السعادة تأمل

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش قصيدة تحمل عنوان (حين تطيل التأمل) يقول فيها:

حين تُطيل التأمُّلَ في وردةٍ

 جَرَحَت حائطاً، وتقول لنفسكَ:

 لي أملٌ في الشفاء من الرمل/

 يخضرُّ قلبُكَ.

 حين تُرافقُ أُنثى إلى السيرك

 ذاتَ نهارٍ جميلٍ كأيقونةٍ.

 وتحلُّ كضيفٍ على رقصة الخيل/

 يحمرُّ قلبكَ.

حين تعُدُّ النجومَ وتُخطئُ بعد

الثلاثة عشر، وتنعس كالطفل

في زُرقة الليلِ/

يبيضُّ قلبُكَ.

حين تَسيرُ ولا تجد الحُلْمَ

يمشي أمامك كالظلّ/

يصفرُّ قلبك.

في هذه القصيدة قد يكون المضمر الذي اخفاه الشاعر وحاول ان يقدم توصيفا لنقيضه هو(التألّم – والالم) في انعكاس لكلمة التأمل..

يكتب احد الكتاب العرب:

ان من اكبر عيوب الثقافة العراقية في العصر الحديث،(كذلك العربية)، انها اعتمدت فقط على المصدر الغربي، وتجاهلت تماما المصدر الشرقي، وبالذات الصيني والهندي.

ويحاول ان يفتح نافذة على ثقافات هذا المصدر الشرقي من خلال فلسفة التأمل التي تعمل على تحقيق الانسجام بين الانسان والكون المحيط به بجميع مخلوقاته وكائناته..

وابرز الامثلة لمبدأ التأمل هو ما نجده في المعتقدات الصينية التاوية المدعوة بالـتشي كونغ ، لجهة غناها بالمعتقدات القائمة على مبدأ الانسجام مع الكون وتوضيحها لها توضيحاً عملياً، ويأتي تعبير تشي كونغ من مقطعين صينيين: الأول هوتشي، ويعني الطاقة، التنفس، الهواء، الحيوية، والثاني هوكونغ، ويعني العمل، الجهد، التمرين. وبالتالي تدلُّ كلمة تشي كونغ على تمارين التنفس أو أعمال الطاقة.

ماذا يعني التشي كونغ بحدِّ ذاته؟ إن التشي كونغ هومنهاج قديم جداً من أجل تطوير النفس، يعتمد على الإمكانية والمسؤولية الفرديتين للحفاظ على الصحة وتطوير الحيوية وإطالة الحياة، في الوقت نفسه الذي يقوم به الفرد بتطوير الوعي الروحي والبصيرة.

يعتمد التشي كونغ في هذا على:

1. تمارين بدنية سكونية وحركية بالوضعيات المختلفة للاستلقاء والجلوس والوقوف والمشي.

2. ضبط التنفس والقيام بحركات تنفسية متناغمة مع الحركات البدنية.

3. بعد تهيئة البدن وإعطائه الاسترخاء المطلوب عن طريق التمارين والتنفس، يُعمَد إلى اتخاذ وضعيات معينة، تأملية وروحية، مستسقاة من مراقبة الطبيعة وحركات الحيوانات والأجرام السماوية.

4. يدخل في بعض الممارسات استعمال الأصوات والروائح وترداد مقاطع صوتية معينة، وخاصة في التشي كونغ البوذي.

5. يركِّز التشي كونغ التاوي على الخيمياء (الكيمياء القديمة) الداخلية. والغاية منها أن يصل الإنسان إلى وحدة تامة مع الطبيعة في كل عمل يقوم به ويمارسه، وأن يُحدِث تغييراً كاملاً في سيلان الطاقة داخل الجسم لتصير أكثر انسجاماً مع الطبيعة، الأمر الذي يغير التفاعلات الكيميائية داخل الجسم لتصبح أكثر عطاء للطاقة واستفادة منها..

وبذلك صار مبدأ استعمال قوانين الطبيعة والكون من أجل خير الإنسانية جزءاً أساسيا من التفكير الفلسفي التاوي ومن ممارسات التشي كونغ. وقد نتج عن هذا ما يلي:

1. تتبع صحة الإنسان ومرضه، سعادته وحزنه، تغيرات دورية في السماء والأرض.

2. عندما تصل أفكار ومشاعر وأعمال الإنسان درجة مستقرة من التوازن الداخلي والانسجام الفسيولوجي، يصل الإنسان إلى أفضل الحالات الحياتية الممكنة.

3.عندما يقع الشخص ضحية للمرض فإن أفضل طريقة للشفاء هي تسكين العقل، تهدئة المشاعر، إحداث انسجام في الفعاليات البدنية، وخلق حالة توازن. تعيد هذه الطرق إلى الشخص الصحة المفقودة، كما تعيد إليه الحيوية وتضعه في حالة توازن مع قوى السماء والأرض.

4. الحركة والسكون قطبان نسبيان في وجود كلِّي واحد، وليسا ظاهرتين مستقلتين، كما هي حال الـينغ والـين، كونها أقطاب متكاملة في نفس الطاقة الكونية الأساسية.

وفي موضوع قريب نشر باحثون من جامعة بافلو وجامعة كاليفورنيا دراسة نفسية الجديدة كان عنوانها (الشيء الذي لا يقتلك: التحطيم ومرونة استعادة القوة لدى تراكم الإصابة بشدائد الحياة).

