الخبرة السياسية:
لكي يكون التحليل السياسي قوياً وقريباً من الواقع، من المهم للمحلل
أن يكون خبيرا بالشؤون السياسية.. إذ إن الصدق في التحليل والتنبؤات
السياسية، بحاجة إلى خبرة فائقة في علم السياسة.. وتأتي الخبرة
السياسية عن طريق خلفية نظرية متينة، تؤهل المحلل السياسي، من مسك
مفاتيح الفهم والوعي السياسي.. ويمكن الحصول على هذه الخلفية النظرية
عن طريق الآتي:
- قراءة المؤلفات السياسية، التي توضح الخطوط السياسية العريضة، أو
تحلل حدثا سياسيا ماضيا.. أو مذكرات قيادات سياسية شاركت في صنع الواقع
السياسي المحلي أو الدولي.
الدول الكبرى وبالخصوص الديمقراطية بين الفينة والأخرى تكشف النقاب
عن مجموعة من الوثائق السرية أو الأخبار الخاصة عن أحداث ماضية..
فمعرفة الأحداث وملاحقة أسرارها مفتاح ضروري لفهم الحاضر
- متابعة الأخبار والتقارير السياسية والخبرية (جريدة – مجلة –
راديو– تلفاز) وما أشبه، وملاحقة الأخبار الخفية والأسرار السياسية
والأحداث التي تجري خلف الكواليس.. ونلاحظ أهمية ذلك حين تحليل حدث
اقتصادي كتقييم مسيرة تنموية، أو تقويم مجموعة إجراءات اقتصادية.. إذ
نجد مثلا البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي يحاولان دائما الترويج
لآرائهما وربطها بنماذج تنموية اقتصادية ناجحة.. وفي الوقت ذاته تعمل
هذه القوى الدولية على تقويض أسس التنمية المستقلة والاقتصاد السليم في
ذلك البلد.. كل ذلك بأساليب خاصة لا يعلن عنها.. فمثلا دعاية البنك
الدولي عن تجربة كوريا الجنوبية في التنمية.. إذ يزعم البنك أن هناك
ربطا بين معدل النمو المرتفع والانفتاح الواسع على الخارج.. بل تدعي أن
سر النجاح هو بالذات هذا الانفتاح، كأنه شرط ضروري وكاف لارتفاع معدل
النمو.. كل ذلك يحدث باسم العلم والخبرة الاقتصادية، ويستخدمون في سبيل
ذلك جميع التبريرات لتمرير سياساتهم ومخططاتهم.. لذلك فالمحلل السياسي
يحتاج دائما إلى ملاحقة الأسرار السياسية والأحداث التي تجري خلف
الكواليس.. وهكذا فإن أغلب سيناريوهات الأحداث السياسية وبالخصوص
الخطيرة والمصيرية منها، تقع نطفتها الأولى تحت الكواليس وبعيدا عن
الأضواء.. ويكفي أن نعرف أن مشروع تقسيم المشرق العربي في عشرينيات هذا
القرن بين فرنسا وبريطانيا (سايكس - بيكو) كان سرياً ولم يكشف النقاب
عنه إلا عن طريق قوة ثالثة وهي الاتحاد السوفياتي بعد ثورة أكتوبر عام
1917 م.. من هنا نجد أن الدول الكبرى وبالخصوص الديمقراطية بين الفينة
والأخرى تكشف النقاب عن مجموعة من الوثائق السرية أو الأخبار الخاصة عن
أحداث ماضية.. فمعرفة الأحداث وملاحقة أسرارها مفتاح ضروري لفهم الحاضر..
فدائرة الأسرار المرتبطة بالأحداث السياسية تظل على علاقة وثيقة بما
يحدث فوق الأرض وفي العلن.. كما أنه ينبغي الاهتمام بالأحداث الصغيرة
بوصفها أنها نطفة وبداية الأحداث الكبيرة والضخمة.. ففي أوروبا القرون
الماضية، كانت المناوشات الصغيرة بين دويلات الإقطاع ممرا إلى الحروب
الضخمة الدولية.. واختراع المدفع غيّر معادلة الواقع الاقتصادي
والعسكري برمته آنذاك، حيث ضمن تفوق الملكية على الإقطاعية ووضع حدا
لغزوات المغول والتتر على العالم الأوروبي.. كما أن طاحونة الهواء
وطاحونة الماء وكدانة الجر أسهمت إلى حد بعيد في تحسين شروط حياة
الفقراء في القرون الوسطى.. ويقول (أرنست جونجير): عندما يستمر تساقط
الثلوج كل الشتاء، تكفي رِجل أرنب لتحدث انهيارا ثلجيا جارفا..
