لاستعراض الكتب اهمية بالغة، فهي من ناحية تستعرض اهم الافكار
والاراء والنصوص الواردة في الكتب مع تذييلها بهوامش وتعليقات نقدية
وتحليلية تكون نبراسا لبناء فكري جديد او اضافات تراكمية جديدة، ومن
ناحية اخرى فأنها توفر على من لم يحالفهم الحظ باقتناء نسخة من الكتاب،
الاستفادة من زبدة المتن فاذا اراد الاستزادة فعليه بالبحث عن النسخة
الورقية او الالكترونية واذا لم يشعر بالفائدة المرجوة فسوف يوفر وقته
الى نصوص اخرى في ظل وجود عدد غير محدود من الكتب والبحوث في العالم مع
قصر عمر الانسان للتعرف على كافة امهات الكتب والموسوعات الاصلية هذا
في حال كونه قارئا متابعا الى اقصى الدرجات!
اما اذا كان مثل الغالبية التي لا تقرأ أو لايعنيها متابعة اخر
النتاجات المعلوماتية والمعرفية والتدقيق في القديم لتطوير الذات فهي
ايضا محظوظة من خلال التوضيح بعدم الاقتناع الاعمى اذا ما طرحت عليها
افكار ونصوص هي في ظاهرها البنائي قوية البرهان الاستدلالي والنتائج
لانه قد يكون هنالك افكار ورؤى اقوى منها ولكنها غائبة عن اليد مما
يعني ضرورة التريث لحين الاطلاع على الاراء الاخرى، لان النسبة الغالبة
من المتعصبين هم اما غير قراء اصلا او قراء لجهة واحدة!.
الكتاب: انت تفكر... اذن انت كافر
تأليف سلوى اللوباني... الكتاب طبعة بيروت 2009 من القطع المتوسط
والورق الخشن ويتألف من 135ص.
عبارة الكتاب محورة من المقولة الشهيرة لديكارت(1596-1650)... انا
افكر اذا انا موجود... والمقصود بأن التفكير في العالم العربي اصبح في
العصر الحديث جريمة يعاقب عليها الاتهام بالتكفير ومشتقاته مثل الزندقة
والخيانة والانحراف وغيره!...
الكتاب يصنف ضمن كتب المقالات والتي عرفناها سابقا، وجميع المقالات
نشرت في موقع ايلاف الالكتروني بين عامي2007-2009... وبما ان الموضوع
هو قديم وايضا كبير في المضمون ولا يمكن اختزاله في مقالات او كتاب
واحد فعليه يكون الاستعراض لنصوصه غير كافي خاص في ظل وجود عدد كبير
جدا من المبدعين المنسيين ويحتاج كل فرد منهم الى فصل ان لم يكن كتاب
يسرد سيرته الذاتية او يستعرض فكره ومعاناته!.
فكرة الكتاب كما ذكرتها الكاتبة هي لفت انظار المسؤولين لما يجري
للمثقفين بشكل عام في العالم العربي من تغييب ونفي وتكفير! وهي محاولة
لمساعدتهم في ظل تلك الظروف القاهرة التي تقتل الابداع في مهده! وقد
ظهرت بادرة ايجابية من وراء تاثير الكتاب من خلال تأسيس اتحاد للكتاب
العرب يحاول مساعدتهم في محنتهم، كما ولحسن الحظ ايضا ذكرت المؤلفة
انها بصدد كتابة جزء ثاني لان هذا الجزء ليس كافيا بالمرة لاثارة
مواضيع تحتاج الى دراسات ضخمة للتقصي والتحليل ثم اعطاء التوصيات
والنتائج، ولذلك ينبغي عند كتابة الجزء الثاني البدء في توسيع بحوث
الجزء الاول واخراجها من صفة المقالات واللقاءات مع بعض المثقفين العرب،
الى صفة البحوث الطويلة ذات الطبيعة التحليلية المعمقة وبالرغم من ان
ذلك سوف يحتاج الى جهد وصبر وحيادية والالتزام بقواعد البحث العلمي
المجرد الا ان ذلك هو واجب تطويري لا يمكن الاستغناء عنه!.
هنالك ايضا ضرورة تصحيح بعض المعلومات الخاطئة التي وردت سهوا وقد
يكون مطبعيا، مثل خطأ عمر وتاريخ وفاة نجيب سرور والصحيح هو 46 ووفاته
عام 1978، او القانون الذي صدر عام 1961 في عهد عبد الناصر والذي منح
مجمع البحوث الاسلامية الرقابة وليس عام 1921(ص71)... كما ان استخدام
اللهجة العامية في الفصل الثاني في المبحث الثاني المسمى: مش قادرة
استنى... الحرية! هو يضعف مستوى الكتاب وبخاصة الجانب الفني من ناحية
الجمال اللغوي، فيستحسن الاقتصار على الفصحى لكونها الجامع الاوحد بين
متحدثي وكتاب العربية في العالم وهي ذات جمال لا يمكن مقارنته باللهجات
المحلية الضعيفة والثقيلة في القراءة!.