وقال الدكتور مارك سيري، الأستاذ المساعد في علم النفس بجامعة بافلو والباحث الرئيسي في الدراسة إن (المعلومات السابقة تشير إلى أن التعرض لأحداث حياتية ذات طبيعة معادية ومُحطّمة، عادة ما يثير لدى الكثيرين توقع حصول آثار ذات تداعيات سلبية على الصحة النفسية والشعور بالعافية لدى الشخص المتعرض لها. ومع هذا، فإن ثمة ملاحظة أن معايشة تلك النوعية من الأحداث قد تسرّع في التكيف، ومرونة استعادة القوة، ما ينتج عنه إيجابيات في الصحة النفسية والشعور العام بالعافية لدى الكثيرين).

وأضاف أن (نتائجنا أعطت حقيقة وجود معادلة ذات شكل حدوة الفرس، أو شكل حرف (يو) باللغة الإنجليزية (U – shape)، وأثبتت شكلا مختلفا ومعقدا لما قد يبدو بسيطا في العلاقة بين الأحداث اليومية السيئة ونتائجها)، بمعنى أن التدهور يتبعه ارتفاع.

ولاحظ الباحثون في نتائج الدراسة أن الأشخاص الذين تعرضوا لبعض من نوبات الأحداث الحياتية الكبيرة، ذات الصفة السيئة والمخيبة للأمل والمتضمنة لعدوانية الغير، كانوا لاحقا أكثر شعورا بارتفاع مستوى صحتهم النفسية العامة وأكثر شعورا بالعافية، على المديين القصير والبعيد.

وذلك بالمقارنة مع أولئك الأشخاص الذين لم يتعرضوا لتلك النوعية من الأحداث والظروف المُحطّمة.

ومع ملاحظة أن الحياة اليومية تحمل في جعبتها كثرة التعرض لأنواع شتى من الصدمات الاجتماعية أو المالية أو الوظيفية، ومع الاتفاق على أن القوة الشخصية هي إحدى السمات الإيجابية في الفرد، ومع إدراك أن المرونة في «سرعة» استعادة القوة إحدى المميزات التي يتصف البعض بها دون آخرين، يبقى تساؤل يفرضه ما تطرحه نتائج الدراسة وهو: (من أين تأتي القوة للشخص كي يستعيد وبسرعة عافيته النفسية وشعوره بذلك؟).

وأفادت دراسة اخرى بأن تمارين التأمل قد تعزز القوة الذهنية للجنود قبل ذهابهم إلى ساحات القتال، وتساعدهم على التحكم بشعورهم خلال القيام بمهامهم اليومية.

وأشار الباحث أميشي جها وعالم الأعصاب الإدراكي من جامعة بنسلفانيا، إلى أن تمارين التأمل تساعد الناس على البقاء يقظين والسيطرة على عواطفهم وهى بذلك، أي التمارين، تزود هؤلاء بما يشبه (الدرع الذهني) في وجه شتى المخاطر التي تعترضهم.

ما هو التأمل؟

يعرف البعض التأمل بأنه أسلوب لتغيير السلوك تجاه الحياة. فالتأمل ما هو ألا استرخاء للعقل الواعي ونشاط العقل اللا وعي…هذا الاسلوب والتغيير ينشأ من داخل قرارة الانسان. والتأمل يفتح أبوابا واسعة في سبيل المعرفة فهو دعوة الى التفاؤل والطموح. التأمل هو تدريب لقوى النفس للعقل والقلب والحدس، لتأمل هو تجاوز ظاهر الأمور للغوص في باطنها.

والتأمل هو احدى الطرق العملية لتهدئة الافكار الداخلية للسماح لنا بالشعور بحقيقتنا الطبيعية.

 ويرى المسلمون ان التأمل كان فرضا على الانبياء ولم يبعث نبي الا سبقت رسالته جلسات تأمل طويلة كما حصل للنبي ابراهيم عليه السلام وهو يتأمل النجوم والكواكب والافلاك ثم ابعد من ذلك كله. وما حصل للنبي صلى الله عليه وال وسلم من التحنث الليالي الطوال أي الذهاب للغار في الجبال والتفكير ثم الاتصال الصحيح بالنفس والكون. ان التأمل صنعة الاقوياء.

فوائد التأمل

- شعور بالسلام الداخلي.

- شعور بالانسجام بين الروح العقل والجسد.

- ترتيب الافكار وتسلسل الاولويات.

- الطمأنينة والهدوء.

- الترفع عن سفاسف الافكار.

- اكتشاف المعاني العميقة للذات.

- اكتشاف رسالتك في الحياة.

- ترتيب الطاقة الداخلية.

- فهم المعاني العميقة للعلاقات مع البيئة والاخرين.

في الاسلام يعتبر التدبر.. هو المرادف للتأمل.. فلو تدبرت في خلق الله وجلست ساعة تذكر الله بعد صلاة الفجر، فإن هذا نوع راق من التأمل..

والدين يريح القلب ويعطيه السكينة.. فالتسبيح في الإسلام على سبيل المثال نوع من أنواع التأمل، فتكرار كلمة بعينها يساعد على الاسترخاء والتمعن في معناها جيدا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 31/تشرين الأول/2010 - 23/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م