هدير البحر الانتخابي قد هدأ، والغيوم الملبدة بالشائعات والاتهامات
وسوء الظن والغيبة والنميمة قد انجلت، وأسفرت سماء البحرين عن لونها
الأزرق الجميل.
قافلة النواب والبلديين أخذت تستعد لخوض دورة جديدة من العمل الوطني
الشاق .. هذا العمل الذي يعتريه دائماً الصعاب، ولا يخلو من المنغصات.
الذين شاركوا في العملية التشريعية والرقابية والخدمية يعترفون بأن
العضو النيابي والبلدي يجب أن يتمتع بنفس طويل وصبر، وحنكة سياسية،
ومعرفة بمشاكل وهموم المجتمع، وقدرة على قياس نبض الشارع، والذي يفتقد
لهذه المعايير عادة ما يصيبه الإحباط واليأس من العملية السياسية،
ويلعن ذلك اليوم الذي ترشح فيه للانتخابات، وجلس على الكرسي النيابي أو
البلدي، خاصة حينما يواجه العضو ممارسات ووقائع لم يكن يتصورها،
كالإجراءات الروتينية البطيئة، وعراقيل من قبل الدوائر الرسمية،
ومطالبات وضغوطات من قبل الناخبين.
لقد مرت المجالس المنتخبة في البحرين بوقفات ومحطات عديدة، بعضها
مثمرة وأخرى محبطة، لم ترتقِ إلى مستوى طموح الشعب البحريني. لو نرجع
بذاكرتنا قليلاً إلى الوراء نجد أن قافلة المجالس المنتخبة عادة ما
كانت تسير كالسلحفاة ضمن إيقاع بطيء، وكانت تعترض طريقها القوانين
والإجراءات، كاللائحة الداخلية للنواب، وضعف الصلاحيات للبلديين.
ورغم كل تلك العراقيل والتحديات، فإن المجالس المنتخبة قدمت بعض
المنجزات التي لا يمكن إنكارها. اليوم، وبعد أن انتهت المعركة
الانتخابية، نركز أسئلتنا حول ما أفرزته تلك الانتخابات، وهي كالتالي:
هل كانت توجّهات الناخبين في اختيار المرشحين صحيحة؟ وهل الإرادة
الشعبية تحققت بصورة سليمة أم شابتها شوائب؟ من هي الكتلة الفائزة
والأخرى الخاسرة؟ هل الشارع البحريني مال إلى المستقلين على حساب
المتحزبين؟ وهل المجلس النيابي القادم سيكون مجلسًا قويًا ومتماسكًا أم
سيكون مجلسًا متشنجًا ومتوترًا وغير منتج؟ هل الأعضاء الجدد يتجهون نحو
تحريك الملفات ذي الطابع الوطني أم ذي الطابع الخدمي والمحلي؟
وبعبارة أخرى، هل النائب الجديد سيكون نائب خدمات، يركز جهوده لخدمة
دائرته، أم سيكون نائبًا لكل الشعب؟ ملايين الدنانير التي صُرِفت في
العملية الانتخابية، بعضها قد أثمرت وكثير منها قد تبخرت.
وفي النهاية، ورغم كل الإشكالات والتحفظات، فقد فاز من فاز، وخسر من
خسر، وكل مرشح قد عرف حجم نفسه، أو حجم الجمعية التي ينتمي إليها. وقد
ثبت للجميع أن السياسة هي عالم المتغيرات، وأن دوام الحال من المحال،
فلا يمكن الاستهانة برأي الناخب البحريني بعد اليوم.
ونقول للخاسرين: إنها ليست نهاية التاريخ، وإن العمل الوطني لا
ينحصر في دخول البرلمانات والمجالس البلدية .. مؤكدين مجدداً أن
المجالس المنتخبة ما هي إلا أداة من أدوات تحقيق العدالة والديمقراطية
وتعزيز حقوق الإنسان. والمنتصر الحقيقي في معركة أكتوبر الانتخابية هو
البحرين بالدرجة الأولى، والشعب البحريني بكل طوائفه ومذاهبه وأعراقه
بالدرجة الثانية.
وأخيرًا، نصيحتي إلى الناخب البحريني أن لا يقطع تواصله مع المرشح
الفائز، وإن أداء الواجب الوطني لا ينتهي عند عملية التصويت، فقد أثبتت
التجارب الديمقراطية، خاصة في الديمقراطيات العريقة وتلك الناشئة بأن
الرقابة الشعبية تلعب دورًا كبيرًا في توجيه بوصلة النواب. وحتى لا
يُقال إن ديمقراطيتنا ما هي إلا مجرد ديمقراطية تنفيس، فإن علينا
التشبث بالقضايا الوطنية التي تعزز اللحمة الوطنية، والابتعاد كلياً عن
المنزلقات الطائفية، وعلى الناخب مراقبة النائب عن دائرته، ومحاسبته
إذا انحرف عن مسار العمل الوطني، وحاول جرّ المجلس النيابي إلى إثارات
ومشاحنات فئوية وطائفية. |