يتألف الكتاب من ثلاثة فصول... الاول مصائر بعض المثقفين كالمرض او
الانتحار، وايضا كرامة المبدع وتسول علاجه وتجربة السجن للبعض... وذكرت
بعض الحالات التي هي بالمقارنة مع اخرين لم تذكرها في الكتاب، يمكن
وصفها بالقول انها حالات شبه عادية في المجتمعات العربية! وهي اخذت
حقها لفترة معينة من الشهرة والنشر، بينما الحالات الاخرى هي مرعبة
بشكل لا يمكن وصفه وبخاصة الاعدام الجسدي والمعنوي وعدم وجود اي نصوص
تدوينية محفوظة عنها!... والكاتبة ذكرت اكثر الامثلة عن مصر وبررت ذلك
بأنها الاكثر عربيا من حيث العدد!...
وفي الحقيقة ان حال المبدعين في مصر يعتبر افضل بكثير من بلاد عربية
كثيرة تفوقت عليها من حيث الكم الهائل من اضطهاد وابادة مبدعيها بطرق
اقرب للوحشية الهمجية، ولا يمكن وضع مصر الا في خانات الاقل اضطهاد في
العالم العربي بالرغم من انها دون الحد الادنى للمستويات العالمية
المقبولة!... فأكثر الدول العربية بلا منازع ابادة جسدا وفكرا وذكرا
لمبدعيه هو العراق! وبخاصة في فترة الحقبة السوداء بين عامي 1963-2003
حيث كان الحكم البعثي هو اسوأ الحقب التي مرت عليه في التاريخ المعاصر،
واي تغافل سواء من المؤلفة او غيرها بقصد او بدون قصد لذلك الكم الهائل
من المبدعين والعباقرة الذي اغلبيته مجهول يعتبر اهانة ادبية واخلاقية
كبرى لا تبرر ابدا لهم، ويمكن رؤية الكثير من المصادر المرئية
والمسموعة والمكتوبة التي انتشرت بعد سقوط صدام عام 2003 للاثبات وعلى
سبيل المثال ذلك الشاعر الذي اعدم في شريط فيديو من خلال وضع المتفجرات
في جيبه! هذا بالاضافة الى سلب الجنسية وكافة الحقوق المدنية من عدد
اخر ضمن مئات الالوف!... وبعد العراق تأتي بقية الدول بفارق شاسع مثل
ليبيا وسوريا وتونس والسعودية واليمن والسودان والمغرب الخ من القائمة!...
ذكرت المؤلفة(ص29) رسالة الدكتوراه لسعيد بن ناصر الغامدي لتكفير
اكثر من 200مبدع عربي ويقع في 3 مجلدات ضخمة صدرت عام 2003 تحت
عنوان(الانحراف العقدي في ادب الحداثة وفكرها) وانتقدته بشدة...
وللتعرف على مضمون ذلك الكتاب انزلته من شبكة الانترنت وقرأت فيه فصولا
واطلعت على اخرى، وفي الحقيقة ان تلك الرسالة تعبر عن الرأي السلفي
المتشدد السائد في السعودية من جهة وتحمل في الكثير من صفحاتها عبارات
السب والشتم والاتهام بمختلف الالفاظ من العبارات غير اللائقة بالبحث
العلمي المجرد والدراسات الاكاديمية بالخصوص، كما وتضمن مباحث مختلفة
كالفلسفة وغيرها ونقدها وليس فقط الادب وتجاوز نقده الى المذاهب
الاسلامية الاخرى والنزعات الصوفية! والادباء المنتسبين اليهما سواء
بالوراثة او بالتأثر! وخرج كثيرا عن بعض الحقائق كنسب الكفر والانحراف
وغيره لبعضهم كما ان بعض النصوص الادبية التي انتقدها لا تؤدي بالضرورة
الى فساد والحاد صاحبها وانما يقتضيها العمل الادبي والفني وضروراته،
فمثلما يتناول الفقيه كافة المسائل الفقهية التي فيها دلالة على وجود
مفاسد في المجتمع ويصدر حكمه عليها، فالاديب ايضا يقوم بتصوير الحالة
الكلية والفردية في المجتمع من كافة الاتجاهات، وعليه فقد كان متطرفا
في بعض ما جاء في الكتاب واعتمد كما لاحظت على مصادر عديدة تدعم رأيه
بينما ذكر ايضا حالات الحاد وفساد صحيحة ولا يمكن تبريرها بأي حال من
الاحوال ويتحمل اصحابها المسؤولية كاملة عليها، كما ويجب القول بأن بعض
المؤيدين للمذاهب الادبية والفكرية ليسوا بالضرورة موافقين على
التوجهات السلوكية او حتى الاتجاه نحو الالحاد وغيره عند مفكريهم الا
في حالات التصريح بذلك، مثل تأييد الاشتراكية دون الالتزام بالحاد بعض
مفكريها...