- مراجعة الأرشيفات والمستندات السياسية، من أجل دعم التحليل
السياسي بالوثائق والبراهين الدامغة، وبيان تاريخية الحدث، لكي تكون
النظرة السياسية عميقة ومستندة إلى معطيات تاريخية وواقعية..
- معرفة التاريخ السياسي للنظام الدولي: ولكي نفهم أهم التطورات
والتحولات التي طرأت على النظام الدولي، ومن أجل إيضاح جملة من الحقائق
التاريخية التي مازلنا نعيش فصولها وآثارها.. فلابد من معرفة التطورات
التي حدثت في ميزان القوى، وعلى التبدل والتحول الذي طرأ على المحور
الأساسي للنظام الدولي.. والأسباب التي أدت إلى هذا التحول والتبدل،
والنتائج التي ترتبت عليها.. والنظريات والسياسات الاستراتيجية، التي
نشأت مع النظام الدولي والقوى الفاعلة فيه..
- معرفة القوانين الدولية والسياسية: ما من شك أن للقوانين الدولية
بمختلف أنواعها وأشكالها، تأثيرا في مجمل الأحداث السياسية التي تجري
على وجه البسيطة.. لذلك ينبغي أن يكون المحلل على اطلاع واسع على هذه
القوانين، ليتسنى له جعل الحدث السياسي في قالبه الصحيح، وليتمكن من
معرفة أهم الثغرات والفجوات الموجودة في القوانين والمؤسسات الدولية..
- مساءلة أهل الاختصاص والخبرة لكي يكون الرأي السياسي ناضجا ونابعا
من مناقشات مستفيضة وحوارات عميقة.. والمحلل الناجح هو الذي لا يتخذ
المواقف السياسية إلا بعد المداولات والمناقشات من أهل الخبرة
والاختصاص، لكي يعمق فهمه، ويركز رأيه، ويؤصل نظرته وموقفه السياسي..
بهذه الأمور تتكون لدى المحلل السياسي الخلفية النظرية الكافية والخبرة
السياسية اللازمة، التي تؤهله لممارسة عملية التحليل السياسي بنجاح..
العوامل الإقليمية والدولية:
تتعدد النظريات التي تريد أن تثبت دور وتأثير القوى الإقليمية
والدولية في الساحة السياسية.. والقاسم المشترك بين جميع هذه النظريات
هو أن للعوامل الدولية والإقليمية تأثيرا مباشرا على مجمل الأحداث
السياسية التي تجري في العالم.. ويرجع ذلك إلى تعدد أبعاد العوامل
الإقليمية والدولية.. وتتداخل مسبباتها ومصادرها، وتتشابك تفاعلاتها،
وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة.. وبالتالي فإن تأثير هذه العوامل
تتنوع مظاهره وأشكاله.. فهو (أي التأثير) قد يكون سياسيا أو اقتصاديا
أو أيدلوجيا أو تكنولوجيا أو ثقافيا وما أشبه ذلك.. كما أن أدوات
التأثير من قبل القوى الإقليمية والدولية على ساحة الفعل والقرار
السياسي، تختلف من موقع لآخر، ومن هذه الأدوات الضغط والاحتواء
والتهديد والعقاب والتفاوض والمساومة والإغراء والحرب المسلحة، والتدخل
العسكري يمثل نقطة النهاية في تطور تأثير القوى الدولية والإقليمية على
الساحة السياسية.. فالمشكلة العراقية بجميع تداعياتها وآثارها المحلية
والإقليمية والدولية، لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن نعزلها عن تأثير
القوى الإقليمية والدولية في مجرى الأحداث وآلية المشكلة الشاملة التي
يعاني منها العراق.. وحالة التعقيد التي تتصف بها الأزمة العراقية،
التي أفرزت العديد من الصراعات والنزاعات الدموية، لا يمكن فصلها عن
التعددية الهائلة للأطراف والقوى الإقليمية والدولية القادرة على
التأثير في المسيرة السياسية.. وعن تعدد مصالح هذه القوى والأطراف
وتضاربها الشديد بل يمكن القول إن العامل الدولي بالذات هو الذي قام
بإثارة الكثير من عناصر التوتر والنزاع في الساحة العراقية.. وبهذا نجد
أن الكثير من النزاعات المتفرقة التي تجري على الساحة العراقية اليوم،
ما هي إلا انعكاس لصراع سياسي بين قوى ذات تأثير على الساحة العراقية..
