حرب الانترنت... جبهات مفتوحة لأكثر من عدو

 

شبكة النبأ: بوتيرة متصاعدة تدور خلف الكواليس حرب لا تعرف الهوادة بين اجهزة المخابرات الدولية لكن في اسلوب جديد يهدف الى التخريب وسرقة المعلومات.

حيث انتهزت العديد من الدول الشبكة العنكبوتية للوصول الى بعض الاهداف غير المشروعة، ضد الدول التي تعتبرها معادية، وخير مثال على ذلك فايروس ستاكسنت الذي استهدف المنشآت الايرانية مؤخرا.

الا ان تلك الاداة اصبحت كسلاح ذو حدين وقد ينقلب السحر على الساحر في بعض الاحيان، حيث نجحت مجموعة غير معروفة باختراق المنظومة الالكترونية للقواعد الامريكية في الشرق الاوسط، الامر الذي اثار المخاوف من تداعيات تلك الحرب المحمومة، وما سوف يترتب عليها عالميا.

حماية الانترنت

فقد أعلنت ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما خطوات لزيادة التنسيق بين المدنيين والعسكريين في التصدي للتهديدات التي تستهدف شبكات الكمبيوتر الامريكية الحساسة والتي قيل انها تتصاعد.

وكشف وزير الدفاع روبرت جيتس ووزيرة الامن الداخلي جانيت نابوليتانو عن ترتيبات جديدة بين وزارتيهما لتنسيق ردهما على تهديدات متنوعة.

وتضع مذكرة تفاهم وقعها الوزيران وأميط اللثام عنها محللين لشؤون الانترنت من وزارة الدفاع داخل المركز الوطني لامن الانترنت وسلامة الاتصالات الذي تقوده وزارة الامن الداخلي.

كما ترسل موظفا كبيرا من وزارة الامن الداخلي للعمل بدوام كامل في وكالة الامن القومي التابعة لوزارة الدفاع مع فريق دعم يضم موظفين من وزارة الامن الداخلي مكلفين بالعمل في مجالات حماية الخصوصية والحريات المدنية والشؤون القانونية.

ووكالة الامن القومي مسؤولة عن حماية النظم الخاصة بالامن القومي للولايات المتحدة والتنصت على الاتصالات في الخارج. بحسب رويترز.

وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع في مؤتمر من خلال الهاتف ان الاتفاق سيسهل على وكالة الامن القومي تبادل المعلومات مع وزارة الامن الداخلي التي تتحمل المسؤولية الاساسية عن حماية الانظمة الحيوية مثل شبكات الكهرباء والخدمات المالية ومحطات تنقية المياه.

وقال جيتس ونابوليتانو في بيان مشترك ان الاتفاق يضمن ايضا بالنسبة الى طلبات الدعم "أن تنقل بوضوح وتلبى".

وكان وليام لين نائب وزير الدفاع قد قال ان اكثر من 100 منظمة مخابرات اجنبية تحاول اختراق الشبكات الامريكية. وكتب في عدد سبتمبر أيلول وأكتوبر تشرين الاول من دورية الشؤون الخارجية فورين أفيرز أن بعضها " لديها بالفعل القدرة على تعطيل" البنية الاساسية الامريكية الخاصة بالمعلومات.

ويقضي الاتفاق بان تلحق وزارة الامن الداخلي بالتنسيق مع وزارة الدفاع مديرا لتنسيق امن الانترنت بوكالة الامن القومي يعمل داخلها دون ان يكون ضمن هيكلها الاداري.

وسيعمل هذا الموظف ممثلا اعلى لوزارة الامن الداخلي لدى القيادة الخاصة بالانترنت التي أنشأها الجيش أخيرا والمسؤولة عن حماية شبكات الكمبيوتر الخاصة بوزارة الدفاع والتي يتجاوز عددها 15 ألفا.

وللاشراف على الترتيبات الجديدة سيعقد نائبا الوزيرين اجتماعات اشرافية شهرية بموجب الاتفاق.

المخابرات البريطانية

في سياق متصل قال مدير هيئة الاتصالات الحكومية في بريطانيا ان الدول تستخدم بالفعل تقنيات حرب الانترنت لمهاجمة بعضها البعض مما يجعلها في حاجة لتوخي اليقظة على مدار الساعة لحماية أنظمة الكمبيوتر.

وصرح ايان لوبان رئيس الهيئة المكلفة بمراقبة الاتصالات في بريطانيا ان النظم الحكومية البريطانية تتعرض لعمليات استهداف ألف مرة شهريا.