لا يمكن اختصار العباقرة والمبدعين بصنف الادباء او حتى العلماء في
العلوم الطبيعية والانسانية لانه هناك الكثير من علماء الدين المجددين
والمفكرين الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل قول كلمة الحق والدفاع
عن الحريات والكرامة المهدورة وبالتالي فأن اي بحث مستقبلي يجب ان
يتضمن تلك الشخصيات بالرغم من ذكر الكاتبة لسيد قطب فقط!.
في الفصل الثالث، تناولت المؤلفة عدد من القضايا ولكن عن طريق
استبيان اراء بعض الكتاب والادباء، مما يعني انها اختارت ارائهم
المتنوعة للجواب على الاسئلة المطروحة وبالتالي عليها في الجزء الثاني
واجب ابداء الرأي المفصل الخاص بها في تلك المواضيع، من قبيل نص المبدع
ام سلوكه الشخصي؟ وهو الذي تناولناه في مقال سابق، والثقافة العربية
بين التضخيم والتعتيم، والجنس في الرواية السعودية وغيرها، ولكن
الموضوع الاهم هو العلاقة بين الدين والابداع وهل يلتقيان؟... وقد شارك
في الاستطلاع عدد من الكتاب العرب وطبيعي ان اجوبتهم كانت تلائم
خلفياتهم الايديولوجية والفكرية، وقد تكون عبارات البعض اكثر قربا من
حيث الدقة مثل الفهم المستنير للدين (علاء الاسواني)او الرأيين
المتعارضين في صفحتين متقابليتن(76-77) الاول لنور الدين الحارثي:
الدين قمة الابداع، وهو عبر بدقة اكبر من الرأي الاخر للباحثة التونسية
رجاء بن سلامة والمجاهرة بعدائها للدين! عندما عبرت بخطأ نابع من
تفكيرها المسبق: التنافر بينهما مستمر الى اليوم! وهي محاولة للربط بين
السلوكيات الخاطئة لبعض المنتمين للتيارات الدينية الذين يجتهدون حسب
خلفياتهم الفكرية والمذهبية وبين الدين ككل!الذي يتسع لكافة التيارات
والمذاهب!.
وفي القسم السادس من الفصل الثالث تناولت دور مصر الثقافي سابقا
واليوم وغدا، من خلال استبيان اراء بعض الكتاب العرب، ولقد عبر بدقة
اكبر الناقد صلاح فضل عندما قال ان الثقافة لا تعني قوما بذاتهم، كما
عبر بطريقة اخرى الكاتب السعودي هاني النقشبندي بقوله: مصر هي التي
تعطي اليوم الفرصة لمن لم يحظ بها في وطنه... والعبارة الاخيرة كافية
للدلالة بأن مجال الحريات الموجودة في مصر يفوق اغلب الدول العربية
ماعدا لبنان، ولذلك برز هذا الكم الهائل من المبدعين على ارضها سواء
اكانوا مصريين ام عربا اخرين، ولو كانت الانظمة المصرية المتعاقبة بمثل
قسوة الانظمة العربية الاخرى لما رأينا اساسا ذلك الانتشار الكثيف على
ارض مصر، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان الكثافة السكانية لمصر تدل
على ان نسبة المبدعين لديها اقل من بعض الدول العربية الاخرى اذا قسمنا
العدد الاجمالي للمبدعين على عدد السكان بالرغم من عدم وجود ارقام
لهكذا نوع من الاحصائيات! وعموما فأن نسبة المبدعين المصريين الى
المجموع العام في العالم العربي الان اقل من السابق بسبب انتشار
التعليم والانفتاح في عدد من الدول العربية التي كانت تعاني من انتشار
الامية وضعف وسائل الاتصال قبل بضعة عقود من الزمن مثل دول الخليج
والمغرب العربي.
الكتاب يحمل رسالة مؤثرة لحمل هموم المبدعين في عالم يتجاهلهم بل
ويضطهدهم لادنى الاسباب! وهو جدير بالقراءة والتوسع فيه ضرورة لا غنى
عنها، كما ان البحث في هذا الموضوع المتشعب الابعاد من وجهات نظر
متنوعة هو لرفع حالة الغبن والنفي والاستهزاء والتمييز من فئات ينبغي
ان تكون لها الريادة في المجتمع لا ان تكون في اسفل السلم! والبحث
بموضوعية عن كافة الوسائل الكفيلة للخروج من جميع السلبيات... |