والشعب العراقي، هو الذي يدفع فاتورة التنافس والصراع بين القوى
والأطراف الدولية والإقليمية..
ولو تأملنا أيضا في أغلب بؤر التوتر في العالم، لوجدنا أن للقوى
الدولية حصة الأسد في تفجير هذه البؤر وبقاء أوارها.. فالمشكلة الهندية
– الباكستانية لا يمكن أن نحلل حركتها بمعزل عن خطط وسيناريوهات القوى
الدولية في القارة الهندية.. كما أن المشكلة الأفغانية لا يمكن عزلها
عن تأثير العوامل الإقليمية والدولية على مجريات أحداثها وفصولها
الدامية منها والسياسية.. كما أنه لا يمكن النظر إلى المشاكل المتفاقمة
التي تجري في القرن الأفريقي بمعزل عن تأثيرات هذه القوى عليها.. وهكذا
في جميع بؤر التوتر والانفجار في العالم.. ويكفي أن نعرف فقط أن أغلب
المشاكل الحدودية والجغرافية بين بلدان العالم، كانت من صنع دولي أو
إقليمي لبقاء السيطرة والهيمنة.. وتتعدد المداخل التي تحاول تفسير
ظاهرة التأثير من قبل القوى الدولية والإقليمية في العلاقات الدولية..
فمنها المدخل الأيدلوجي حيث إن التناقضات الأيدلوجية بين القوى الكائنة
في المجتمع الدولي، تمثل الحقيقة الكبرى التي تنبع منها وتدور في
خلفيتها كافة أشكال الصراعات الدولية المعاصرة.. ومدخل سباق التسلح
ومدخل المصالح القومية في نطاق سياسات القوى.. والمدخل السياسي والمدخل
المتعلق بطبيعة النظام السياسي الداخلي ونظرية المحور الصناعي والعسكري..
وهكذا تتعدد المداخل التي تفسر ظاهرة الصراع في العلاقات الدولية..
وبتأمل بسيط من قبلنا في جوهر هذه المداخل والنظريات، نرى بوضوح مدى
تأثير العوامل الإقليمية والدولية على حركة الأحداث السياسية..
الخطوات العملية
بعد تعيين الظاهرة السياسية المراد تحليلها، وتوفير المستلزمات
النظرية والمعرفية لعملية التحليل.. تبدأ الخطوات العملية التي ينبغي
أن يقوم بها المحلل السياسي.. وهذه الخطوات كالآتي:
- الملاحظة الدقيقة للظاهرة والحدث السياسي المراد تحليله.. لأن
الظواهر السياسية سريعة التغير وشديدة التشابك ويرتبط بعضها بالبعض
الآخر.. ومن لا تتوفر لديه اليقظة التامة والمتابعة الدقيقة فلن يستطيع
تحليل عناصر الظاهرة السياسية تحليلا سليما.. والسبب يرجع إلى أن أغلب
الأحداث السياسية، التي تجري في العالم، تمارس معها عمليات التضليل
والإغواء وتحريف عقول الناس، وتشويه تصوراتهم ونظرتهم إلى حركة الأحداث
السياسية.. لذلك فالمحلل المتميز هو الذي يلاحق الحدث، ويتعرف على
تفصيلاته، ويتابع مسيرته بدقة ووعي تام..
إن للتدريب والممارسة دوراً كبيراً في بلورة الرؤى وصياغة المواقف
لأن (رأي الرجل على قدر تجربته) والمحلل السياسي المتميز هو الذي لا
يقف خارج الأحداث أو حركة الفعل السياسي وإنما هو الذي يتابع حركة
الأحداث من أجل بناء رؤية سياسية دقيقة وسليمة لواقعه الخاص والعام.
- معرفة الظرف السياسي الذي وقع فيه الحدث.. إذ من الضروري أن يلاحظ
المحلل المحيط الذي وقع الحدث في أجوائه.. ولذلك لأن لبنية المحيط
ومشكلاته دورا وتأثيرا كبيرا في حركة الحدث السياسي.. ولا يمكن التحدث
برؤية صائبة عن الحدث، بدون ملاحظة الظروف السياسية والاقتصادية التي
وقع فيها الحدث.. فلا يمكن مثلا فصل عمل بطولي يقوم به أبناء فلسطين
المحتلة، عن الظروف السياسية الخانقة التي يعيشها أبناء فلسطين تحت
الاحتلال الإسرائيلي الحاقد..
