع الأميركي لفقدان (الابن، الأخ، الزوج، والحبيب)، وعرض أيضا ضمن برامج الدورة الأخيرة لمهرجان أبوظبي السينمائي، ويرصد واقع الجنود الأميركيين الذين يقومون بإبلاغ ذوي الجنود القتلى بخبر وفاة من يخصهم في حروب العراق وأفغانستان.

ويمر الفيلم أيضا على العديد من الظروف الاجتماعية للجنود الأميركيين الذين اشتركوا في الحرب، كالفقر والرغبة بالانضمام إلى المجتمع الأميركي والتي كان يجب أن تمر عن طريق (بوابة العراق).

وهناك ايضا فيلم (هيرت لوكر) الذي يدور حول حرب العراق والذي فاز بجائزة احسن فيلم في مهرجان الاكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون (بافتا) وهي الجائزة السادسة التي يقتنصها الفيلم منخفض الميزانية في المهرجان. وتفوق (هيرت لوكر) على فيلم (افاتار) الذي انتج بتقنية ثلاثية الابعاد ولقي اقبالا شديدا من الجمهور ورشح مثله لثمانية جوائز في مهرجان بافتا.

منذ العرض الأول في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي عام 2008 نال فيلم (ذي هيرت لوكر) ثناء النقاد لأسباب متعددة بينها معالجته الحرب معالجة بعيدة عن السياسة. وفي مقابلة تلو الأخرى اصرت المخرجة بيغلو وكاتب السيناريو مارك باول الذي رفد مضمون القصة بخبرته المكتسبة من العمل صحفيا في بغداد، على ان الفيلم لا يتخذ موقفا من الحرب الاميركية في العراق يحدد بؤرة تركيزه بدائرة الرجال الذين يخضون هذه الحرب.

وشهد العام الماضي فيلمين عن عودة جنود من الحرب، لقيا اعجاب النقاد هما (برذرز) Brothers و(ذي ميسنجر) The Messenger اللذان حولا الهوة بين خبرة من قاتلوا ومن بقوا في بلدهم الى دراما نفسية وداخلية. ولكن في حين ان هذه الافلام كانت صريحة في تصويرها آثار الحرب النفسية المدمرة على الجنود وعائلاتهم فانها التزمت جانب الصمت، كعهدها، عن معاني هذه الصدمات النفسية ودلالاتها فيما تعالت اصوات السينمائيين، كعهدهم، في نكران وجود اي اجندة سياسية وراء عملهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/تشرين الثاني/2010 - 1/ذو االحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م