وتابع في خطاب نادر ألقاه أمام مؤتمر في لندن "شبكة الانترنت تشهد صراعا كل يوم وكل ساعة بل كل دقيقة وكل ثانية".

ومضى لوبان يقول ان الانترنت خفضت "الحواجز أمام الدخول الى لعبة التجسس". واضاف ان توسع الانترنت زاد من خطر التخريب في البنية الاساسية مثل محطات الطاقة والخدمات المالية.

وتابع لوبان "التهديد حقيقي وذو مصداقية". وتقوم الوكالة التي يرأسها لوبان بمهمة تنصت ضخمة على غرار ما تقوم به وكالة الامن القومي في الولايات المتحدة وتقوم أيضا بعمليات مثل جمع معلومات المخابرات وفك الشفرة.

وأصبح سياسيون ورؤساء أجهزة مخابرات في بريطانيا وفي أنحاء العالم أكثر حذرا تجاه تزايد التهديدات الالكترونية عبر الانترنت. بحسب رويترز.

وطفت القضية على السطح الشهر الماضي عندما قال خبراء أمنيون ان فيروس كمبيوتر أطلق عليه اسم (ستاكسنت) يهاجم نظاما صناعيا واسع الاستخدام يمكن أن يكون من صنع دولة لمهاجمة منشات نووية في ايران.

وقال لوبان للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن دون تفاصيل محددة "انه أمر حقيقي أننا شهدنا استخدام تقنيات الانترنت من جانب دولة ضد أخرى لممارسة ضغط دبلوماسي أو اقتصادي للتأثير عليها."

وقال تقرير برلماني حديث ان هيئة الاتصالات الحكومية أشارت الى ان دولا مثل روسيا والصين تمثل أكبر تهديد للهجمات الالكترونية على بريطانيا.

وتنشيء الولايات المتحدة حاليا قيادة تشرف على الانترنت لحماية شبكات الدفاع وشن هجمات الكترونية وقال لوبان ان هناك حاجة للاتفاق على "أنماط سلوكية صحيحة للدول المسؤولة في مجال الانترنت."

وأضاف ان تصاعد الجرائم الالكترونية أمر "مزعج" ويكلف الاقتصاد البريطاني مليارات الجنيهات الاسترلينية.

وتابع "لا أريد لمجرد كوني مسؤولا بالامن القومي وألقي كلمة عن الانترنت أن تخرجوا بانطباع انها قضية أمن قومي أو دفاع فحسب ... فهي تمس صلب رفاهنا الاقتصادي ومصلحتنا الوطنية."

حرب الجواسيس

من جهته قال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) ان وكالة تجسس أجنبية قادت هجوم عام 2008 على أنظمة كمبيوتر الجيش الامريكي في واحدة من أخطر عمليات الاختراق الامني للجيش الامريكي على الانترنت.

وصرح وليام لين نائب وزير الدفاع الامريكي بأن الهجوم وقع بعد وضع أداة لتخزين المعلومات عليها فيروسات في جهاز كمبيوتر محمول تابع للجيش في قاعدة عسكرية بالشرق الاوسط مما أدى الى تحميل شبكة القيادة المركزية بشفرة كمبيوتر ضارة.

وكتب لين في مقال في مجلة الشؤون الخارجية يقول "هذه الشفرة انتشرت بلا رقيب في الانظمة السرية وغير السرية مما خلق ما يرقى الى رأس جسر رقمي يمكن ان تنقل منه البيانات الى خوادم كمبيوتر تحت سيطرة جهة أجنبية."

واستطرد "هذه الواقعة التي كانت محاطة بالسرية هي أخطر اختراق لانظمة الكمبيوتر التابعة للجيش الامريكي على الاطلاق." بحسب رويترز.

ولم يكشف لين عن اسم الدولة التي يقف جهازها الاستخباراتي وراء هذا الهجوم لكنه قال ان هناك أكثر من 100 وكالة استخبارات أجنبية تحاول اختراق الشبكات الامريكية.

وكتب يقول "بعض الحكومات لديها بالفعل القدرة على تعطيل عناصر في البنية التحتية المعلوماتية الامريكية."

وذكر انه في كل عام يسرق المتسللون بيانات من وكالات حكومية وشركات وجامعات امريكية تكفي لملا مكتبة الكونجرس أكثر من مرة.

وأقر بأن هناك صعوبة فيما يتعلق بهجمات الكمبيوتر التي تستهدف الجيش الامريكي في التعرف على من يقف وراءها وهو ما يصعب مهمة الرد على هذه الهجمات ويجعل الامر مغريا بالنسبة للحكومات المعادية.