- التعرف على عناصر التأثير في الحدث (محليا – إقليميا – دولياً)
فمثلا لا يمكن للمحلل أن يدرك حقيقة الأحداث المتلاحقة في منطقة الشرق
الأوسط دون معرفة العناصر والقوى ذات التأثير في المعادلة السياسية في
المنطقة.. وقد تجد في الكثير من الأحداث السياسية، أن لا مصلحة حقيقية
من ورائها بالنسبة إلى منفذها المباشر، ولكنها من مصلحة القوة
الإقليمية أو الدولية المرتبطة بها.. فدراما الأحداث السياسية التي
تجري حاليا في منطقة الشرق الأوسط كلها بيد القوى الدولية والإقليمية
ذات التأثير المباشر على المعادلة الحاكمة في هذه المنطقة.. لذلك حين
التحليل، لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال التأثير الإقليمي والدولي
لمجمل الأحداث.. لأنها تسير وفق توازنات محلية وإقليمية ودولية دقيقة..
وكل قوة تريد التأثير في الأحداث بما يوافق مصالحها وتطلعاتها..
والرابح في الأخير هو الذي يمتلك أوراق اللعبة أكثر، والقادر على
بلورتها وتفعيلها وتوظيفها في ميدان العمل والممارسة السياسية.. ولكي
تكتمل صورة عناصر التأثير في ذهن المحلل، لابد له أيضا من التعرف على
المصالح السياسية والاقتصادية للأطراف المرتبطة بالحدث.. فإن معرفة
المصالح توفر جهدا كبيرا للمحلل.. لأن المصالح هي الدافع المباشر في
كثير من الأحداث السياسية التي تجري في العالم.. فالقوات الأجنبية التي
احتلت العراق، لم تأت لكي تدافع عن مصلحة شعوب المنطقة أو قيم الحرية
والعدل والمساواة، وإنما جاءت من أجل الدفاع عن مصالحهم واستراتيجياتهم
في المنطقة..
- التعرف على منطقة الحدث: لا شك أن لجغرافية الحدث تأثيرا مباشرا
في حركة الظاهرة السياسية.. والمحلل الذي يجهل الخريطة الجغرافية التي
وقع فيها الحدث، لا يمكنه بأي شكل من الأشكال، أن يكون ذا تحليل علمي
دقيق.. فأزمة خليج الخنازير التي جرت في الستينيات من القرن الماضي بين
الولايات المتحدة الأمريكية وكوبا، لا يمكن فصلها عن الموقع الجغرافي
والحدود المشتركة لكلا البلدين.. كما أن النظام السياسي والاقتصادي في
بولندا في العصر الحديث، كان دائم التأثر بالاتحاد السوفياتي السابق
للقرب الجغرافي..
فالتعرف على موقع الحدث وطبيعته، ونقاط القوة والضعف فيه، مدخل
ضروري لفهم مغزى وطبيعة الحدث السياسي، وخطوة لابد منها في عملية
التحليل السياسي.
- الربط بين الأحداث والظواهر السياسية لإظهار ومعرفة مراحل تطور
الحدث: حيث إن أغلب الأحداث السياسية ليست منفصلة عن نظائرها، وإنما هي
امتداد لمجموعة أحداث أو رد فعل لظاهرة سياسية ما.. لذلك فإن الربط بين
الأحداث والظواهر السياسية، يكشف للمحلل عن خبايا الحدث ومغازيه
وأهدافه.. ومن هنا جاء في المأثور (استدل على ما لم يكن، بما قد كان،
فإن الأمور أشباه).. فالأحداث السياسية تكشف عن أحداث سياسية أخرى..
فالأحداث التي تجري على الأرض الأفغانية، وتأثير القوى الخارجية في
الساحة الأفغانية، ليست بمعزل عن عوامل القبول المختلفة المتوفرة في
أفغانستان وغيرها من بلدان العالم الثالث.. كما أن الربط بين أحداث
الغزو الأمريكي لفيتنام والخسائر الفادحة التي منيت بها القوات
الأمريكية، هو الذي أوجد نظرية الحرب النيابية والقوة الإقليمية
البديلة كخط دفاعي عن المصالح الأمريكية في الخارج..
- طرح الأسئلة وعلامات الاستفهام: وهذه الخطوة هي عبارة عن أسلوب
استقرائي يوصل المحلل السياسي إلى الاحتمال الأقرب إلى الحقيقة والواقع..
فلكي يصل المحلل إلى جوهر الحدث السياسي وغايته، لابد أن يطرح على نفسه
أو على أهل الخبرة والاختصاص مجموعة من الأسئلة والاستفسارات التي تقرب
بدورها الحدث إلى عقل المحلل، وتعرفه بآراء الآخرين ونظرتهم المتنوعة
عن الحدث السياسي.. فطرح الأسئلة هو أسلوب منطقي، يوصل المرء إلى العلم
والحقيقة.. ومن المفيد في هذا الإطار أن المحلل السياسي، حينما يريد أن
ينضج رأيه ونظرته السياسية عن طريق مساءلة أهل الخبرة والاختصاص، من
الضروري أن يناقشهم وهو ذو رأي ونظرة.. لا لكي يتوقف عندهم ويصر على
رأيه، وإنما لكي تتوفر لديه القاعدة الضرورية لكل مناقشة موضوعية، ولكي
يتعرف على وجهات نظر الآخرين ونظرتهم عن رأيه وتحليله.. ويبقى السؤال
وسيلة لا غنى عنها للحصول على العلم والحقيقة والمعرفة وجاء في المأثور
(القلوب أقفال ومفاتيحها السؤال)..
- التحليل والتركيب: بمعنى أن المحلل السياسي يقسم الظاهرة السياسية
أو الحدث السياسي، إلى أقسام، ومن ثم يخطو في التحليل خطوات منظمة بحيث
تكون كل نقطة بالنسبة إلى التي تليها بمثابة المقدمة من النتيجة..
ويقوم بتحليل الظاهرة السياسية (موضوع البحث والتحليل)، إلى أبسط
عناصرها وأدق تفاصيلها.. وهذه العملية تؤدي بالمحلل، بشكل طبيعي، إلى
تتبع نمو الظاهرة والحدث، والوقوف على تفرعاته، ومدى الصلات التي تربط
هذه الظاهرة مع ما عداها.. لأنها تعين المحلل السياسي على تحديد ما
يتطلبه الحل والعلاج.. ومن الأهمية بمكان أن تتماسك أجزاء التحليل..
فلا يتناقض مع بعضه، أو يصل المحلل في تحليله إلى نتائج متضاربة مع
بعضها البعض.. ومن الضروري التأكيد في هذا السياق على أن الأحداث
السياسية، لا تخضع لنظام آلي ميكانيكي، وإنما هي بالدرجة الأولى، خاضعة
لإرادة الفعل والاستجابة لدى الإنسان الفرد أو الجماعة.. وعلى ضوء هذا
لابد للمحلل السياسي أن يجمع بين دراستين في تحليل الظاهرة السياسية
(الدراسة الاستاتيكية وهي دراسة تشريحية وظيفية تتعلق بالناحية
الاستقرارية للأوضاع والنظم السياسية، والدراسة الديناميكية وهي دراسة
هذه الأوضاع في حالة حركتها وتفاعلها وترابطها وتطورها) (راجع كتاب
قضايا علم السياسة العام، الدكتور محمد فايز عبد اسعيد، ص34).. حتى
يستطيع المحلل السياسي، أن يعرف ثوابت الحدث ومتغيراته وتداعياته..
وبعد عملية التحليل والتركيب، يأتي دور المقارنة بين الآراء
وتمحيصها، حتى يتمكن المحلل من معرفة الرأي الأصوب.. وقد جاء في
المأثور (اضربوا بعض الرأي ببعضه يتولد منه الصواب).. فإن المقارنة بين
الآراء وتمحيصها، تمكّن المحلل السياسي من التوصل إلى الرأي السديد،
ويتعرف على الثغرات ونقاط الضعف لدى الآراء الأخرى.. لأن (من استقبل
وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ) و(من جهل وجوه الآراء أعيته الحيل)..
وجماع القول: فإن للتدريب والممارسة دورا كبيرا في بلورة الرؤى
وصياغة المواقف لأن (رأي الرجل على قدر تجربته) والمحلل السياسي
المتميز، هو الذي لا يقف خارج الأحداث أو حركة الفعل السياسي، وإنما هو
الذي يتابع حركة الأحداث من أجل بناء رؤية سياسية دقيقة وسليمة لواقعه
الخاص والعام.. |