وكتب ان "هجمات الانترنت توفر سبلا للخصوم المحتملين للتغلب على التفوق الامريكي الكبير في القوة العسكرية التقليدية والقيام بذلك بطرق فورية يصعب جدا تعقبها."

وذكر لين انه تم بالفعل رصد معدات كمبيوتر مقلدة في بعض الانظمة التي حصلت عليها وزارة الدفاع الامريكية وهو خطر كبير لان رقائق الكمبيوتر يمكن كتابتها من خلال "مفاتيح تحكم قاتلة" عن بعد.

وقال ان "الشفرة المارقة" التي تحدث عطلا يمكن ان تدس في برامج الكمبيوتر خلال عملية وضع وتطوير تلك البرامج.

وذكر لين ان هجوم 2008 كان بمثابة جرس انذار للبنتاجون الذي أنشأ منذ ذلك الحين قيادة لعمليات الانترنت واتخذ اجراءات لتعزيز دفاعاته.

"غزو" الولايات المتحدة

الى ذلك بات من الممكن "غزو" الولايات المتحدة الكترونيا (على شبكة الانترنت) خلال عامين وبتكلفة تبلغ 100 مليون دولار، على ما قال اخصائي اميركي بشؤون القرصنة المعلوماتية في لاس فيغاس (نيفادا، غرب الولايات المتحدة).

وقدم تشارلي ميلر، الذي عمل خلال خمس سنوات لحساب وكالة الامن القومي الاميركي، خلاصة اعماله في مؤتمر حول القرصنة الالكترونية اختتم اعماله الاحد في لاس فيغاس.

وقال في حديث مع وكالة فرانس برس "لقد عملت كما لو ان كوريا الشمالية طلبت مني تنظيم هجوم الكتروني افتراضي على الولايات المتحدة".

واوضح انه تلقى طلبا من مركز التصدي للهجمات الالكترونية في استونيا لتجهيزه بما يمكنه من التصدي لهذا النوع من الهجمات، بعدما قدم عرضا لخلاصات اعماله ايضا في مؤتمر لحلف شمال الاطلسي عقد في هذه الدولة في شهر حزيران/يونيو.

وقال تشارلي ميلر "كنت اعلم ان القيام بهجوم الكتروني على الولايات المتحدة امر سهل، لكني الآن اعرف تماما كم هو سهل"، مؤكدا ان الولايات المتحدة "مكشوفة جدا" امام اي هجوم الكتروني شامل، معتبرا ان مبلغ 100 مليون دولار الكافي لتنظيم هجوم كهذا نقطة في بحر المبالغ التي دفعت للوقاية من كارثة مماثلة. بحسب فرانس برس.

وتنطوي استراتيجية الهجوم الشامل على استهداف شبكات توزيع الكهرباء، والمصارف، والاتصالات، وكل البنى التحتية التكنولوجية للبلاد.

والجيش الالكتروني الافتراضي لن يكون مؤلفا سوى من نحو مئة "جندي" من فرق النخبة المعلوماتية الى الطلاب الشغوفين بهذا المجال.

واحد مفاتيح هذا الهجوم، كما شرح ميلر، التسلل الى الشبكات خلال سنتين واقامة رأس جسر او مواقع متقدمة في الانظمة المعلوماتية قبل الهجوم الشامل.

واضاف "في حال تركتموني اعمل سنتين، يكون امركم قد انتهى". واوضح "لكن يمكنكم خلال العامين اكتشاف الامر وايقافه".

ويمكن ايضا شن هجوم مركز على قطاع محدد، مثل البورصة او الشبكة العسكرية، وبذلك بتكلفة اقل.

واختار ميلر كوريا الشمالية في السيناريو الذي عمل عليه، على اعتبار انها من الدول المتأخرة تكنولوجيا، وهذا الامر يساعدها في البقاء بمنأى عن تداعيات هجوم الكتروني شامل.

وقال "ربما تعمل بعض البلاد" على تنظيم هجوم شامل على الانترنت، وفي حال تم ذلك فان هناك حلين، "تقليص اعتمادنا على الانترنت، او الكشف المبكر عن هذا الهجوم والتوصل الى وسائل سياسية لمنع وقوعه".

لكن ميلر يرى ان خبراء المعلوماتية الماهرين لديهم القدرة على شن هجوم مماثل، لكنهم يمتنعون عن ذلك لاسباب وطنية واخلاقية، او "لأنهم يخافون ان يقتلوا"، مضيفا "هذا امر واقعي ينبغي التفكير فيه".

ولفت رئيس وكالة الامن القومي مارك هاردينغ، الى ان بلاده غير قادرة على الاطلاق على مواجهة اي تهديد مشابه في الوقت الحالي، وقال "يدعي البعض انهم قادرون على شل شبكة الانترنت، وهذا صحيح".

واضاف "لكنهم لا يفعلون ذلك لان لديهم قيما تمنعهم عن ايذاء الآخرين او سرقتهم". وخلص الى القول "عندما لا يتوافر هذا المزيج من الاخلاق والانضباط، ستحل المشكلة".

استهداف ايران

على صعيد متصل قالت شركات غربية في مجال أمن الانترنت ان أحد فيروسات الكمبيوتر التي تهاجم برمجيات صناعية واسعة الاستخدام يستهدف ايران بشكل أساسي على ما يبدو وان تعقيد الفيروس يشير الى احتمال أن تكون احدى الدول ربما متورطه في انشائه.

وقال كيفين هوجان مدير الاستجابة الامنية في شركة سيمانتيك لرويترز ان 60 في المئة من أجهزة الكمبيوتر المصابة بالفيروس المعروف باسم ستكسنت في العالم موجودة في ايران مما يشير الى أن المنشآت الصناعية الايرانية هي الهدف.

وقالت شركة كاسبرسكي لابس الاوروبية المتخصصة في الامن الرقمي ان هذا الهجوم لا يمكن أن يحدث الا "بدعم من دولة".

وأضافت الشركة في بيان حول الفيروس الذي يهاجم أنظمة التحكم الصناعية التي تنتجها شركة سيمنس ايه.جي واسعة الاستخدام "ستكسنت هو نموذج فعال ومخيف من أسلحة الانترنت التي ستؤدي الى خلق سباق جديد للتسلح في العالم."

وتصريحات الشركات هي الاحدث في سلسلة من التصريحات لمتخصصين فيما يتعلق بفيروس ستكسنت أثارت تكهنات بأن المحطة النووية الايرانية الاولى في بوشهر ربما استهدفت بمحاولة تخريب أو تجسس تدعمها دولة. بحسب رويترز.

وقال هوجان عن الفيروس "من الواضح تماما بناء على نمط الاصابة ان منشآت ايرانية مستهدفة."

وأضاف ان أعداد أجهزة الكمبيوتر المصابة كبيرة جدا وقال ان سيمانتك حددت أماكن الاجهزة المصابة وتتبعت الانتشار الجغرافي للشفرة الخبيثة.

وتقول مصادر دبلوماسية وأمنية ان حكومات غربية واسرائيل تعتبر ان التخريب وسيلة من وسائل ابطاء البرنامج النووي الايراني الذي يشك الغرب في أنه يستهدف صنع قنبلة نووية بينما تصر طهران على أنه يستهدف توليد الكهرباء.

وقال هوجان ان من المستحيل التحدث بشكل قاطع عن فئة الكمبيوترات المستهدفة. وقال ان الهدف قد يكون منشأة تكرير للنفط أو محطة للصرف الصحي أو لتحلية مياه الشرب أو مصنع.

لكن الواضح أن صناع هذا الفيروس يمتلكون الكثير من الموارد.

وتابع قائلا "لا يمكننا أن نستبعد الامكانية (أن تكون دولة ما وراء هذا الفيروس). لانه مبني بشكل كبير على الموارد والتنظيم والمعرفة العميقة في مجالات متعددة بما في ذلك معلومات محددة عن منشآت في ايران فمن الممكن أن تكون دولة أو جهة ليست دولة ولكنها تملك هذا النوع من الانظمة."

وشاركت سيمنس في التصميم الاصلي لمفاعل بوشهر في السبعينات عندما وافقت ألمانيا الغربية حينها وفرنسا على بناء محطة للطاقة النووية في ايران أثناء حكم الشاه قبل أن تطيح به الثورة الاسلامية في عام 1979.

وتقول سيمنس أكبر منتج في العالم لانظمة التحكم الصناعية والتي تعتبر هذه الانظمة أكبر مصادر عائداتها انها لم تزود ايران بأي أنظمة تحكم صناعي يمكن استخدامها في المنشآت النووية. غير أن خبراء يقولون ان مثل هذه الانظمة يمكن شراؤها من الاسواق.

وانتقدت دول غربية مشاركة روسيا في استكمال مفاعل بوشهر الذي توقف العمل فيه طويلا. وتقول موسكو ان المفاعل مدني تماما ولا يمكن استخدامه في اي برنامج للتسلح النووي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/تشرين الثاني/2010 - 25/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م